140
0
"محمد بوضياف"... بطل صنع مجد الثورة ولبى النداء حين استدعاه الوطن
محمد بوضياف أو "سي الطيب الوطني" هذا اللقب الذي أطلق عليه خلال الثورة الجزائرية، هو رئيس سابق للجمهورية الجزائرية، نهض كغيره من الجزائريين المخلصين لبلادهم من أجل خوض الحياة السياسية ومحاولة تخليص بلاده من الاستعمار الفرنسي الغاشم، فكان بذلك أحد رموز الثورة الجزائرية.
شروق طالب
حيث عرفت مسيرة بوضياف السياسية والثورية عدة محطات تاريخية تعرض سي الطيب الوطني فيها الى السجن والنفي والنضال، بالإضافة لتنقله الدائم خارج الجزائر من أجل تنظيم شؤون الثورة وتعريف العالم بقضية بلاده.
حياة ومنشأ سي الطيب الوطني
ولد محمد بوضياف في 23 يونيو عام 1919م بمنطقة أولاد ماضي بولاية المسيلة ومن أسرة تعد من بين العائلات المعروفة بالمنطقة، بدأ حياته التعليمية بالكتاب بمسقط رأسه على يد شيخاه عمار بوضياف وعبد السلام بقة، وبعد أن حفظ ما تيسر من القرآن، التحق بمدرسة الأهالي وتخرج منها عام 1933 حائزاً على شهادة الابتدائية، واصل دراسته الإعدادية ببوسعادة وتوقف عند هذا الحد بسبب ظروف الاستعمار، قرَّر بعدها السفر إلى قسنطينة عام 1938 من أجل البحث عن منصب عمل، ليشتغل بعد ذلك بمصلحة الضرائب كموظف في ولاية جيجل سنة 1942.
نشاط بوضياف النضالي قبل الثورة التحريرية
كانت بداية عمل بوضياف في النشاط السياسي خلال انخراطه في حزب الشعب عن طريق المناضل عبد الله فيلاني الذي اتصل به لهذا الغرض أثناء الحرب العالمية الثانية في الفترة ما بين (1943-1945)، وبعد انتهاء الحرب عاد بوضياف إلى منصبه بمصلحة الضرائب التابعة لولاية جيجل أواخر ماي 1945.
ولكن سرعان ما ترك منصبه وذلك بعد ارتكاب سلطات الاحتلال الفرنسي مجازرها في نفس الشهر، هاته الأحداث التي كان لها الأثر البالغ في نفسية محمد بوضياف، بحيث تأكد من ظلم الإدارة الفرنسية وتعنتها، فانتقل فوراً إلى البحث عن الوسائل التي تضع حدّاً لهذا المجازر التي راح ضحيتها 45 ألف شهيد.
وكانت أول هذه الوسائل هو تأسيس المنظمة الخاصة التي تم الإعلان عنها في المؤتمر الأول لحركة انتصار الحريات الديمقراطية عام 1947، وكان بوضياف من بين أعضائها البارزين، وتم تعيينه في منصب مسؤول عمالة قسنطينة.
وبعد اكتشاف المنظمة الخاصة وحلها عام 1950 نجا بوضياف من حملة الاعتقالات التي شنتها سلطات الاحتلال، ودخل في حياة السرية دون قطع الاتصالات مع زملائه الفارين، وبعد اشتداد الرقابة عليه قرّر السفر إلى فرنسا عام 1952، وشغل بها منصب مسؤول التنظيم بالاتحادية.
ولما احتدم الصراع بين طرفي الحزب في الفترة ما بين (1953-1954) تأثر بوضياف بالوضعية التي آل إليها الحزب وقرّر الرجوع إلى الجزائر، وبعد عودته شرع في الاتصال ببعض الزملاء لحل مشكلة الصراع داخل الحزب، وهو ما تمخض عنه “تأسيس اللجنة الثورية للوحدة والعمل” في مارس 1954، ثم جاء اجتماع الاثنين والعشرين الشهير، الذي تقرر فيه الانتقال الفوري للعمل المسلح كوسيلة وحيدة لتجاوز الأزمة.
