125
1
محمد عياشين… رحلة مبدع جمع بين عالم الرواية وعدسة السيناريو

في عالم التأليف تتقاطع مسارات كتابة السيناريو مع عالم الرواية في توليفة تجمع بين تقنيات الصورة وقوة السرد، حيث يخوض الكاتب تجربة الإبداع في شكلين مختلفين، أحدهما يترجم الكلمات إلى مشاهد حية، والآخر يترك للمخيلة حرية تشييد تلك المشاهد بين صفحات الكتب.
شروق طالب
ومن بين المبدعين الذين جمعوا بين هذين العالمين، كان لنا لقاء مع السيناريست والروائي محمد عياشين في أروقة الصالون الدولي للكتاب سيلا 2025، حيث فتح لنا المجال للحديث عن مسيرته وأهم أعماله وتحديات تجربته.
بوادر شغف الكتابة
محمد عياشين، من مواليد 1958 بمدينة الشلف، سيناريست وروائي متقاعد بعد أن أفنى ثلاثة وثلاثين عاما في التعليم بين الطورين المتوسط والثانوي.
يقول إن شغفه بالكتابة بدأ منذ الطفولة، حين كانت قصص ألف ليلة وليلة وروايات جرجي زيدان وأحمد أمين والمنفلوطي وطه حسين رفيقته الأولى، قبل أن يتعمق في الأدب الجزائري مع رياح الجنوب، ابن هدوقة، عبد الله الركيبي، الطاهر وطار وغيرهم، هذا المخزون الأدبي دفعه باكرا إلى كتابة القصص القصيرة.
في عام 1976، خاض عياشين أولى تجاربه في الكتابة الدرامية من خلال مسلسل "مجانين الشتاء"، لتتوالى أعماله بعدها، على غرار "شخرات جدي" و"بهلول بالبادية".
أعمال سينمائية ودرامية متنوعة
وتنوعت أعماله السينمائية والدرامية بين الإجتماعةي، التاريخية، الثورية، الأكشن، وحتى الرسوم المتحركة.
من بين أعماله: الحلم والواقع، الخاتم المفقود، كوفيد 19، صحوة الضمير، معركة الانتقام ببني بوستور، الشيكور، بلارج، إضافة إلى أعمال علمية كـدودة الصندل (دودة الصنوبر)، ومسلسلات الأطفال مثل جدي يعلمنا، وأشرطة تاريخية منها التنصير بحوض الشلف والشهيد الجيلالي بونعامة.
ومن الأعمال التي تم إنجازها فعليا سلسلة "نجم من جمعية العلماء المسلمين – الشيخ البودالي الفارسي" في أربعة أجزاء، والشريط الوثائقي "سلطان وسلطانة" وغيرها.
أما في مجال الرواية، فقد كتب عياشين رواية "زواج بالجبل" خلال فترة جائحة كورونا، ثم رواية "الفراغ" سنة 2024، بالإضافة إلى مجموعة قصص قصيرة لم تنشر بعد.
روايات تغوص في الذاكرة وتمس جراح المجتمع
رواية "الفراغ" تصنف كعمل اجتماعي، أسند فيها البطل إلى شخصية الإمام، لتسليط الضوء على نظرة المجتمع الجزائري إليه، حيث يترصد له بأي خطأ، وينظر إليه كأنه معصوم.
تدور الأحداث حول الإمام وابنه الذي انزلق في تجارة المخدرات، وكيف يلومه المجتمع، مع الغوص في نفسية الشباب الذين ينخرطون في هذه التجارة. الرواية تكشف جوانب اجتماعية ونفسية متعددة وتقدم أحداثا مشوقة، وتنقل رسائل اجتماعية.
أما رواية "زواج بالجبل" قصة واقعية جرت أحداثها بين أحضان الونشريس والأصنام (الشلف حاليًا) والبليدة، وإن تغيرت بعض الأسماء والأماكن فهي تجسيد لمعاناة الشعب الجزائري في زمن الاستعمار الفرنسي، مرورًا بما بعد الاستقلال وحتى العشرية السوداء.
القصة مشوقة بأسلوب سلس ومتسلسل، وتحكي عن:
• المجاهد الصغير محمود المكنى بـ"النمس"
• المجاهدة بختوتة المليانية، طبيبة تحرص على خدمة الشعب
• أبو محمود الذي توفي تحت ركام أحجار الكونوري، وترك زوجته خيرة المرشوقية لتقاوم الحياة وتربي ابنها محمود بينما تواجه آثار التعذيب في مركز الإمام لفقدان عقلها لمدة عقد من الزمن.
كما تضم الرواية، حسب عياشين شخصيات ثانوية أثرت في الأحداث الواقعية المشوّقة التي عاشها أهل المنطقة، خصوصا في الأصنام، وتقدم رؤية واضحة عن قسوة الاستعمار الفرنسي على الشعب الجزائري.
وتؤكد الرواية على أن الاستعمار لا دين له ولا عهد ولا ميثاق، ليقدم رسالة للقارئ الجزائري والعربي عن قيم المقاومة والصمود.
أهم الدراسات النقدية
ولم يكن تأثير أعماله حكرا على القراء، بل وصلت إلى الجامعات، فقد كانت رواية "زواج بالجبل" موضوع رسائل تخرج لطلبة ماستر 2، كما تناولها الناقد والروائي علي فوضيل العربي في دراسة نقدية نشرتها صحيفة المثقف الصادرة في سيدني بأستراليا، تحت عنوان: دور المرأة الريفية بالجزائر إبّان الثورة الجزائرية – رواية زواج بالجبل للروائي محمد عياشين.
كما حظيت رواية "الفراغ" بدراسة نقدية بقلم البروفيسور محمد حمام.
قلم يصنع المشاهد… وواقع يرفض إنتاجها
وعن التحديات، يوضح عياشين أن أبرز ما يواجهه اليوم هو تجسيد السيناريوهات على أرض الواقع، إذ تتطلب عملية الإنتاج السينمائي والدرامي ميزانيات كبيرة تشمل تكاليف المصورين والممثلين والفنيين والمهندسين.
ورغم محاولاته الحصول على رعاية من مؤسسات خاصة وعمومية، إلا أن النتائج كانت، حسب قوله في إطار "الرفض المتعارف عليه".
ويختتم عياشين حديثه برسالة مفتوحة، قائلا فيها:
"أدعو كل من له علاقة بالرعاية الثقافية إلى التواصل معي، لأن الكثير من المشاريع جاهزة وتنتظر فقط من يمنحها فرصة الظهور."

