مليكة بن دودة أستاذة جامعية، كاتبة صحفية، ووزيرة جزائرية، تخرجت  من قسم الفلسفة بجامعة وهران، وتحمل شهادة الدكتوراه في الفلسفة السياسية من الجامعة نفسها، نشرت عدة كتب، من أبرزها" فلسفة السياسة عند حنا أرندت"، كما أنها عضو في شبكة النساء الفلاسفة التابعة لمنظمة اليونسكو العالمية.

نسرين بوزيان 

 

برز اسمها ضمن قائمة أفضل 100 شخصية لعام 2020، بعد أن اطلعت اللجنة المكلفة من مجلس أمناء الرابطة العالمية للإبداع والعلوم الإنسانية على أعمالها، ووصفتها بالعظيمة وذات عطاء مستمر.

تتصدر المشهد بعد التعديل الوزاري

وقد أثار اسمها اهتمام الرأي العام، خاصة بعد التعديل الوزاري الذي أجراه رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون في الرابع عشر من سبتمبر، حيث عاد اسمها ليتردد في وسائل الإعلام، وتسليط الضوء على مسيرتها المتألقة.
وفي هذا السياق، يُقال: "من أراد أن ينصف انساناً، فلينظر إلى أثره لا إلى صورته"، وهو قول يليق بمليكة بن دودة لما تركته من بصمات واضحة خلال فترتها الوزارية الأولى بين عامي 2020 و2021، حيث رسخت أعمالها في ذاكرة المشهد الثقافي الجزائري.

تحقيق إنجاز ثقافي عالمي

تمكنت بن دودة من تحقيق إنجاز ثقافي عالمي من خلال تسجيل فن "الراي" كتراث جزائري ثقافي لا مادي لدى منظمة اليونسكو، إلى جانب إدراج أطباق وموسيقى تقليدية مثل "الكسكسي" ضمن قائمة التراث الثقافي غير المادي.
كما سعت إلى تثمين وحماية التراث الجزائري بمختلف أشكاله، المادي وغير المادي، من خلال تفعيل واستغلال الموارد المتوفرة في القطاع، وفتح آفاق واسعة للاستثمار الثقافي، خاصة في مجالات النشر، والصناعات السينمائية، والعروض ، والسياحة الثقافية والروحية.

قريبة من الفنانين

كانت قريبة من الفنانين، حريصة على الاستماع إليهم. وقد قالت لهم في إحدى المناسبات: " التاريخ هو أساس المستقبل، وأنتم تاريخ الفن الجزائري، وفي أثركم يبنى مستقبلنا الثقافي، حفظكم الله ورعاكم، وأقول لكل فناني الجزائر، لا مستقبل للثقافة من دونكم، سأظل معكم، أستمع لآرائكم وانشغالاتكم أينما كنتم."
كما أطلقت وزارة الثقافة في عهدها مشروع "انزياحات ثقافية" تحت شعار "فكرة التغيير"، بإشراف نخبة من المثقفين والكتاب الجزائريين، وهو مشروع يهدف إلى تطوير المحتوى الثقافي، وتعزيز قيم الانفتاح والتنوع، والمساهمة في إثراء المشهد الثقافي الوطني.

دعم الشباب

كان للشباب نصيب وافر من دعمها، حيث منحتهم فرصا لإنشاء مكتبات جديدة لتسويق الكتاب، من خلال دعم المخزون الأولي، وتشجيع النشر المحلي، ومساعدة المكتبات على التخلص من الكتب بطيئة التسويق.
كما دعمت الكتاب الشباب بإقامة الورشات والإقامات الكتابية، التي أتاحت لهم التفرغ للإبداع، وفتحت أمامهم افاقا جديدة في عالم الكتابة.

المرأة والتنمية

أولت بن دودة اهتماما بدور المرأة في التنمية، مؤكدة أن تمكينها من ثقافة الديمقراطية يعد مفتاح مشاركتها الفعلية في الحياة العامة واتخاذ القرار. 
وقد شددت على أن المرأة، متى أدركت مكانتها، تصبح قادرة على إحداث التغيير والمساهمة في بناء المجتمع

عودتها إلى الوزارة

عند عودتها إلى الحكومة في 15 سبتمبر 2025، أكدت حرصها على الملفات التي تخدم القطاع والوطن، وشددت على أن تسيير قطاع الثقافة والفنون لا يجب أن يقتصر على الإدارة فقط، بل يتطلب رؤية جماعية يشارك فيها الجميع: إطارات الدولة، نخب المجتمع، رجال المال، والمواطنون الواعون بقيمة تاريخهم وهويتهم الثقافية المركبة.
وفي كلمتها خلال افتتاح جلسات التراث الثقافي في الوطن العربي، التي نظمت بالتعاون مع منظمة الألكسو، أكدت أن حماية التراث الثقافي العربي المشترك قضية مركزية ذات بعد استراتيجي. وأعربت عن سعادتها باختيار الجزائر كمحطة أولى لهذه التجربة الرائدة، معتبرة أن اللقاء يعكس الإرادة العربية المشتركة في صون التراث، كما يبرز الدور الريادي الذي تلعبه الجزائر في هذا المجال على المستويين العربي والدولي.

