310
0
متنفَّس عبرَ القضبان (100)
كتب: حسن عبادي/ حيفا
بدأت مشواري التواصليّ مع أسرى أحرار يكتبون رغم عتمة السجون في شهر حزيران 2019 (مبادرة شخصيّة تطوعيّة، بعيداً عن أيّ أنجزة و/أو مؤسسّة)؛ تبيّن لي أنّ الكتابة خلف القضبان متنفّس للأسير، ودوّنت على صفحتي انطباعاتي الأوليّة بعد كلّ زيارة؛
عقّبت وفاء الكعبي (والدة الأسير سلّوم): "الله يقويك أستاذ حسن، صديق الأسرى الوفي... والله من يوم ما حضرتك زرت سلوم ودايماً صورة سلوم بوجهي كأنه أنا الي شفته... لأني ضليت متخيلة صورة وجهه وضحكته وابتسامته... من خلال كلامك وكتابتك كيف كان اللقاء. ..الحرية قادمة بإذن الله، والنصر قادم إن شاء الله". وعقّب الأسير المحرّر بسام الكعبي (خال سليمان): "الحرية للغالي سلوم وشقيقه سامي وكل رفاقهما الأحرار. دام الوفاء عزيزي حسن للحركة الأسيرة، وكل الأمنيات بانتصارها على القيد والسجّان".
وعقّب الصديق فتحي صلاح من الشتات: "الفرج قريب إن شاء الله. الله يعطيك العافية أستاذ حسن أكثر الله من أمثالك والذين نذروا أنفسهم للدفاع عن الأسرى فهذه رسالة نبيلة لا يحملها إلا الشرفاء".وعقّب الصديق محمد جرادات: "الرفيق أبو المنتصر عظيم بما يحمله من تضحية وإيثار وصلابة وإنسانية... له الفرج قريبا... وللأستاذ حسن التحية صديق وقريب وأب الأسرى والأسيرات... إنسان قل نظيره في هذا الواقع الغريب".نشرت على صفحتي يوم 02.12.2023 خاطرة عنونتها: "هل سيُسدل الستار؟"."بدأت مشواري التواصليّ مع الأسرى في سجون الاحتلال يوم 3 يونيو 2019؛وغداً سيكون اللقاء 244 في سجن ريمون الصحراوي. هل سيكون اللقاء الأخير؟ هل سيتحقّق الحلم وتكون اللقاءات القادمة على بلكون الحريّة الحيفاوي!"، وخاب أملي.
زي اللّي قاعدين بقبر
التقيته ظهر الثلاثاء 09 كانون الثاني 2024 في سجن "مجيدو"، أو تل المتسلم (هي مدينة كنعانية تقع في مرج ابن عامر، شمالي فلسطين، ويعود تاريخها إلى الألف الثالثة قبل الميلاد، تميّزت في ظل الحضارة الكنعانية العريقة بالبناء الحجري والأسوار الكبيرة، والقصور الفخمة، واشتهرت بصناعة النسيج والملابس ولا سيما تقدمّها في مجال الزراعة) وعلى أنقاض كنيسة أثريّة مهمّة أُقيم سجن مجيدو البغيض.
قابلني بابتسامة طفوليّة تعانق السماء، هو سليمان محمود سليمان كعبي (مواليد 22.02.2000)، اعتقل يوم 11.07.2023، هذه الحبسة الثالثة، وتختلف عمّا سبقتها، 112 أسيراً في قسم 2؛ بدلاً من 50، بالعادة. الوضع صعب؛ ساعة فورة لكل ثلاثة زنازين، تجويع، الغداء والعشاء مع بعض ع شان يكفّي، معجون أسنان وشامبو واحد لكل غرفة مرّة بالأسبوع، هناك أسرى مع ملابس داخلية واحدة بغسلها بالليل وبلبسها ثاني يوم بالنهار، بطانية واحدة خفيفة بهالبرد، بدون سكر، وأخيراً حصلوا على نصف علبة شوكولاطة لكلّ الغرفة.
حدّثني عن طقوس ومراسيم استقبال أسير جديد، بتقاتلوا عليه ع شان يخبّرهم عن الوضع برّا، ويا ويله إذا نسي إشي، وإذا كان حبسِة أولى "بِلتْمِس"، فش راديو "زيّ اللّي قاعدين بقبِر، ولا بنعرف إشي".انفرجت أساريره حين أوصلته سلامات والدته وآدم الصغير، وطمأنته على سامي. تحدّثنا الكثير الكثير ومرّت ساعتان من الوقت، ترافقه الابتسامة الدائمة والضحكة أحيانًا، وسولفنا عن ثائر والشيبون ورأفت، وطلب إيصال سلاماته لآدم والعائلة، وأخواله عاصم وبسام.
مشتاق للمناحِل
بعد لقائي بسليمان، أطلّ الأسير عبد الله محمد شتات (مواليد 10.06.1990)، اعتقل في نهاية أكتوبر، وبدأ اللقاء باستجواب صحافي (أخبرني بأنّه يعمل كصحفي فريلانسرـ وممّا يسبّب له وجعاً مضاعفاً كونه مقطوعاً عن العالم) حول المؤسسة التي وكّلتني بزيارته، واستغرب أنّني متطوّع، والزيارة بناءً على طلب زوجته، وحدّثني حول وضع القسم، وزملائه في الزنزانة.
الوضع صعب؛ ما في ملابس وغيارات (ورغم ذلك لا يشعر بأنّه بردان)، هناك تخفيفات على صعيد الأكل والفورة، لا يوجد مناشف أبداً، ولم يزر الصليب الأحمر السجن بتاتاً ولا تواصل مع الأهالي.
اللحية طِولت، وقصقص أظافره المرة الأولى أمس "خبّيتهن للترويحة" وواحد أبقاه للذكرى، ويختم المصحف كل يومين/ ثلاثة. انفرجت أساريره ودمعت عيناه حين بلّغته سلامات زوجته وأولاده حنان وعز الدين، وزففت له خبر زواج أخيه إسلام. الصحّة تمام ولا يشكو إطلاقاً؛ رغم نزوله 20 كغم بالوزن، والمعنويات بالسماء.
أخبرته أن زوجته "مخبّيتله" القميص الذي لبسه يوم اعتقاله ولم تغسله، فابتسم بعفويّة قائلاً: "الأسود!! خلّيه معلّق عَ الباب تا أروّح. قرّبت". طلب أن يتخلّصوا من ملابسه للمحتاجين "مش رايحه تييجي عليّ لأنّي ضعفت كثير". قلق على مشروع بيع العسل ومشتاق للمناحِل... ولصغاره. تحدّثنا الكثير، وطلب إيصال سلاماته للجميع، ورسالة خاصة لوالدته: "تهمليش هم، الفرج قريب، ادعي لي وتخافيش عليّ".
