230

0

من تحت  الركام إلى الجزائر ... قصة الفلسطينية إيمان القريناوي أم الشهداء التي سطرت قصة تحدي وصمود

 

حاورتها: نسرين بوزيان 

إيمان القريناوي، واحدة من آلاف الأمهات الفلسطينيات اللواتي قدمن حياتهن وأرواحهن فداءً لأرضهن، فقدت ثلاثة من أبنائها في الهجمات الوحشية التي شنها العدو الصهيوني على قطاع غزة.
واليوم، تروي لـ”بركة نيوز” قصة شعب بكامله، وتجربة شخصية لا يمكن للزمن أن يمحوها، وعيناها مليئة بالحزن والفخر في آن واحد، وصوتها مشبعًا بذكريات الألم، لكنه لا يخلو من شجاعة استثنائية.

أيقونة الصمود

لنعد إلى بداية اللقاء،دخلت إيمان دار الصحافة “طاهر جاووت” في الجزائر العاصمة، وكان حضورها بمثابة إعلان صامت للصحفيين الجزائريين: “هنيئًا لكم لرؤيتي، فإني أم شهداء، وأنا من غزة الجريحة.”

كأنها جاءت لتروي لهم قصة صمود لا يعرفه الصحفيون إلا عبر شاشات التلفاز، وكأنها تقول لهم: "أنا إيمان القريناوي، ها أنا بينكم، هل أنتم مستعدون لسماع قصة القطاع؟ هل تودون اكتشاف سر صمودنا؟ أنا هنا لأروي لكم الحقيقة، فقصتي هي شهادة إنسانة نهضت من تحت الركام لتكشف لكم ما غاب عنكم."

عندما التقينا بها، كان في عيونها بريق من صمود لا يشبه سواه، وقوة لا يمكن للعقل استيعابها إلا بعد سنوات من المعاناة. 
هي امرأة استثنائية، أم شهداء فقدت أطفالها في أعمارهم المبكرة، ومع ذلك وقفت شامخة، تحمل على كتفيها الشال الفلسطيني الذي يحمل بين طياته رسالة خالدة: " القدس عاصمة فلسطين الأبية."

كان صوتها مليئًا بحزن عميق واعتزاز لا ينتهي، وهي تردد بصوت مملوء بالإصرار: "راجعين يا غزة، راجعين"،وعرفت نفسها بثقة قائلة: "أنا إيمان القريناوي من غزة الصامدة"، ثم تابعت: "أتيت إلى الجزائر الحبيبة مع ابني للعلاج، بعد أن فقدنا كل شيء في غزة."

اليوم الذي غير مسار حياة ايمان 

عن تفاصيل قصتها المؤلمة، تقول إيمان: "في السادس من أكتوبر 2023، كنا كأي عائلة فلسطينية في منزلنا نعيش بسلام، وكان شعب غزة يعيش يومه كالمعتاد،لكن منذ اللحظة الأولى لاندلاع الحرب في السابع من أكتوبر، بدأ القطاع يشهد نزوحًا مفاجئًا بسبب القصف العنيف وإطلاق الصواريخ، وركض الناس يبحثون عن مأوى، وكل مكان كان يُوهمهم العدو بأنه آمن."
ثم تابعت إيمان بعينين غارقتين في الدموع: "القصف كان يتبعنا كالأشباح، حتى وصلنا إلى حي سكني حيث ظننا أننا سنجد الأمان، لكن في 17 ديسمبر 2023، استيقظنا على مجزرة،كانت أيدي الاحتلال هي من أوقعها علينا، لنجد أنفسنا تحت الركام، صرخنا بأعلى أصواتنا، استغثنا، حتى وصل صوتنا أخيرًا إلى الدفاع المدني."

البحث عن الأبناء وسط الدمار

استرجعت إيمان لحظة وقوعها تحت الركام، وقالت بصوت مليء بالألم: "كنت محظوظة، وكأنني لم أكن تحت الركام، الكثيرون في غزة لم يصل صوتهم إلى فرق الإنقاذ، فاستشهدوا تحت الأنقاض بسبب غياب المعدات اللازمة."

وأضافت: "هذا اليوم قلب حياتي رأسًا على عقب، فقدت ثلاثة من أبنائي، أمي وخالتي، وكان ابني جريحًا، ظل في غرفة العمليات لست ساعات."

استكملت إيمان حديثها عن اللحظات القاسية التي مرت بها بعد خروجها من تحت الركام: "بحثت عن أبنائي بين الركام، كنت بين نارين أم فقدت أولادها، وأم أخرى قلقة على حياة ابنها الجريح الذي أصيب في رأسه،ثم وجدت ابنتي، التي أخرجت من تحت الركام بعد أول قصف، ثم وجدت ابني  وابنتي في اليوم التالي، بعد أن بقيا تحت الأنقاض بين 10 إلى 12 ساعة."

معاناة مستمرة...

