972
0
سيد أحمد القصوري... فنان جزائري يبدع في فن التدوير ويحيي القطع العتيقة بلمسة متفردة
على غرار التطورات والتغيرات الحاصلة في مختلف المجالات، يشهد الفن اليوم ثورة من التجديد والإبتكار، خاصة تلك الأعمال المنجزة المتعلقة بالتوجه نحو التدويرو بالرسكلة وإعادة استغلال و استعمال المقتنيات القديمة و المنسية في شكل قوالب جديدة مفعمة بالإبتكار تبث فيها الحياة وتمنحها رونقا وجمالا مميزا.
شيماء منصور بوناب
ومن ابرز المهتمين بهذا المجال التقينا الفنان و الحرفي سيد أحمد القصوري الذي أطلعنا على تجربته في مجال التدوير الفني لمستلزمات الصناعة الالكترونية الخاصة بالمقتنيات العتيقة ، سنوات من التجربة خلقت منه شخصا مولعا بالترميم و الصيانة التي كانت مكسب رزقه و قوته اليومي .
الهندسة الالكترونية .... الأرض الخصبة لترقية فن التدوير....
وفي بداية حديثنا، قال أن عمله في مجال صيانه الأجهزة الكهرومنزلية كالتلفزة و الراديو وكذا تصليح التلغراف اللاسلكي والجرامفونات ومشغلات التسجيل في فترة مضت ساعده على النجاح و التميز في مجال التدوير، وهو الأمر الذي أكسبه الخبرة و التجربة الكافية في انشاء تركيبات الإضاءة بشكل فني يجذب النظر و الاهتمام ، خاصة و أن لكل قطع يصنعها قصة فريدة تعود لطريقة تحويلها أو مكان تواجدها.
وبالعودة لسبب اكتشاف ميوله لهذا الفن، أوضح القصوري ، أنه في مرة من المرات صادف ابنه الموسيقي عطبا في القيتار الخاص به ، فلم يشأ التخلي عن آلته بما أنها وسيلته للتعبير عن خلجاته ، فما كان له سوى التفكير في حل يجعل من قيتاره قطعة تلازمه رغم العطب الذي بها.
ومن هنا افاد محدثتنا، أن التفكير في حل للحفاظ على القيتار الخاص بابنه جعله يبحث بين أغراضه عن واسطة تمكنه من تحويل آلة الموسيقى المعطلة لقطعة فنية تثلج صدر ابنه ، فكان الحل الأمثل لذلك تحويلها لتركيبة إضاءة بمعنى "ثريا" يمكن الاستفادة منها في المنزل.
كان مجال الإكترونيات أرضا خصبة لمحدثنا الذي استقى منها المهارات الإبداعية التي أخرجت طاقته بعد سنوات عديدة من امتهان الحرفة ، أي بعد سن التقاعد، أين أصبح يفكر و يبدع بأدواته اليومية قطعا فنية فريدة تجمع بين الأصالة العتيقة و التراث و التكنولوجيا في لوحة واحدة امتزجت خيوطها بخيوط الفن و الرسكلة .
الشغف و الابداع.... نفس جيدة للقطع العتيقة
إن الشغف بالأشياء القديمة التي تجمعه بحرفته جعلته يخطو عالم المغامرة الفنية بين تركيبات الآلات القديمة في سوق القطع المستعملة يبحث بأعين الفنان عن ما يلبي شغفه و يغذي هوايته من خلال تحويل الأجهزة القديمة لمستلزمات جديدة تنبض بالحياة .
تزويد القطع المنسية بنبض جديد كان غايته و مصدر فرحه حين يأخذ كل قطة بتفصيلاتها وينفض عنها الغبار ليكتشف القصة التي تخفيها و يحاول صيانتها من خلال محاكات عطبها ، بلمسات فنية كان لها الفضل في إعادة استعمالها مرة ُأخرى في غير موضعها الأصلي من خلال ضمها لسلسة اعماله الفنية للتزيين و الاستعمال على حد سواء.
وتثمينا لقيمة القطعة العتيقة من ناحية التراث و الهوية ، نوه بأهمية المحافظة على طبيعتها مع إضفاء لمسات تكنولوجية جديدة تكون مواكبة للمستجدات الراهنة خاصة ما تعلق منها بطموحات الشباب و رغباتهم ، لجلب انتباههم اكثر لهذا المجال .
ومن عبارة "لا يوجد وقت محدد للإبداع و الإنجاز" ، قال الفنان أن حبه للإلكترونيات حفزه بعد التقاعد للانطلاق في مجال انشاء ورشته الفنية تضم اعماله الحرفية التي تتمحور غالبيتها حول تراكيب الإضاءة التي تحاكي تصاميمها المنظور العصري و التراثي للمقتنيات المنزلية.
توبا.... قطعة فنية تحاكي قدسية فلسطين الأبية
أما بخصوص أبرز أعماله ومنجزاته عرج الفنان، للقطعة الفنية "توبا" آلة موسيقية نحاسية من عائلة النفخيات، أحضرها من فلسطين قبل عشر سنوات تقريبا ، استغرقت وقت وجهد كبير قبل دخولها للجزائر من مصر .
وأضاف، إعادة تهيئتها أخذ وقتا وجهدا كبيرا لما لها من رمزية وقدسية خاصة من أرض الثورة الفلسطينية التي كانت ملهمته لصنع ثريا او تركيبة ضوئية تعطي دلالات و ايحاءات عن شعاع الامل و ضوء الحرية يسطو من القدس الأبية.
لاقت اعمال القصوري استحسانا كبير من أسترته التي كانت الداعم الأول له، وهو ما جعله يواصل مساره في مجال الرسكلة و إعادة التدوير لمدة تقارب عشر سنوات من الابداع و التميز متطلعا لاكتشاف منافذ أخرى للابتكار بأليات جديدة تواكب العصرنة وتحافظ على الهوية .
الهواجس التقنية ... تحدي جديد في مسار التدوير
وبالعودة لسياق الصعوبات و العراقيل، شدد الفنان على صعوبة توفير المادة الأولية بالألوان المناسبة للقطعة الفنية ، التي تحتاج لمواد كهربائية بالوان داكنة وهي عكس ما يوفره السوق المحلي الذي تقتصر مواده على اللون الأبيض فقط.
العجز في إيجاد مقتنيات تلائم موضوع قطعته الفنية كان هاجسه الوحيد و دافعه أيضا للتوجه نحو السوق الخارجية للتزود بالمواد الازمة لاستكمال اعماله، التي تعكس خبرته وإبداعه واحترامه للمواد التي يستخدمها.
في هذا الصدد طالب الفنان السلطات المعنية دعم الفنانين الجزائريين كل و مجاله باعتبار أن الفن في بلادنا مع الأسف لا يمكن ان يكون مكسب رزقا او معيلا في الحياة كونه يفتقر للدعم و المرافقة المادية و المعنية.
وفي ذات الشأن، كشف محدثنا أن اهتمامه بالدقة و التفاصيل هي السر وراء تفرد أعماله التي تحمل بصمته الشخصية كمهندس إلكترونيات ومبدع فني وحرفي يسعى لصقل موهبته وإثرائها بما يتطلبه التراث الفني والثقافي للجزائر خاصة و العالم العربي عامة.
في الختام أفاد أن سعيه نحو الفن لم يكن صدفه، انما هو وليد الابداع و الرغبة في إعادة الأشياء من الماضي إلى الحياة وإنشاء قطع فريدة منها تكون كشهادة حية على عودتها من جديد في قالب يجسد حبه للفن والتكنولوجيا.