أخباركم فرّحتني
بعد لقائي بسليمان وعبد الله، أطلّ الأسير جعفر فوزي عبد الله أبو صلاح (مواليد 01.05.1967)، اعتقل يوم 03.11.2023، وبدأ اللقاء باستجوابي من وكّلني بزيارته، واستغرب أنّني متطوّع، والزيارة بناءً على طلب ابنه يزن، وحدّثني حول وضع قسم 4 في السجن ومن معه في الزنزانة. في القسم 135 أسيراً، بدلا من 60 في الوضع العادي.
انفرجت أساريره حين أوصلته رسالة يزن وطمأنته حول وضع المخبز والشيكات، وأغنام الكنية، وإكمال البيت الجديد. اغرورقت عيناه بالدموع، ممّا أربكني، فقال إنّها دموع الفرح لسماع الأخبار المطمئنة؛ لأنّ هذه الأمور كانت مقلقته. صحّته منيحة، رغم مرض القلب والدهون.
الوضع كارثيّ؛ ما في ملابس وغيارات، نفس البنطلون وما انغسل منذ اعتقاله، ملابس داخليّة فش، بغسلوها وتا تنشف بلبسوها. طال حديثنا، وطلب إيصال سلاماته للجميع، وبوسات للحفيدات جوليا وسيلينا، ولابنته راما، وللوالدة ولزوجته الصابرة، احرثوا أرض الدخان وديروا بالكم ع حالكم.
إن شا الله اللقاء قريب. الأمانة توصّلهم: "أخباركم فرّحتني". لكم أعزائي سلّوم وعبد الله وجعفر أحلى التحيّات، على أمل أن نلتقي قريبًا في فضاء الحرية. ( حيفا كانون الثاني 2024 )
متنفَّس عبرَ القضبان (99)
كتب : حسن عبادي - حيفا
بدأت مشواري التواصليّ مع أسرى أحرار يكتبون رغم عتمة السجون في شهر حزيران 2019 (مبادرة شخصيّة تطوعيّة، بعيداً عن أيّ أنجزة و/أو مؤسسّة)؛ تبيّن لي أنّ الكتابة خلف القضبان متنفّس للأسير، ودوّنت على صفحتي انطباعاتي الأوليّة بعد كلّ زيارة؛
عقّب الصديق المقدسيّ رضوان صندوقه: "طالما تمنيت أن أكون محاميا للأسرى! وبعد تجربتين، سمعت وبكيت ورحلت".وعقّبت الصديقة زهرة من الشتات: "الله يكون معهن / م، ويفرجها عليهم على عجل... يا رب شكراً لنضالك الدؤوب أستاذ على جبهة مقدسة، وأنت تكشف خفايا الوجع والقهر خلف القضبان ...دمت وإياهم بثبات وعزة وشموخ "...
وعقّبت أم رامي السلايمة (والدة الأسير الجريح محمد محمود السلايمة): " أستاذ يعني الكلام الي بيطلع لبره أنه وضعهم هلأ أفضل من ٧ اكتوبر غير صحيح؟ ما زالوا يعانون من الضرب والتعذيب والتجويع والبرد والمرض... هذا الي بنبعت نحكي للمؤسسات والهيئات للأسف دون استجابة حتى ما بستنضفوا يردوا علينا... مؤسسات فاشل".
نشرت يوم 29.11.2023 خاطرة بعنوان "صفّرنا الدامون"... وخاب أملي. عُدت لزيارة الدامون، لأسمع عن انتهاكات بحق أسيراتنا تقشعرّ لها الأبدان؛وتبيّن لي أن عدد الأسيرات صار 102، (منهن 71 أسيرة من غزة) الأسيرات بحاجة ماسّة لملابس شتويّة ولغيارات؛ وضع السجن كارثيّ، تجويع وتبريد، وكاميرات مراقبة كلّ الوقت وفي كل مكان، عزل تام عن العالم، التواصل عن طريق زيارة محامٍ لإحداهن أو أسيرة جديدة "تحمل" أخبار الخارج، أسيرات بدون غيارات، يغسلن ملابسهن الداخليّة ويلبسنها مبلولة!
حبِستي زيادة عدد
زرت ظهر يوم الأحد 07 كانون الثاني 2024 سجن الدامون في أعالي الكرمل السليب لألتقي بالأسيرة ياسمين عبد الرحمن رشيد أبو سرور من مخيّم عايدة (مواليد 25.03.1998)، وبعد التحيّة أخذت تصوّر لي وضع زميلات الأسر؛ وحدّثتني عن زميلات الزنزانة (زينب وليندا وآمنة وأحلام وهبة)، الاكتظاظ الكبير، ممّا حوّل المكتبة لزنزانة أخرى، وعن الأكل بكميات قليلة ومواصفات رديئة جداً، معفّن وخربان! وتجويع متعمّد (خبزة ناشفة بالليل إن لقينا).
هذا لقاؤها الأول بمحام منذ اعتقالها، على حدّ قولها، حدّثتني عن التعذيب في مرحلة التحقيق؛ (هذا الاعتقال الخامس)، ضرب مبرح وخاصّة على الرأس بالبسطار والبارودة، شتائم ومسبّات بذيئة، وتفتيش عارٍ بالكامل عدّة مرات، "شلّحوني الحجاب وربطوه على رقبتي وشدّوه"، مكلبشة للخلف كل الوقت وممنوعة من رفع الرأس، "مسكتني مجنّدة من شعري الطويل، لفّته بيدها، وزتّتني عن الدرج"، "كلّ إجريّ دم وزراق، وجسمي منفّخ"، "ضربوني على راسي وأغمي عليّ، الدم من ذاني ومناخيري"، واعتبروا تعليم الإسعاف خطراً وإرهاباً.
حدّثتني عن وضع أسيرات غزّة وقلقهن على الأهل، ووصّلت عبرها سلامات الأهل. أسيرات الدامون ممنوعات من الضحك والحديث بصوت عالٍ، تفتيش غرف في منتصف الليل دون سابق إنذار، وقسم من الأسيرات مع غيار واحد فقط (تضطر لغسله ولبسه مبلول)، وقلم حبر واحد "بالسِرقة" لكلّ القسم، وبدهِن محامين للزيارة للاطمئنان على الأهل والتواصل مع العالم الخارجي.