بعد هذا الاجتماع التاريخي عمل بوضياف جاهداً رفقة ابن بولعيد في ضم منطقة القبائل وإقناعها بجدية القرار وبفضل جهودهما انضم كريم بلقاسم إلى لجنة الخمسة، وصارت تدعى تاريخياً منذ نهاية شهر أوت 1954 بـ”لجنة الستة”، ولقد سبق لمحمد بوضياف وإن اتصل بزعماء الوفد الخارجي عن طريق أحمد بن بلة الذي التقى به في مدينة برن السويسرية وأطلع الوفد الخارجي بقرارات اجتماع الاثنين والعشرين حيث أبدو موافقتهم لهاته القرارات.
قبل انطلاق الثورة بـخمسة أيام ودَّع بوضياف رفاقه وغادر الجزائر باتجاه القاهرة التي وصل إليها في 02 نوفمبر 1954 وبحوزته بيان أول نوفمبر، وفور وصوله انضم مباشرة إلى أعضاء الوفد الخارجي، وكُلّف رفقة بن بلة بالمهام العسكرية، لكنه ما لبث أن انتقل إلى الجهة المغربية وظل يشتغل مع ابن مهيدي في مهمة التسليح والتموين.
انجازات بوضياف بعد استقلال الجزائر
وفي هذه المحطة قام بوضياف بتأسيس حزب الثورة الاشتراكية وذلك في عام 1962م، وفي عهد بن بلة حدثت العديد من حملات الاغتيالات والاعتقالات فأعدم العقيد شعباني، واغتيل محمد خضير في أسبانيا، وتم اعتقال محمد بوضياف وحكم عليه بالإعدام في عام 1963م بتهمة التآمر على أمن الدولة ولكن لم ينفذ هذا الحكم نظراً لتدخل عدد من الوسطاء ونظراً لسجله الوطني فتم إطلاق سراحه بعد ثلاثة شهور قضاها في أحد السجون بجنوب الجزائر، أنتقل بعدها إلى باريس وسويسرا ومنها إلى المغرب حيث استقر بها لمدة تقترب من الثلاثين عاماً .
وتابع بوضياف نشاطه السياسي لفترة من الزمن كما عمل على تنشيط مجلة الجريدة، ولكن في عام 1979 قام بحل حزب الثورة الاشتراكية وذلك عقب وفاة الرئيس الجزائري هواري بو مدين، وترك أعباء العمل السياسي متفرغاً من أجل أعماله الصناعية حيث كان يمتلك مصنعاً بمدينة القنيطرة بالمملكة المغربية .
سنة 1992...بداية ونهاية الحكم الرئاسي
وبعد غياب دام لثلاثة عقود تقريبا عاد بوضياف مرة أخرى إلى أرض الوطن، في محطة هامة من حياته النضالية، وعلى الرغم من ترك بوضياف للسياسة إلا أنها أبت أن تتركه فقد تم استدعائه لكي يتم تنصيبه رئيساً للجمهورية الجزائرية خلفاً للرئيس الشاذلي بن جديد بعد تقديم استقالته، وفي تاريخ 16 من يناير 1992م تسلم بوضياف منصب رئيس الجمهورية.
وفي يوم 29 يونيو 1992م ذهب الرئيس بو ضياف إلى مدينة عنابة لحضور تدشين قصر الثقافة هناك حيث تعرض الرئيس الجزائري لطلقات نارية أودت بحياته وذلك على يد ملازم في القوات الخاصة الجزائرية اسمه مبارك بو معرافي، وجاء حادث الاغتيال هذا لينهي سريعاً فترة رئاسية ما لبثت أن بدأت حتى اختتمت بنهاية مأساوية والتي كانت كذلك آخر محطات الراحل محمد بوضياف.