27
0
سجون التماسيح: حين تتحوّل الدولة إلى غريزة

بقلم: سامي إبراهيم فودة
حين تفقد السياسة عقلها، وتخلع الدولة قناع القانون، لا تعود القرارات سوى انعكاسٍ مباشر لغرائز أصحابها. في المشهد الإسرائيلي الراهن، لا يبدو أن بعض صناع القرار يكتفون بالقمع الممنهج، بل يسعون إلى ابتكار أدوات تعذيب رمزية ومادية تُرضي نزعاتهم الأكثر ظلمة. اقتراح إنشاء سجن تحيط به التماسيح ليس مجرد فكرة أمنية عابرة، بل مرآة صادقة لعقلية ترى في الإنسان فريسة، وفي السلطة حقًا مطلقًا بلا مساءلة.
إن تحويل السجون إلى مسارح للرعب لا يمكن فصله عن السياق الأيديولوجي الذي يحكمه اليمين المتطرف في إسرائيل. فحين يُطرح “الأمن” ذريعة لتبرير الإذلال، يصبح التعذيب سياسة، ويغدو الابتكار في القسوة إنجازًا يُتفاخر به.
التماسيح هنا ليست تفصيلًا غرائبيًا، بل رمزًا لذهنية تسعى إلى إحاطة الأسير بالخوف الدائم، وتجريده من أي شعور بإنسانيته، حتى وهو خلف القضبان.
هذا التوجه لا يأتي من فراغ. فصاحبه معروف بمشاريعه التشريعية التي تتغذى على الانتقام لا على العدالة، وعلى الإعدام لا على القانون. وحين تُرفع رموز الموت على الصدور، وتُقدَّم المقاصل بوصفها حلولًا سياسية، فإننا لا نكون أمام دولة تدافع عن أمنها، بل أمام سلطة تُشبع نزعة سادية مغلّفة بخطاب رسمي.
الأخطر من الفكرة نفسها هو تطبيعها داخل النقاش العام. فحين يصبح الحديث عن تماسيح تحرس السجون شأنًا يُناقش ببرود، ندرك أن التوحش لم يعد استثناءً، بل تحول إلى جزء من البنية الذهنية للنظام، وهنا لا يعود السؤال: هل الفكرة قابلة للتنفيذ؟ بل: كيف وصلت السياسة إلى هذا القاع الأخلاقي؟
سجون التماسيح ليست إجراءً أمنيًا، بل شهادة إدانة. إدانة لعقلية ترى في القوة غاية، وفي القسوة فضيلة، وفي الإنسان رقمًا يمكن إخضاعه بالخوف. التاريخ علّمنا أن الدول لا تُقاس بقدرتها على البطش، بل بقدرتها على كبحه. وكل سلطة تُراكم أدوات الرعب، إنما تحفر لنفسها عزلة أخلاقية، وتسجّل اسمها في سجل العار، لا في دفاتر الأمن.