فجأة تقول: "ما في سبب لاعتقالي، فقط أسيرة حرب وحبستي زيادة عدد".طلبت إيصال سلاماتها للعائلة، وتقول لوالدتها: "ما تخافيش عليّ، معنوياتي عالية وقويّة". لك عزيزتي ياسمين أحلى التحيّات، والحريّة لك ولجميع أسرى الحريّة. (حيفا كانون ثاني 2024 )
تفتيش عار، تجويع وإهمال طبي متعمد.. المحامي حسن عبّادي يصف وضع الأسرى في السجون
أفادت مؤسسات حقوقية فلسطينية بأن الاحتلال اعتقل أكثر من 6 آلاف فلسطيني من الضفة الغربية والداخل منذ السابع من أكتوبر الماضي. وقالت مؤسسات هيئة الأسرى والمحررين ونادي الأسير ومؤسسة الضمير، في بيان مشترك، أن حصيلة حالات الاعتقال بين صفوف النساء بلغت أكثر من 200، وتشمل هذه الإحصائية النساء اللواتي اعتقلن من الداخل ، وبلغ عدد حالات الاعتقال بين صفوف الأطفال أكثر من 355 حتى نهاية شهر ديسمبر الماضي.
اعتقال بسبب آية قرآنية وقصيدة
وفي حديث لموقع بكرا مع المحامي حسن عبّادي، المتطوّع لزيارة الأسيرات والأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية قال: "قمت صباح اليوم بزيارة سجن الدامون، زيارتي كانت للأسيرة حليمة ابو صالحية من نابلس، حليمة طالبة دكتوراه وعلاقات عامة في جامعة القاهرة، هذا هو الاعتقال الأول بحقها، تم اعتقالها بسبب منشورات على صفحتها على الفيسبوك، أحد هذه المنشورات كان نشر دعاء وآية قرآنية والمنشور الثاني كان قصيدة لتميم البرغوثي".
تفتيش عاري، تجويع وتبريد
وأضاف: "الوضع داخل السجون الاسرائيلية بات سيئًا للغاية على الأسرى ما بعد السابع من أكتوبر، على سبيل المثال، هناك مرت الأسيرات بتفتيش عاري بالكامل لعدة مرات، بالاضافة ل"طقوس" تفتيش عاري جماعي وتهديدات بالاغتصاب والارسال لغزة.
كما أن هناك حالة من التجويع والتبريد للأسيرات، فنرى أن هناك 12 أسيرة في الزنزانة وليس لديهن ما يكفي من القطع لتدفئتهن، وهذا بالطبع غير الاكتظاظ في عدد الأسيرات في الزنزانة الواحدة، حيث أن في الزنزانة 11 اسيرة، خمسة منهن ليس لديهن سرير وينمن على الأرض، ويستعملن غطاء خفيف جدًا في برد الشتاء. بالاضافة الى اعطاء كميات أقل من الطعام للأسيرات".
وأكمل عبّادي حديثه قائلًا: "هناك نقص واضح في الملابس والملابس الداخلية، حيث أن هناك اسيرة ترتدي نفس "البجامة" منذ اعتقالها، ليس هناك اي فوط صحية للاسيرات كما وانه ليس هنالك اي مناشف، كما ويتم تفتيش الغرف بشكل يومي عدة مرات في اليوم، ويتم أخذ أغراض الأسيرات، كما وان القوانين داخل السجون اصبحت اشّد، حيث انه ممنوع الإنشاد، ويعاقب كل من يخالف القانون".
انقطاع عن العالم الخارجي
ولفت عبّادي إلى أنه قبل السابع من أكتوبر قبعت 27 أسيرة في السجون الاسرائيلية، اما اليوم فهناك 82 اسيرة وقال: "والوضع الأسوأ أنه ليس لدى هذه الأسيرات أي تواصل مع العالم الخارجي، سوى عن طريق محامي عن طريق استقبال اسيرة جديدة التي ستنقل لهن الاخبار الخارجية، وتم منع زيارات الأهالي للأسيرات والأسرى، والقلق الكبير يبقى لدى المعتقلات للمرة الاولى حيث ان غالبيتهن ليس لديهن أي أسبقيات".
إهمال طبي متعمد
وحول وضع الأسرى في سجني مجيدو ورامون قال عبّادي: "حال الأسرى الذكور في السجون الأسرائيلية أيضًا سيء، فعلى سبيل المثال في سجن مجيدو نرى أن الزنزانة التي تتسع لخمسين شخص يتم وضع 140 أسير فيها، غالبيتهم ينامون على الأرض. كما انه في قسم 6 هناك مرض جلدي منتشر بسبب قلة الملابس وعدم وجود المناشف والصابون اللازم بالحمامات.
بالاضافة الى أن هناك أسرى ينامون بالجوع، هذا طبعًا عدا عن التفتيشات اليومية المستمرة ليل نهار، الحبس داخل الغرف، التعذيب التهديدات والشتائم التي لا تتوقف، بالإضافة إلى عدم التواصل مع الأقارب والأهالي او اي مؤسسة طبية، ونرى بذلك إهمال طبي متعمد".وأضاف عبّادي: "في سجن رامون الوضع مشابه لسجن مجيدو، حيث ان هناك عدة مرضى تُمنع عنهم الأدوية والعلاجات الدائمة، مثلا احد المرضى الذي يجب أن يأخذ 3 جرعات انسولين خلال اليوم يأخذ نصف جرعة، او مسن يبلغ من العمر سبعون عامًا لا يأخذ أدويته الدائمة، وطبعًا بالإضافة إلى منعهم من التدخين، وتفتيشهم مع كلاب بشكل يومي، وتقييدهم طوال اليوم معًا".
وأنهى حديثه قائلًا: "الأسرى في خطر وعدم الاهتمام في قضاياهم يزيد من حدة الأمور، باتوا يشعرون بأنهم منسيون، ويأملون أن يتواصل معهم أحد من العالم الخارجي، كما أن المرضى أصبحوا مشروع موت جماعي".
