بقلم اسماعين تماووست
منذ أن بدأت مسيرتي كضابط شرطة، كانت كل جهودي مُسخرة نحو هدفٍ واحد: خدمة بلادي وشعبها، وتعزيز الأمن في المجتمع وحماية حقوق أفراده وكرامتهم.
أدركت مبكرًا أن نجاحي في المهام الموكلة إلي لا يُقاس فقط بإلانجازات، بل أيضًا بمدى ثقة المواطنين في الشرطة ومدى تعاونهم معنا للقضاء على ظاهرة الإرهاب، وقد واجهت في مساري تحديات لا تُحصى، ولم تكن المهام تقتصر على تطبيق القانون فحسب؛ بل تطلّبت تفاعلًا إنسانيًا وصبرًا واهتمامًا بالتفاصيل الصغيرة التي تُشكل حياة الناس.
كنت أعي جيدًا أن العديد من المواطنين يعيشون ظروفًا قاسية، وكان استيعاب هذه المعاناة جزءًا من التزامي نحوهم، في كل لقاء مع مواطن، كنت أستمع بإنصات، أفهم حاجاته وتطلعاته، وأعمل على إيجاد حلول تتجاوز حدود القوانين الجامدة.
لم يكن من السهل أحيانًا تلبية احتياجات هؤلاء الناس، لكني كنت أجد في خدمة الآخرين راحة نفسية ، وشعرت بأن دوري يتجاوز كوني ضابط شرطة إلى كوني فردًا منهم، أتحمل مسؤولية تحسين حياتهم بقدر استطاعتي.
من هذا المنطلق، استعملت جزءًا من المال الذي حصلت عليه من بيع قطعة الأرض التي ورثتها عن عائلتي في بلدية الرغاية لتلبية احتياجات المحتاجين، ولضمان سير الأمور بسلام وأمان، كانت مساعداتي، التي لم تقتصر على الحلول المؤقتة، جزءًا من قناعتي بأن تحسين حياة الآخرين يبني مجتمعًا متماسكًا.
فكثيرًا ما كنت أقدم العون المالي من مالي الخاص للعائلات التي لم تجد من يقف بجانبها، فأحرص على إبقاء تلك المساعدات سرية حتى لا يشعر أحدهم بالخجل أو الحرج، وحين أرى في عيون الناس امتنانهم يمدني ذلك بالقوة ويجدد في نفسي الالتزام بقيمتي كإنسان قبل أن أكون ضابط شرطة."
في خضم التحديات اليومية، كان ذكائي الاجتماعي وتكتيكي في بناء علاقات قوية مع المواطنين عاملاً رئيسياً ساهم في نجاحي، لأن المعيار الحقيقي لنجاحنا في قضايا الشرطة يكمن في التخطيط السليم والتفاعل مع المجتمع، لذلك تعاملت مع كل شخص كفرد له قصته، وعليه، قمت ببناء علاقات متينة مع شخصيات مؤثرة، مثل رئيس مصلحة الحالة المدنية ببلدية الأربعاء، الذي لعب دورًا أساسيًا في نجاح عملياتنا.
كانت المعلومات القيمة التي قدمها لي درعًا يحمي المجتمع من المفاجآت السيئة، ونجحت في الحفاظ على هذه العلاقات حتى اليوم، مما ساعدني في تعزيز الأمان واستباق الأزمات.
وفي إحدى المرات، بينما كنت في نقاش مثير مع رئيس مصلحة الحالة المدنية ببلدية الأربعاء، اقتحم عبد القادر، زميلي الوفي من تنس، المكان ليُبلغني بوجود نائب رئيس أمن ولاية البليدة، المسؤول عن مجموعة الضباط المناط بهم محاربة الإرهاب، الذي كان يطلب لقائي على وجه السرعة في مكتب رئيس أمن دائرة الأربعاء.
عندما وصلت إلى المكتب، وجدت الرئيس في انتظاري، وكانت التوترات المحيطة بالاجتماع تتصاعد، كان هناك أيضًا محافظ الشرطة، وقد أدركت منذ اللحظة الأولى أن هذه الجلسة تحمل في طياتها أهمية قصوى، بدأت النقاش بطريقة مهنية، واستطعت أن أشعر بالراحة وأشعر الآخرين كذلك.
كان هذا الرئيس قائدًا كفؤا تجلى ذلك في طريقة حديثه وحركاته، بدا وكأنه يتولى قيادة سفينة في بحر متلاطم، يمسك بعصا القيادة بثقة، تذكرت أول لقاء لنا في أكاديمية الشرطة بالصومعة، يوم الهجوم الشنيع على مدرسة الشرطة، كنا نتفقد الأضرار التي أحدثها المجرمون، وكان قربه من مركز الحراسة يُشعرنا بأننا في أيدٍ أمينة.
خلال الاجتماع، استخدمت تكتيكي في نسج العلاقات لتقديم وجهات نظري بوضوح، مع التركيز على أهمية التعاون بين الجهاز والسلطات المحلية، كانت لدي القدرة على قراءة تعبيرات وجه زملائي وفهم مواقفهم، مما ساعدني على توجيه النقاش نحو الحلول الفعالة.
طلب مني الرئيس أن أبدأ التحقيق على الفور، في تلك اللحظات، تأكدت من أنني، بمعية هذا القائد المحترف، سأكون جزءًا من قصة تتجاوز حدود المألوف، فكل قرار يُتخذ سيكون له تأثيره المباشر على أمن الوطن والمواطنين.