فلسطين أولوية ثابتة

لم تغب القضية الفلسطينية عن أولوياتها، حيث أكدت موقف الجزائر الثابت في دعم فلسطين، مشيرة إلى أن النزاعات المسلحة لم تعد تهدد حياة الشعوب فقط، بل تستهدف أيضا ذاكرة الأمم وهويتها الثقافية.
وتحدثت عن العدوان الممنهج الذي يطال التراث الفلسطيني، معتبرة أن حماية هذا التراث واجب أخلاقي وقومي وإنساني، يستدعي تكاتف الجهود العربية والدولية كافة.

تحديث البنية الثقافية

في أول زيارة ميدانية لها بعد عودتها إلى المنصب، زارت المكتبة الوطنية بالجزائر العاصمة، إحدى أقدم مؤسسات التوثيق في البلاد، والتي تأسست سنة 1835. شددت على أهمية مشروع ترميم هذا الصرح الثقافي، مؤكدة ضرورة احترام آجال الإنجاز لإعادة الاعتبار لدوره كمركز إشعاع علمي وثقافي.
كما تطرقت إلى مشروع رقمنة المكتبة الوطنية ورقمنة المخطوطات، مشيرة إلى أن الرقمنة تمثل وسيلة استراتيجية لحفظ التراث الوثائقي الوطني، وجعله متاحًا للباحثين داخل الجزائر وخارجها.

تشجيع القراءة وإحياء التراث الشفهي

في إطار تشجيع المطالعة، أعلنت عن إطلاق برنامج لتوزيع أكثر من سبعة آلاف كتاب موجه للأطفال داخل المدارس، بالشراكة مع وزارة التربية الوطنية، بهدف توسيع فضاءات القراءة في الوسط التربوي.
كما أطلقت مبادرة جديدة تهدف إلى إحياء التراث الشفهي الجزائري، من خلال إشراك الحكواتيين في الأنشطة الثقافية، وتسجيل الحكايات التراثية بصيغ صوتية ورقمية، لتكون في متناول الأجيال القادمة.

بعث الصناعة السينمائية الوطنية

لم يكن قطاع السينما غائبا عن أولويات مليكة بن دودة، بل كان حضورها في هذا الملف لافتا، حيث عبرت عن انشغالها بحالة الانسداد التي يعرفها القطاع السينمائي الوطني، داعية إلى رفع العراقيل التي تعيق تطوره، ومؤكدة على ضرورة دعم الإنتاج السينمائي المحلي، وتعميم نموذج المركبات السينمائية الحديثة المزودة بقاعات عرض عصرية، مع تسهيل استثمارات الخواص ومنحهم رخص استغلال القاعات، وتوفير بيئة مناسبة لجذب المستثمرين. 
كما دعت إلى إعداد تصور شامل لاستغلال قاعات السينما التابعة للوزارة أو المسترجعة من البلديات، مع فتحها أمام الجمعيات، والتعاونيات، والفنانين بمختلف إسهاماتهم، مما يسهم في تنشيط الحياة الثقافية والفنية في مختلف مناطق الوطن

مشروع استثنائي برؤية عالمية

وفي سياق دعم المشاريع الكبرى، وضعت الوزيرة ثقلها خلف مشروع وصف بـ"الاستثنائي" فيلم الأمير عبد القادر، مؤكدة أنه يجب أن يحظى بكل أشكال الدعم المؤسسي واللوجستي والفني.
وشددت على ضرورة إنجاز الفيلم وفق معايير احترافية عالمية، تبرز عبقرية الأمير عبد القادر، وتجعل من هذا العمل واجهة مشرفة للسينما الوطنية.

   وفي الختام ، تمثل عودة مليكة بن دودة إلى قصر مفدي زكريا رسالة ثقة من رئيس الجمهورية وتقديرا لكفاءتها، خاصة في ظل الدعم اللامحدود الذي يقدمه الرئيس لقطاع الثقافة والفنون، باعتبارهما من ركائز بناء الوعي الوطني وصيانة الهوية الثقافية الجزائرية.