ألفِة عن ألفِة بتفرِق
كتب : حسن عبادي/ حيفا
غادرت حيفا الساعة الخامسة والنصف صباحاً، برفقة صديقي ظافر، ووصلتُ سجن ريمون الصحراوي الساعة التاسعة، وبعد إجراءات بيروقراطيّة طويلة، التقيت بالأسير المقدسيّ محمد خليل عليان. أطلّ من آخر الممر الطويل مُلتحياً ومبتسماً وبادر بوابل من القبلات عبر الزجاج المقيت؛ كان مقيّد اليدين بالكلبشات البغيضة، وإثر احتجاجي تمّ فكّها. حدّثني عن أوضاع المعتقل؛ دييتا إجباريّة قاتلة، أقلّ أسير نزل 10-15 كيلو، وجبات قليلة لا تُشبِع إطلاقاً "تُبقينا على قيد الحياة"، ألم الجوع، مريض السكري يتناول 3 وجبات شحيحة بدل 6 وجبات، وقّف الأنسولين السريع، الوضع سيّئ جداً، فش فورة، فش دخان، فش أكل، فش لِبِس، فش كتب، فش وسائل تواصل، فش علاج، لا نظام دواء ولا نظام أكل، الأمور في مسار كارثي، والخوف من موت جماعي للأسرى، الضرر الجسدي يُعالَج برّا لكن النفسي لا، وبات السجن وكراً للأمراض النفسيّة، وحدّثني بحِرقة عن وضع الحركة الأسيرة السيّئ جداً. استفسرت عن وضعه الصحي (مواليد 1955وكان يتعاطى 11 نوع دواء) فابتسم وقال: "سأطلع من جوف الحوت اليوم أو بكرا، مثل ما أنا.
رغم السكري لن يؤثر على نفسيّتي ومعنوياتي، بشتغل على نفسيتي أكثر من صحتي، هدفي لمّا أطلع أكون محمد عليان، مش أقلّ". قرأت على مسامعه خاطرة (صديقي ميم خاء عين) فضحك وقال: "هاي أكيد لعزيزنا أبو إياس"، وخاطرة (عمّي امحِمَّد) فعقّب قائلاً: "هاي أكيد إبراهيم ونسب"، و(حمام زاجل في بلادنا). حدّثني عن سماعه خبر استشهاد أحمد (ابن أخيه)، وحمد الله أنّه لم يُسمح له بالحبس المنزلي "ربّ ضارّة نافعة، كيف بدّيش أستقبل المعزّين وأكون مع أخوي؟". قال فجأة: "خايف آلف الغرفة لدرجة ما أقدر أعيش برّا، بحاول أحب تفاصيل صغيرة بالغرفة". ألفة عن ألفة بتفرِق.
تبادلنا توصيل السلامات، فطلب إيصال سلاماته لسهام والأحفاد والجميع، وسلام خاص لزوجتي سميرة. ما زال التريننغ ممنوعاً من الدخول. لك عزيزي (أبو البهاء) أحلى التحيّات، الحريّة لك ولجميع أسرى الحريّة. (حيفا 22 كانون الثاني 2024 )
نِفسي أسمع يارا تناديني "ميما"
كتب: حسن عبادى- حيفا
نشرت يوم 29.11.2023 خاطرة بعنوان "صفّرنا الدامون"... وخاب أملي. زرت صباح اليوم سجن الدامون في أعالي الكرمل السليب لألتقي بالأسيرة النابلسية حليمة إيهاب أحمد أبو صالحية؛ (مواليد 14.03.1997)، جامعيّة، طالبة دكتوراه علاقات عامة، جامعة القاهرة، أطلّت مبتسمة ابتسامة طفوليّة لتنقل لي سلامات زميلات الأسر.
حتلنتني عن وضع السجن؛ 27 أسيرة من الضفة الغربية، 11 من الداخل، 3 مقدسيات، 48 من غزة وأسيرتان جديدتان (يمكن من النقب؟)، تفتيش (نحشون) "عزلونا كلّنا بالحمام وفتّشوا الغرفة وصادروا كلّ قصقوصة ورق"، عقاب يومان بدون فورة بسبب الإنشاد والتصفيق، تجويع وتبريد، 3 جاكيتات (شباص) ل-11 أسيرة، ما زالت تلبس البيجاما التي لبستها حين اعتقالها، جاكيتها ما زال محجوزاً، والبوت بدون الربّاط. حدّثتني عن ساعة الاعتقال؛ "كنت نايمة، الماما فيّقني ومش عارفين لمين جايين الجنود، 10 ومنهم مجنّدة، (ولا مرّة توقّعت اعتقال)، قالولي ميخذينك، غمّضوا عينيّ، صوّروني بالبيت بدون الحجاب، كلبشوا إيديّ وإجريّ/ كل الطريق بضحكوا وأنا مصدومة، وفي هشارون ما دخّلوا أكل، تفتيش مُهين عدّة مرات، برش حديدي بدون فرشة، بطانيّة نتنة ووسخة كثير"، والدامون أرحم بكثير. وجدتها قويّة تلازمها ابتسامتها. فجأة قالت: "حاسّة حالي بحلم، بدّي أروّح وأراجع الأمر، وشو صار معي.
معقول؟ كلها دعاء على صفحتي وأبيات شعر لتميم البرغوثي! طلبت إيصال سلاماتها للعائلة، وخصّت بالذكر جدّها الجميل جميل وجدّتها الحنونة ابتسام. آية زوّدتها بجينز وبلوزة وحاضرات للترويحة. تتوق لسماع يارا (ابنة أخيها إياد، عمرها سنتان) تناديها "ميما". لك عزيزتي حليمة أحلى التحيّات، والحريّة لك ولجميع أسرى الحريّة. ( حيفا 23 كانون ثاني 2024 )
إجتو عزيّة النفس
كتب: حسن عبادي- حيفا
كان كمال يحبّ الطلعات والنزلات والفشخرة؛وبمناسبة عيد ميلاده الخمسين حجز مطعماً فاخراً، الأغلى في البلدة البعيدة، ودعا إليه العائلة وأصدقاء مقرّبين وطاقم مكتبه. وصل حسين جائعاً كعادته، لأنّه موعود بوجبة فاخرة، تفحّص المينيو، وحين حضرت النادلة لأخذ الطلبيّة أخبرها بالوجبة الرئيسيّة التي اختارها، فعقّبت بأنّها الأكلة التي يتميّز بها المطعم.
بعد مرور ثلث ساعة جاءت النادلة إلى الطاولة لتعتذر من حسين وتخبره بأنّها نفدت، وبإمكانه استبدالها بوجبة ثانية، وبعد تفحّص لائحة الطعام أشار إلى وجبة بديلة فعقّبت قائلة: "وااو، هذه أكلة ممتازة، وهي أكلتي المفضّلة".
