42045
0
مذكرات شاهد على سنوات الجمر الحلقة 116
بقلم اسماعين تماووست
في لحظات مصيرية، حين تلتقي التحديات والمخاطر، تتجلى قوة الإرادة في خفايا النفس. كان يوم الاجتماع مع مدير المخابرات الوطنية حادثة فارقة في مسيرتي، حيثوضعت على عاتقي مسؤولية كبيرة لا تحتمل الأخطاء.
عندما دخلت المكتب المهيب، أحاط بي جو من الجدية والتوتر. كانت الجدران تروي قصصًا عن معارك سابقة، وكأن كل زاوية تحتفظ بأسرار لم تُكشف بعد، أدركت أن هذه اللحظة ستكون فريدة، وأن المعلومات التي سأقدمها ستشكل جزءًا من معركة أكبر بكثير مما كنت أتصور.
رغم كل ما يحيط بي من ضغوط، حاولت أن أظهر قوتي وثباتي، لكن في زحمة الأحداث، كانت صورة عائلتي تتجلى أمامي، تذكرت وجوه أطفالي وزوجتي، تعكس الأمل والخوف، تذكرت بأنهم في انتظار عودتي، في ظل خطر مستمر، كان همي الأكبر هو حمايتهم من أي تهديد قد يحيط بهم، وأن أكون الحاجز الذي يحميهم من كل ما يمكن أن يمسهم.
تلك اللحظات كانت مليئة بالتوتر، حيث كنت أعيش صراعًا داخليًا بين الواجب والمشاعر. كان لزامًا علي أن أكون قويًا لأجل عائلتي ولأجل الوطن وكل المستضعفين، وأن أواجه كل تحدٍ بثقة لا تتزعزع. كما يقال: "الشجاعة ليست غياب الخوف، بل القدرة على التغلب عليه." كنت أعي أن المسؤولية التي أتحملها هي أكثر من مجرد واجب، بل هي التزام تجاه أولئك الذين يعتمدون علي.
عندما بدأنا المناقشة، تلاشت مشاعري الخاصة في خضم الحديث عن الأمن، فالدفاع عن الوطن ليس مجرد واجب، بل هو التزام تجاه كل فرد فيه...
كانت تلك الكلمات تحمل عبىءًا كبيرًا، كأنها صرخات تطلب العدالة في عالم يمتلئ بالفوضى.
في ختام الاجتماع، شعرت بشيء من الارتياح، لأني لم أكن وحدي في هذه المعركة، بل كنت جزءًا من فريق عازم على تحقيق العدالة. كما قال أحد الفلاسفة: "إن الذين يسيرون في طريق الحق، مهما كانت الصعوبات، سيجدون النور في نهاية النفق." في أحلك الأوقات، نحتاج إلى أن نكون صوتًا للحق، وأن نضع أمان أحبائنا في مقدمة أولوياتنا
في عالم مليء بالتعقيدات والأسرار، حيث تتشابك الخيوط بين الحقيقة والخيال، أدركت أنني كنت دائمًا متاحًا للآخرين، أدرس كل تغيير، وأحلل كل قرار، وأتابع كل نشاط يتعلق بعملي. كشرطي ملتزم، كانت واجباتي تأخذني في رحلة ملحمية تتجاوز جميع العقبات، لأواجه تحديات التوتر والقلق التي ينبع من بيئة العمل القاسية.
كنت أحمل ثقل المسؤولية و أحاول أن أجسد صورة القائد الساعي لتحقيق العدالة، قضيت سنوات في هذه المهنة، غارقًا في تجارب متنوعة ومواقف قاسية، مما جعلني أشعر بأنني في خضم معركة حقيقية. معرفتي بأسرار اللعبة وضعتني في موقف حرج، يفرض عليّ تحمل المسؤولية بشكل كامل.
تلقى المدير العام للمخابرات، ذلك المحاور الذكي الذي يدير خيوط اللعبة، تقاريري حيث كان يجلس خلف مكتبه الفخم، بينما تتدفق من حوله ملفات وقضايا معقدة، شعرت بإعجاب كبير تجاه قدراته، حيث كان واضحًا للجميع أن ذكاءه هو ما أوصله إلى هذا المنصب الرفيع. كان يشبه العازف الماهر الذي يتحكم في كل خيط من خيوط ألتهج، ويعلم أن نجاح مهمتنا يعتمد على قدرته على اتخاذ القرارات الحاسمة.