ثم انتقلت إيمان للحديث عن مرحلة النزوح إلى المستشفيات التي كانت تفتقر إلى أبسط مقومات العلاج والأدوية، وأردفت :" كانت هناك خيمة للشهداء، بلا أكفان، ولا يوجد من  يصلي عليهم، في مشهد مأساوي يعكس حجم الإبادة الجماعية التي اجتاحت عائلاتهم."

وعن مشاعرها بعد فقدان أبنائها، نظرت إلينا وكأنها كانت تستنطقنا لنشعر بالوجع الذي لا تستطيع الكلمات أن تترجمه، وقالت بصوت مكسور: "شعور الأم التي تفقد أبناءها لا يمكن أن يصفه الكلام، في غزة، لا يوجد وقت للحزن، لا وقت للراحة، اليوم تدفنِ ابنك الشهيد، وفي نفس اليوم  تواصلين حياتك، تبحثين عن ضروريات الحياة، كي تبقي على قيد الحياة."

صمود لا يوصف

تحدثت إيمان عن قوة المرأة الفلسطينية في مواجهة القصف والمعاناة اليومية، وقالت بصوت مليء بالاعتزاز: "المرأة الفلسطينية هي بطلة بكل ما تحمله الكلمة من معنى، هي التي تكفن ابنها، ثم تواسي جارتها، وتزغرد لشهداء مدينتها، وتواصل النضال على الرغم من كل شيء،إنها امرأة عظيمة، لا يمكن للكلمات أن تفيها حقها."

دفء الشعب الجزائري

ومع رحيلها عن غزة إلى الجزائر، تقول إيمان: "مغادرتنا كانت لضرورة العلاج، وبعد إقامتنا 26 يومًا في مصر، وصلنا إلى الجزائر، لكن مع كل خطوة، كانت ذكريات غزة تلاحقني."

وتستذكر كيف استقبلها الشعب الجزائري آنذاك: "كان الشعب الجزائري يستقبلنا بأذرع مفتوحة، وكان هناك من يذرف الدموع فور سماع اللهجة الفلسطينية، هذا هو حب الشعب الجزائري لفلسطين، حب عميق لا حدود له".

وأضافت: "في الجزائر، وجدنا يدًا ممدودة لنا بكل حب، وهذا ليس غريبًا على شعب لا ينسى أشقاءه في المحن."
وعن تجربتها في الجزائر، تقول إيمان: "لقد  دعمتني السفارة الفلسطينية في الجزائر، وكذلك الاتحاد الوطني للشباب الفلسطيني، ورغم كل ما مررت به من معاناة نفسية، إلا أنني تلقيت العلاج في الجزائر وتمكنت من النهوض مجددًا،أنا اليوم أدرس في الجزائر، أواصل دراستي في الأدب العربي، وابني يدرس في مدرسة ابتدائية، كما أنني أعمل في الاتحاد الوطني للشباب الفلسطيني، وأساعد أبناء بلدي من هنا،الحياة ليست ترفًا، بل صمود لا ينتهي."

أرض الحب والأمل قبل الحرب

عن غزة قبل الحرب، تقول إيمان بفخر: "غزة كانت المكان الذي يحتضننا بحب، كانت أرضًا صغيرة ولكنها مليئة بالحياة، كان في كل زاوية حكاية أمل،اليوم، لا يمكن لأي كلمات أن تصف ما يحدث، ولكن الشعب الغزاوي سيبقى عظيمًا، وسيظل يقاوم حتى النصر."

المرأة الجزائرية مصدر إلهام الأمة

وفي رسالتها للمرأة الجزائرية، قالت إيمان: "أنتِ شقيقة المرأة الفلسطينية في النضال، كان لدوركِ أثر كبير في تحرير الجزائر، وأنتِ اليوم مصدر إلهام لنا،ورسالتي لكل امرأة عربية أن تبقى صامدة وقوية، وأن تقاوم من أجل حقوقها وحقوق أبناء وطنها كما تفعل المرأة الفلسطينية."

انتهى لقاءنا مع إيمان، ولكننا لا زلنا منبهرين بما حملته كلماتها من صمودٍ لا يلين، وشجاعة لا يمكن أن تضعفها سنوات المعاناة. بقيت في ذاكرتنا، ليس فقط كأم شهداء، بل كرمز حيٍّ للقوة والإرادة. 
دمتم فخر نساء العالم، أيتها الفلسطينيات، أنتن من علمن العالم معنى الصمود والتحدي، وما زالت حكاياتكن ملهمة لكل الأجيال القادمة.

شارك رأيك

التعليقات

لا تعليقات حتى الآن.

رأيك يهمنا. شارك أفكارك معنا.

barakanews

اقرأ المقالات البارزة من بريدك الإلكتروني مباشرةً


للتواصل معنا:


حقوق النشر 2025.جميع الحقوق محفوظة لصحيفة بركة نيوز.

تصميم وتطويرForTera Services

barakanews

اقرأ المقالات البارزة من بريدك الإلكتروني مباشرةً


للتواصل معنا:


حقوق النشر 2025.جميع الحقوق محفوظة لصحيفة بركة نيوز.

تصميم وتطويرForTera Services