مرّت عشر دقائق، فتقدّم النادل الرئيسي ليعتذر من حسين ويخبره أنّ هذه الوجبة أيضاً قد نفدت، ممّا أزعج حسين، وسأل النادل عن الوجبات الموجودة واختار، بناءً على توصيته، وجبة بديلة. حضر النادل ليخبره بأنّ الوجبة قد نفدت، والشيف يعتذر جداً وسيحضر للطاولة ليقترح وجبة تناسبه، فأجابه حسين بأنّه يكتفي بزجاجة الكيانتي وسيتعشّى في البيت.
مرّت سنوات، وبمناسبة عيد ميلاد لينا، زوجة كمال، حجز مطعماً فخماً، المميّز في شمال فلسطين، ودعا عشرات الأصدقاء وأبناء العائلة، وبعد التمعّن بلائحة الطعام طلب حسين وجبة رئيسيّة وعقّب النادل بأنّ شيف المطعم يحضّرها أفضل ما يمكن لأنّه تعلم الطهي في فرنسا وهذه الوجبة تميّز منطقة بوردو.
بعد تناول السلطات والوجبة الأولى، من كلّ ما لذّ وطاب، حضرت الوجبات للتسعة أشخاص الذين شاركهم حسين على الطاولة، ووجبته تأخّرت ولم تصل، وبعد أن أنهى الجميع وجباتهم وقام النادل بتنظيف الطاولة وإحضار التحالي، وصلت أخيراً الوجبة التي طلبها، ولكنّه رفض تناولها مكتفياً بزجاجة شاطو بوردو لو كلارنس.
هاي طشِّه
كتب: حسن عبادي- حيفا
نشرت يوم 29.11.2023 خاطرة بعنوان "صفّرنا الدامون"... وخاب أملي. زرت صباح اليوم سجن الدامون في أعالي الكرمل السليب لألتقي بالأسيرة أنغام يوسف عزات عصافرة من بيت كاحل/ الخليل (مواليد 05.10.2002)، أطلّت باسمة، تعارفنا وتناولنا أطراف الحديث في الممر حتى تم فك كلبشاتها، وقرأت على مسامعها بداية رسالة والدها فنزلت دموعها؛ دموع فرح وعقّبت قائلة "بيجيني بالأحلام وبنِفسي أسمع ضحكته".
حدّثتني عن زميلات الزنزانة (شهد، جنين، عرين، براءة، ملاك، أميمة، تمارا، آية، نوال، حليمة) واحتفالهن بعيد ميلاد براءة. أخذت تصوّر لي وضع زميلات الأسر؛ 91 أسيرة، 17 من الضفة الغربية، 3 مقدسيات، 10 من الداخل المحتل، والباقي من غزة، جدّة أسيرة برفقة حفيداتها، وجدّة أخرى برفقة بناتها وحفيداتها!! الاكتظاظ الكبير وخمس أسيرات في زنزانتها يفترشن الأرض "بندفّي بعض"، الأكل بكميات قليلة "كلّ ما زاد العدد بقِلّ الأكل"، تجويع وتبريد متعمّد، وهناك أسيرات كثيرات بدون غيار "بغسلن الملابس الداخليّة وبلبسنها مبلولة"، بندفّي حالنا بالقرآن والإيمان والدعاء والصلاة. وأخيراً فتحت الكانتينا وتناولن القهوة للمرّة الأولى منذ الاعتقال. حدّثتني عن ساعة الاعتقال؛ حرمانها من أخذ غطاء الرأس، تسكير الغرفة على الأهل وحرمانها من وداعهم، كلبشتها من الخلف واقتيادها للجيب، الإيدين انتفخت من الكلبشات، ضرب كلّ الوقت، أنت "خماس وإرهاب"، مسبّات وسخة كثير، ضغط بالأصابع على الرأس كلّ الوقت، "كلّ الوقت إحنا الخمسة عابطات بعض ع شان نتدفّى"، 4 مرات تفتيش عارٍ بالكامل، تفتيش عارٍ جماعي "غضّينا الطرف".أوصلت عبرها رسائل الأهل لبناتهم، وكم كانت سعيدة حين علمت بوصول أسيرات غزّة الثمانية لأحضان أهلهن.
كم كانت فرحة حين طمأنتها على خطيبها عدي الأسير، تم اعتقاله صباحيّة يوم تحديد موعد زواجهما. طلبت إيصال سلاماتها للعائلة، وقبلاتها لكل الصغار (عبيدة، قيس، رواند، ميسون، نغم، وغزل)، وتسأل والدتها "أنغام عجنتلِك ساعة قبل الاعتقال، كيف الخبز؟ دعواتك الوحيدة اللّي قوّتها وما خلّتها تعيّط"، حلمت أنّ والدتها عملت مقلوبة لها وللأسيرات، وحين أخبرتهن بالحلم شكروها وقالوا "لمّا نروّح بدنا إيّاها".حين افترقنا قالت بعفويّة مطلقة "شكراً على هاي الطشّه".
لك عزيزتي أنغام أحلى التحيّات، والحريّة لك ولجميع أسرى الحريّة. (حيفا 15 كانون ثاني 2024 )
تراب الملوك
كتب: حسن عبادى- حيفا
التقيته صباح اليوم في سجن "مجيدو"، قابلني بابتسامة عفويّة ساحرة، هو كمال هاني كمال جوري (مواليد 31.08.2000)، اعتقل يوم 13.02.2023، وحين استفسرت سبب الابتسامة أجابني أنه أول مرّة من 106 أيام "بِشوف وجه جديد"! حدّثني عن وضع السجن؛ 130 أسيراً في قسم 5؛ بدلاً من 50، بالعادة، ومعه في الزنزانة محمد سعيد تركمان، ماهر الأخرس، عبد فقها، مراد حج يحيى، أحمد عساف، محمود تركمان وآخرون. الوضع سيئ للغاية؛ الأكل قليل وتجويعي، فش دخان، فش كهربائيات، الأواعي طقم واحد لكلّ أسير، البنطلون 50 يوم بدون غسيل، الملابس داخلية واحدة بغسلها وبظلّ بدون تا تنشف، بطانية واحدة خفيفة بهالبرد، وانتشار مرض جلدي (سكابياس وجرَب) في قسم 6.