كان الهدف هو إبلاغه بأمور يمكن اعتبارها حقائق لا تقبل الجدال، كل كلمة أنطق بها كانت كالرصاصة التي تُطلق في ميدان المعركة، حيث الإخفاق يعني الخسارة. كان الإفصاح عن المعلومات بطريقة مدروسة فنًا يتطلب مزيجًا من الثقة والحنكة. وكان من الواضح أن مدير المخابرات، بإدارته الحكيمة، يملك القدرة على إدراك كل التفاصيل الدقيقة التي قد لا ينتبه لها الآخرين، مما زاد من تحدياتي.
في تلك اللحظات الحرجة، لم تكن الحقيقة هي ما يهم فحسب، بل كان الأهم هو كيفية استخدام تلك المعلومات. كان هناك ضغط خفي يحيط بي، لكنني كنت عازمًا على عدم
إظهار أي علامات للقلق. لم يكن هناك ما يستدعي الخوف، وكل ما كنت سأقوله للمدير كان مستندًا إلى الحقائق الثابتة التي لا مجال للتشكيك فيها.
كان المدير العام للمخابرات، الذي يمثل العمود الفقري للفريق، يتمتع بقدرة غير عادية على التمييز بين الحقائق والخيال،و كانت لديه رؤية واضحة، لن يسمح للخيانة والتمرد أن يتسللا إلى وطننا.
كما أنني، بصفتي المفتش، كنت أشعر بالمسؤولية عن دعمه. كنا في خندق واحد، ومع كل تحدٍ كان يواجهه، كنت عازمًا على أن أكون له عونًا. كنت أراقب كل حركة له، وأحرص على أن تكون تقاريري دقيقة، ليتسنى له اتخاذ القرارات المناسبة في الوقت المناسب.
أما فيما يتعلق بالشخصيند المتورطين في الهجوم على أكاديمية الشرطة الصومعة، فقد كانت المهمة الملقاة على عاتقي أكبر مما كنت أتوقع. كلفني المدير بمطاردتهما بلا هوادة، وكانت تلك المهمة تحمل في طياتها أخطارًا جسيمة، تهدد الأمن والاستقرار. لم يكن الأمر مجرد مطاردة لمجرمين؛ بل كانت حربًا ضد الخوف الذي يحاول أن يسيطر على قلوب الأبرياء.
هذان الخسيسان لم يكونا مجرد مجرمين عاديين؛ بل كانا يجسدان كل ما هو فاسد في مجتمعي. كانت أفعالهما تتسم بالعنف والتعطش للدماء، دون أدنى اعتبار لحياة الأبرياء. لذلك، شعرت أنه من الضروري الحصول على مزيد من المعلومات حولهما. لم يكن الأمر مجرد واجب وظيفي، بل كان يتعلق بحماية زملائي وأحبائي من براثن الظلم.
بعد تفكير عميق، قررت أن أطلب من المدير المزيد من التفاصيل حول هذين المجرمين. كنت بحاجة إلى توجيهات أكثر وضوحًا.
استحضرت كل تجاربي السابقة، وكل الندوب التي تركتها المعارك السابقة، وقررت أن أكون أكثر شجاعة. كنت مستعدًا للدخول في المعركة، ولم يكن لدي خيار آخر سوى التقدم إلى الأمام، مصممًا على أن تكون الحقيقة هدفي في هذه المعركة القاسية، فالصبر والتصميم هما السلاحان اللذان سيقوداني نحو النصر.
مع كل خطوة أخطوها، كنت أزداد قوة. أدركت أنني لم أكن وحدي، بل كنت أعتمد على رؤية المدير الثاقبة وتوجيهاته التي كانت تشكل بوصلة لي في هذا المسار الصعب، كان التحدي كبيرًا، لكنني كنت مؤمنًا بأن العدالة ستسود في النهاية..
يتبع...