78
0
صبرا وشاتيلا… جراح لا يندمل وذاكرة لا تموت

بقلم آسيا احمد علي
تمرّ السنوات، وتتعاقب الأجيال، لكن جرح صبرا وشاتيلا يظل مفتوحًا، نازفًا في ضمير الإنسانية. إنها المجزرة التي ارتُكبت بدم بارد في سبتمبر 1982، عندما تحالف الاحتلال مع أذرعه السوداء ليغتال المئات من الأبرياء العزّل؛ نساء وأطفال وشيوخ، لا ذنب لهم إلا أنهم فلسطينيون يحملون حلم العودة في قلوبهم.
كانت الأزقة الضيقة لمخيم صبرا وشاتيلا مسرحًا لواحدة من أبشع الجرائم في التاريخ الحديث. صرخات النساء التي اخترقت جدران الليل، أنين الأطفال الذين لم يعرفوا من الدنيا سوى حضن أمهاتهم، ورجال قضوا بين رصاص وغدر السكاكين… مشاهد لن تُمحى من ذاكرة من عاشها، ولن تغيب عن ضمير من سمعها أو قرأ عنها.
هذه الجريمة لم تكن مجرد قتل جماعي، بل كانت محاولة لاغتيال الروح الفلسطينية، لكسر إرادة شعب رفض الخضوع والهزيمة. لكن ما أرادوه نهاية صار بداية جديدة، وما سعوا إليه من طمسٍ صار وقودًا لذاكرةٍ لا تموت. فصبرا وشاتيلا اليوم ليست فقط اسمًا على خريطة بيروت، بل رمزًا للخذلان العالمي، وشاهدًا على قهرٍ لم يُحاسَب عليه أحد.
في صبرا وشاتيلا اختلط الدم بالتراب، وارتفعت أرواح الشهداء تسائل العالم:
أين العدالة؟ أين الإنسانية؟ أين الضمير الحي؟
لكن العالم ــ كعادته ــ التزم الصمت، وكأن دماء الفلسطيني لا تُحسب من دماء البشر.
إنها مجزرة لا يمكن أن تُنسى، لأنها لم تُداوَ بالإنصاف، ولم تُغلق بباب المحاسبة. ستظل شاهدة على تواطؤ القوى الكبرى، وصمت الأنظمة، وعار الإنسانية التي سمحت لجريمة بهذا الحجم أن تمر بلا عقاب.
واليوم، وبعد أكثر من أربعة عقود، ما زال الجرح ينزف. فالمخيمات باقية، واللاجئون باقون، والوجع باقٍ. كل ذكرى لمجزرة صبرا وشاتيلا هي صفعة في وجه العالم المنافق، وتذكير بأن القضية الفلسطينية ليست قصة قديمة، بل جرح حاضر يزداد عمقًا مع كل يوم من الحصار والقتل والتهجير.
لكن، ورغم كل القهر، يبقى شعب فلسطين أقوى من كل المجازر. فقد أرادوا لصبرا وشاتيلا أن تكون نهاية، فإذا بها تتحول إلى ذاكرة مقاومة، وإلى وعد بأن دماء الشهداء لن تذهب هدرًا.
صبرا وشاتيلا ستظل صرخة في وجوه الجبناء، ونداءً للحرية، وقَسَمًا بأن الأرض لن تُباع، وأن حق العودة لا يسقط بالتقادم.
إنّ مجزرة صبرا وشاتيلا لم تكن مجرد فصل مأساوي في تاريخ الشعب الفلسطيني، بل كانت وصمة عار على جبين الإنسانية جمعاء. لقد أثبتت أن صمت العالم أخطر من رصاص القتلة، وأن التواطؤ يقتل أكثر مما تقتل البنادق.
ومع ذلك، فإن دماء الأبرياء التي سُفكت هناك لم ولن تذهب سدى. فهي باقية كشعلة تضيء درب الأحرار، وكوصية في أعناق الأجيال القادمة. وصايا تقول: لا تنسوا، لا تسامحوا، لا تتراجعوا عن الحق.
من صبرا وشاتيلا نرفع الصوت عاليًا:
لن يُمحى الجرح إلا بتحقيق العدالة.
لن يهدأ الضمير إلا بمحاكمة المجرمين.
لن تُشفى الروح إلا بعودة الأرض إلى أصحابها.
فإلى أرواح الشهداء نقول: عهدًا علينا أن نبقى أوفياء لكم، وأن نُحوّل وجعنا إلى قوة، وحزننا إلى إرادة، ودموعنا إلى سلاح يفضح القتلة أمام العالم أجمع.
صبرا وشاتيلا… ستبقين في الذاكرة، جرحًا لا يندمل، وشاهدًا على أن الدم الفلسطيني ليس رخيصًا، وأنه سيظل يروي شجرة الحرية حتى النصر