حدّثني عن وضعه الصحّي، "كنت مشلول ورجعت أمشي، وعندي كيس بول"، 5 أشهر في مسلخ الرملة ودور طبنجة الملائكي، فش علاج، فش دواء ولا مسكّنات، وقلق على أخيه حمودي الأسير. انبسط جداً حين أوصلته رسالة والدته، والسيارة التي تنتظره مع العلاج من نور بأمريكا "خلّيها سوداء"، وطلب إيصال سلاماته للعائلة، وبوسات لأخيه الصغير أسيد. ووصّى والدته بتحضير غذاء الترويحة؛ منسف وأوزي... وتراب الملوك. لك عزيزي كمّول أحلى التحيّات، على أمل أن نلتقي قريبًا بين أهلك. ( حيفا 21 كانون ثاني 2024 )
اجعلي زنزانتك حديقة لك
كتب: حسن عبادى- حيفا
نشرت يوم 29.11.2023 خاطرة بعنوان "صفّرنا الدامون"... وخاب أملي. زرت صباح اليوم سجن الدامون لألتقي بالأسيرة أنوار داوود شاكر رستم؛ من قرية كفر مالك/ رام الله (مواليد 14.11.1991)، أطلّت مبتسمة ابتسامة خجولة لتنقل لي سلامات زميلات الأسر، وحبن دخلت غرفة اللقاء تروحَنت وقالت لي: "هاي أوّل مرّة بشعر بالدفى من لحظة الاعتقال. (طلبتُ تشغيل المكيّف/ تدفئة قبيل دخولها الغرفة).
حتلنتني عن وضع السجن؛ زميلات الزنزانة (فاطمة ريماوي، خالدة جرار، إخلاص صوالحة، حنين الزرو، مي يونس، سندس عبيد، جراح دلاشة، فلسطين ونفيسة)، 5 أسيرات يفترشن الأرض، الظروف جداً سيئة، الإهمال الطبّي صارخ، فوضى عارمة (بغياب الدوبيرت)، "بفوتوا علينا فجأة وإحنا مش لابسات، مش محجّبات"، الأكل سيئ جداً، مش مستوي وبارد، الشاي بارد، قهوة مرّة بالأسبوع. خبرة وتجربة خالدة وآية ممتازة وتمدّهن بالقوة والمعنويات.
انفرجت أساريرها حين قرأت على مسامعها رسالة بنات خواتها "اجعلي زنزانتك حديقة لك"، (لديها 6 أخوات وأخ)، ورسائل أختها إليانا. حدّثتني عن ساعة الاعتقال؛ والتحقيق في أريئيل، "كلّه عن الفيس"، صادروا اللابتوب وأوراق امتحانات طالباتها (مدرّسة تربية إسلاميّة في ثانويّة أبو فلاح). أوصلتها رسائل أهل أم قتيبة وأم محمد، وعلامات الخليليّات، وطلبت إيصال سلاماتها للعائلة، "طمّن أهلي عليّ، الحمد لله الأمور ماشية، ما يقلقوا، ما في ضرب، ما يهملوا الهم". لك عزيزتي أنوار أحلى التحيّات، والحريّة لك ولجميع أسرى الحريّة.
حِجِّة الوداع
كتب: حسن عبادى- حيفا
نشرت يوم 29.11.2023 خاطرة بعنوان "صفّرنا الدامون"... وخاب أملي. زرت صباح اليوم سجن الدامون لألتقي بالأسيرة دلال محمد سليمان خصيب (أم قتيبة)؛ من قرية عارورة (مواليد 08.10.1971، كلّ العائلة برج الميزان)، أطلّت مبتسمة ابتسامة عريضة، وحين دخلَتْ غرفة اللقاء قالت بعفويّة تامة: "ما أحلى الدفى". (شغّلتُ المكيّف/ تدفئة قبيل دخولها الغرفة).
حتلنتني عن وضع السجن؛ زميلات الزنزانة (زينب ساجدية، ليندا جعارة، هيا حج يحيى، ياسمين أبو سرور، فاطمة شمالي، أحلام يونس)، الظروف جداً سيئة، أسيرة مع باسور وأخرى مع ضيق نفس وبدون رعاية طبيّة وعلاج، الأكل سيئ جداً وبكميات قليلة "يا دوب تسليكة حال"، تبريد، "البنات دايرات بالهن عليّ، أعطينّي طقم صلاة وبيجاما، وبعاملوني كأمهن".
انبسطتْ كثير حين قرأتُ على مسامعها رسائل العائلة، وضحكت حين أعلمتُها أنّ "طالبات أكاديميّة الصفا ومعلّمتك ببلّغوك سلامهن ومكانك محفوظ"، وكم كانت فرحة حين طلبت منها إيصال أسيرة غزيّة بأنّ زوجها وولادها بخير، بعكس ما نُشِر عن استشادهم. حدّثتني عن ساعة الاعتقال؛ والتحقيق، وضربة بسيطة وعابرة، وعن سؤال المخابرات حول صورة لها في الحج (موسم الحج الأخير) وكم كانت فخورة بها، حيث كانت "حِجِّة الوداع".
حدّثتني عن اشتياقها للمّة العائلة، وخاصّة ستّة أحفادها، ورسالتها: "أحبائي الغاليين، الله يرضى عليكم الجميع، الحمد لله رب العالمين أنا بصحة جيّدة وكل شي عندي تمام". لك عزيزتي دلال أحلى التحيّات، والحريّة لك ولجميع أسرى الحريّة. (حيفا 25 كانون ثاني 2024)
صفّرنا الدامون
كتب: حسن عبادى- حيفا
نشرت يوم 29.11.2023 خاطرة بعنوان "صفّرنا الدامون"... وخاب أملي. زرت صباح اليوم سجن الدامون لألتقي بالأسيرة زينب محمد أحمد سجدية؛ (مواليد 08.06.1973)، مخيّم الدهيشة/ بيت لحم، وفي الممرّ شاهدت أسيرات من غزة في طريقهن لعناق الحريّة، وما إن دخلنا غرفة لقاء المحامين أمطرتني برسائل ياسمين، إخلاص، سهام، دلال، ليندا، براءة، شاتيلا وديالا إلى أهاليهن.
حين قرأت لها رسالة ابنها محمد نزلت الدمعة من عينها، وأخبرتها برسالته حين سألته عن اسمه "محمد ما في غيري برّه السجن وثنين جوه". خبّرتني عن وضع القسم؛ وضعهن بعد نقلهن من قسم 3 إلى 4 (قسم الأشبال سابقاً)، زميلات الزنزانة (أحلام يونس، هيا حج يحيى، ليندا جعارة، ياسمين أبو سرور، دلال خصيب، زهرة خدرج – وصلت حديثاً)، الفورة وقتها قصير، الأكل بنقص مرّات، فش تواصل بين الغرف، "بنحكي من ورا الحيطان"، وما في تواصل مع العالم الخارجي.
