كنت أنا و زميلي عبد القادر، والذي كان غالبا ما يرافقي في معظم مهامي، و هو عون شرطة (AOP)،الذي أٌغتيل للأسف بداية سنة 1993 بالمحطة البرية بمدينة بوفاريك، وهو في المناوبة الليلية، لما تلقى مركز الشرطة بوفاريك مكالمة هاتفية، تخبرهم أن الأوضاع ليست على ما يرام في محطة الحافلات، وبمجرد إعلامهم بذالك، أمر رئيس المناوبة حينها، زميلي عبد القادر أن يرافقه لتحري الأمر ، وبمجرد الوصول إلى عين المكان، فوجؤوا و حوصروا قبل حتى أن يركنوا مركبتهم، بجماعة مسلحة على رأسهم قائد الحركة الإسلامية المسلحة (MIA) المدعو (زوابري عليوات)، حيث كانوا يترصدون وصولهم ،وهناك أحاطوهم و هم مسلحين من كل جهة، فقتلوهما  رميا بالرصاص عن قرب مستعملين (المحشوشة )، وتم تجريدهما من أسلحتهما...
كنا بعيدين قليلًا عن مكان الخطر، مع أنه من الممكن أن يلحق بنا الضرر في أي وقت،  لاحظت تحركات ظل الجنود، عندما انكسر فجأة الصمت الذي ساد المكان، بسبب ضجيج محركات طائرات الهليكوبتر، التي كانت تحلق في الفضاء،  وسرعان ما أسقطت هذه الأجهزة الحربية وابلاً من القذائف المتعددة ذات الانفجارات القوية مصوبة بدقة إلى الغابة السوداء الواقعة بين دوار العبزيز وبلدية لاربعا، و بعد دوي القذائف والإنفجارات القوية، هلعت الحيوانات البرية وفرت الطيور في كل الاتجاهات .

حقاً  كان المشهد يحبس الأنفاس وكأنه مقطعاً من سلسلة أفلام المغامرات الأمريكية، وبدون تأخر، أنهت القوات الجوية  المعركة الأولى من نوعها بنجاح، لكن رغم ذلك كان الخوف يخيم على المكان، والموت يحاصرنا من كل صوب.. 

في الحقيقة، يعجز اللسان عن وصف ذلك المشهد المروع و تلك اللحظات الحاسمة  ، والمروحيات تقصف المكان الذي كاد أن يغطيه دخان القصف و الذي لم يكن يفصلنا عنه إلا بضع أمتار.

في الواقع كان قتال شرس قد يصاب من كان حاضراً فيه بحالة من الذعر والخوف، و حتى عدم القدرة على النوم  أو الكلام ...فمن المستحيل نسيان ذالك الإشتبااك القوي الذي بقي محفورا في أذهاننا.