حدّثتني عن ساعة الاعتقال؛ ع الثنتين ونص منتصف الليل، "كنت نايمة، فجّروا الباب (يحصل للمرّة الثالثة!)، لبست ع حالي جاكيت، مشّوني من المخيم لحدّ مقبرة الشهداء، دبّتني المجنّدة المرافقة ع الأرض بالميّة الوسخة، عصّبوني وكلبشوني، أخذوني ع المعتقل وزتّوني ع الأرض في الساحة وطلعت ع إجريّ الجراذين الكبيرة، نقلوني للتحقيق، كلّها فيس وإنستا، غلطوا عليّ كثير بالحكي، "بدّي أطخّ ابنك راني، إنت إرهابية وولادك إرهابيين، والله لأشلّخك تشليخ، بودّيك على غزة توكلي شوارما مع أبو عبيدة، وأجوّزك إياه". كلّ الطريق إلى سجن هشارون ضرب (من الساعة 11:00 للساعة 14:00) وحين وصلت تم استقبالها بالضرب "شلّخت المجنّدة كلّ الأواعي الّي عليّ، كلّها، بما فيه الداخليّة، معط شعر، خبط راسي بالحيط، حاولت تدخّل راسي بالكبّين وقاومت فطلّعت شخّة من الكبّينة بكاسة وزتّتها ع راسي". أوصلتُ رسائل أهل بدرية، براءة، تمارا وإخلاص. أملت عليّ رسالتها للعائلة، فرداً فرداً، وخاصّة محمد وأولاده وأولاد مهند (ابنها الأسير)، ورندة ورزان، وكناينها شروق وفطّوم، والأحفاد جوجو وتوتي وسراج وسام (والبيبي الجديد، ولد خلال أسرها ولا تعرف اسمه بعد)، وزيدان وعيسى.
وحين افترقنا قالت: "محمد حبيبي، ما تقلق عليّ، أنا كثير منيحة ورايحة أظل كيف أنت بدّك إيّاني، الأم يلّي بتفتخر فيها وبتظلّ رافعة راسك دايماً". لك عزيزتي زينب أحلى التحيّات، والحريّة لك ولجميع أسرى الحريّة. (حيفا 01 شباط 2024 )
غرفة رُعُب
كتب: حسن عبادى- حيفا
نشرت يوم 29.11.2023 خاطرة بعنوان "صفّرنا الدامون"... وخاب أملي. زرت صباح اليوم سجن الدامون لألتقي بالأسيرة هناء إبراهيم محمد صالح؛ من قرية دير أبو مشعل/ رام الله (مواليد 18.12.1987)، أطلّت مبتسمة، وبدأت مباشرة بالاستفسار عن أولادها وحالهم.
حتلنتني عن وضع القسم؛ تم نقل كلّ الأسيرات من قسم 3 إلى قسم الأشبال سابقاً (تمّ نقل جميع الأشبال من الدامون إلى مجيدو)، زميلات الزنزانة (سهام أبو عياش، ديالا عياش، بدرية حمدان، أسيل شحادة، فاطمة صقر، شاتيلا أبو عيادة، هديل الأطرش، سجى طرشان، دانا جواريش)، غرفة رُعُب، مخنوقة وفش فيها منفَس، ثنتين بناموا ع الأرض.، تفتيش فجائي كلّ ليلة، بصرّخوا وبغلطوا، ما في كانتينا، نقص كبير بالملابس الداخليّة، "برد موت"، وأكل بكميات قليلة، رز وماجي، "بنضطرّ نتنازل عن قسم من الوجبة لأسيل بسبب وضعها الصحّي"، الميّة مالحة وصفرا.
حدّثتني عن ساعة الاعتقال يوم 04.12.2023؛ ع الواحدة والنصف منتصف الليل، يومين في معسكر رنتيس، نقل إلى عوفر للتحقيق، ومن ثم الشارون (مسبّات، تفتيش عاري، المصطبة كلّها ميّة، فرشتين ع الأرض لثلاث بنات، وسخة كثير كثير، ع الصبح بوخذوا الفرشات وبنقعد ع الأرض)، ومنها إلى كيشون، والدامون، وطقوس الاستقبال بتفتيش عاري كمان مرّة. يوم الخميس روّحن من غزة 20. حدّثتني عن اشتياقها لأولادها عيسى، موسى، يوسف، غزل، ورسالتها: "سلاماتي لأهلي وأولادي وأنا منيحة، ديروا بالكم ع أولادي واطمأنوا عليهم دايماً". لك عزيزتي هناء أحلى التحيّات، والحريّة لك ولجميع أسرى الحريّة. ( حيفا 28 كانون ثاني 2024 )
موعدنا مع الحرية قريب
كتب : حسن عبادي - حيفا
تعرّفت على الأسير المقدسيّ حسام زهدي شاهين عبر القضبان؛ التقيته المرّة الأولى يوم 20.06.2019 في سجن الجلبوع.
توطّدت العلاقة بيننا وزرته عدّة مرات، تواصلنا وتعاصفنا ثقافيًا، وصار "واحداً من العيلة".في مثل هذا اليوم كان الاعتقال (28.01.2004)، ومُذّاك يرزح تحت نير سجون الاحتلال وزنازينها. يا خجلنا!! حدّثني حسام في الكثير من اللقاءات عن والدته، الحاجة آمنه، وفي إحداها قال لي: "هناك أمهات ينتظرن بوابة السجن وأخريات بوابة الفنادق".
تواعدنا باللقاء معاً في حضنها ولكن سبقتنا يد المنون لتختطفها دون وداع يوم 08.01.2024. سافرت برفقة زوجتي سميرة، نيابة عن حسام، لبيت العزاء في القدس (رافقنا الصديق جميل عمرية) لألتقي بنسيم وريما ومحمد وعصام وسفيان (والاحتلال حالَ دون حضور سوسن) وكان حسام الحاضر الغائب بيننا. لك عزيزي حسام أحلى التحيّات، الحريّة لك ولجميع رفاق دربك من أسرى الحريّة.( حيفا 28 كانون ثاني 2024 )
دبلِة من خرز
كتب : حسن عبادي - حيفا
نشرت يوم 29.11.2023 خاطرة بعنوان "صفّرنا الدامون"... وخاب أملي. زرت ظهر اليوم سجن الدامون في أعالي الكرمل السليب لألتقي بالأسيرة ملاك رائد نعمان النتشة من الخليل (مواليد 25.06.2000)، خرّيجة هندسة طاقة تطبيقيّة، أطلّت بابتسامة قاهرة.
بعد التحيّة مباشرةً قرأت على مسامعها رسالة خطيبها أحمد (كانت القعدة الشرعيّة يوم 29.11.2023، كتب الكتاب يوم 06.12.2023 والحبسِة يوم 13.12.2023 (قطعوا الفرحة) فدمعت عيناها فرحاً وحدّثتني عنه كثيراً (طالب دكتوراه في الفقه)، عن الخطبة والتحضيرات للعرس وصوّرت لي بلهفة تطريزة والدتها بمناسبة كتب كتابها. حدّثتني عن زميلات الزنزانة (أنغام، جنين، عرين، براءة، أميمة، تمارا، آية، نوال، حليمة، شهد) واحتفالهن بخطوبتها "البنات عملولي دبلِة من خرز". أخذت تصوّر لي وضع زميلات الأسر؛ 72 أسيرة، الاكتظاظ الكبير، الأكل أسوأ ما يمكن، فلفل حار كخضرة وحيدة، بقوليات (عدس بُنّي وأحمر) وحمص (حب وتدهين) مما يسبب مشاكل صحية، الغرف باردة جداً، البقّ ما زال يسيطر على فضاء الغرف، رطوبة بالغرف والدهان يتساقط من السقف، الشاي بدون سكر (السكر نوع من أنواع الرفاهية)، فتحة الغرفة مسكّرة ببلاستيك عازل، فصل تام الغرف عن بعضها، المرحبة خلال الفورة ممنوعة، الإهمال الطبي الصارخ سيّد الموقف، العلاج: اشربوا ميّة، والمياه ملوّثة مع صدأ وكلور، والكل صار معه قِشرِة في الشعر، الكاميرات على مدار الساعة في كلّ مكان، وما في خصوصيّة، 24 ساعة لابسات أواعي الصلاة خوفاً من التفتيش المفاجئ، فوط ومناشف حمام مفيش، ونقص حاد بالملابس الداخلية. أوصلت لها رسالة العائلة، ورسائل لخالدة، بدرية، إخلاص، فاطمة، حليمة، براءة. سمّعتني قصيدة لشهد، طلبت إيصال سلامات ورسائل لخطيبها أحمد وللعائلة فرداً فرداً، وأملت عليّ رسائل زميلاتها الأسيرات لأهاليهن؛ شهد، أميمة، أنغام، حليمة، تمارا، عرين، جنين، آية، نوال.
بعد مرور ساعتين قالت لي فجأة: "مش حابب تعرف شي عن الاعتقال"؟ حدّثتني بتفاصيل الاعتقال، ورحلة العذاب ودرب الآلام من جعفرة إلى عتنائيل إلى الشارون، وطقوس الاستقبال هناك؛ سجانون استقبلوها يتمسخرون بأغاني أعراس (إجت العروسة)، سجّانة تدخّن بوجهها، تفتيش مُهين جداً، "قعّدتني السجانة ع الأرض وبلّشت تضرب فيّ بإيديها وإجريها وتخبّط راسي بالحيط، كل ما بحاول أوقّف بتدفشني ع الأرض، رفضوا السماح لي بالحمام عشان أصلّي، "العقربة السودا" شلّخت الأواعي وسرقت الجلباب، قنينة ماء واحدة لثلاث صبايا معتقلات لثلاثة أيام، استعملنا الجرايد بدل المحارم، ولما انتبهوا أخذوها ولما وصلت الدامون أعطتني الصبايا أواعي، كل وحدة أعطتني قطعة ملابس وصرت "مرقّعَة". لك عزيزتي ملاك أحلى التحيّات، والحريّة لك ولجميع أسرى الحريّة. ( حيفا 4 شباط 2024 )
الفَرشات بتنَخِّز
كتب : حسن عبادى – حيفا
نشرت يوم 29.11.2023 خاطرة بعنوان "صفّرنا الدامون"... وخاب أملي. زرت صباح اليوم سجن الدامون في أعالي الكرمل السليب لألتقي بالأسيرة فاطمة محمد سليمان صقر من الشرفة/ البيرة (مواليد 15.08.1976)، أم لأربعة أولاد وجدّة لأربعة أحفاد (أصغرهم خالد، لم تشاهده ولم تحتضنه بعد). بعد التحيّة مباشرةً أملت عليّ رسائل زميلاتها الأسيرات لأهاليهن (لا يوخذنا الوقت، على حد تعبيرها)؛ أنغام، زينب، سهام، بسيل (أسيرة جديدة، أم لثلاثة أطفال وحامل)، أسيل، بدرية، سجى، دانا، أختها دلال، شاتيلا.
حدّثتني عن زميلات الزنزانة، ووضع السجن؛ الوضع سيئ للغاية، الأكل سيئ جداً، كاسة لبن (كلّها ملعقة واحدة)، فش ملح، فش سكّر، بنشتهي زيت الزيتون، أكثر شي متوفّر الفلفل الحار، القهوة مرة بالأسبوعين/ ثلاثة، الغرف باردة جداً، الفرشات مليانة حشرات وبتنخّز كل الليل، فصل تام الغرف عن بعضها وكلّ من ترفع صوتها تُعاقب وتُعزل (اليوم الدور على دانا)، الفورة كل غرفة لحالها، نقص حاد للفوط الصحيّة والملابس الداخلية.
أوصلتُ لها رسالة العائلة، أبكتها فرحاً، ورسائل لتمارا وأميمة (من صديقتها تيماء) وملاك (من خطيبها أحمد) وزينب (خبرّتُها اسم حفيدها الصغير – وسام). طلبت إيصال رسائل مؤثّرة للعائلة، فرداً فرداً، وخصّت الأحفاد كلّهم (وبالأخص خالد الصغير "يلّي بعدني ما شُفتُه"). حدّثتني بتفاصيل الاعتقال، من الشرفة إلى عوفر، عتصيون، هداريم، هشارون (فيلم رُعب) والدامون.
وحين ذكرَت الشارون بكت بكاءً مريراً (نحيباً)، مشهد التعذيب هناك يلاحقها، "تفتيش مهين جداً، الضرب كلّ الوقت (ما زالت العلامات على جسمها)، الضرب وإحنا عراة، المسبّات والإهانات (كل الليل بناديني السجان لعند الباب وبغلط عليّ وبسبّ على حياة صالح)، أحاول الوقوف فتقعدني السجانة بالقوة". أخذت تبكي وقالت لي: "مش رايحة أنسى صورة السجّانة (العقربة السودا) لو حطّوها بين مليون واحد"! رغم ذلك افترقنا بابتسامة أمل وثبات، ومعنويات عالية تناطح السحاب.
لك عزيزتي فاطمة أحلى التحيّات، والحريّة لك ولجميع أسرى الحريّة. ( حيفا 5 شباط 2024 )