245
0
مجتمع التناقضات والمفاجآت والإخفاقات
بقلم : فرحان الخطيب
(فادية ) رواية اجتماعية للأديب العراقي عبد الزهرة عمارة صدرت مؤخراً في العراق عن دار أمارجي للطباعة والنشر تقارب المئة وستين صفحة من القطع الوسط، وزعها عمارة على ثمانية وعشرين مقطعا.
رواية " فادية " تقوم على حكاية سردية على لسان الزاوي الذي توازي مع الزواني في سرد الأحداث من ألفها إلى يانها، ولم يتخل عن السرد إلا بالحوارات التي تجري بين الشخصيات، وغالبا ما يظهر الراوي من خلف الستارة نظراً لإسلوب الخطاب المتساوى بين الشخصيات جميعها.
رواية " فادية " رواية اجتماعية بامتياز، استطاع الروائي اجتزاء قصة اجتماعية حدثت في زمان ومكان معلومين أو أنها على أبعد تقدير من الممكن أن تحدث في في هذا المجتمع، وبذلك تتوافق الرواية مع قول الكاتب والناقد عبد الفتاح صيري عن الرواية الاجتماعية بأنها :
كتابة أدبية قادرة على خلق الترادف مع الواقع، واقتطاع مادة وجودها من هذا الواقع، كما أنها تستلهم من الحياة العامة وتحولاتها ما يمكن البناء عليه في النصوص الزوانية المتشابكة قصداً أو من دون قصد مع محيط الكاتب الزواني ) .
تقول الرواية إن فادية هي فتاة عشرينية في عمرها، متعلمة ووحيدة ومدللة لأبويها كامل الجوهري ورجاء الصايغ، وذات لحظة فرح وزهو بماهي عليه من نعم، أنبأها هاتف عن وجود والدها في أحد المشافي، وما أن وصلت وأمها حتى كان مفارقاً للحياة في هذا العمر المبكر من حياتها تصدت فادية لاستلام شركة أبيها الناجحة للتصاميم الهندسية في بغداد، معتمدة على قوة شخصيتها ومنجزها العلمي. وظرفها الموضوعي كابنة وحيدة لكامل الجوهري، وما أن بدأت العمل حتى ظهرت المعوقات من داخل الشركة متمثلة بخالها وحيد حازم والسكرتيرة سامية صبري وبعض أصحاب النفوس الضعيفة من العمال، وتبدأ المشاحنات بين فادية وخالها والأم تقع ما بين ابنتها وأخيها ناصحة ومؤنبة لتحل مشاكلهما بالعقل، ولكنها لم تفلح وتنتابع الأحداث فيتم تعيين المهندس حسن كامل في الشركة على إثر نجاحه في مسابقة، ويصبح السند والساعد الأيمن لفادية، ما يثير حفيظة خالها الذي دير مع السكرتيرة مؤامرة غرامية لاتهام المهندس بها ليفصل من عمله، ولكن فادية أدركت القصة ففصلت السكرتيرة، ولم يكف خالها شرة عنها إذ أوعز للفراش في دس السم الفادية ولكنها تنجو من الموت باعجوبة فيزيد الخال من حنقه عليها، ولكن المفاجأة أنه وجد مقتولا في شقته، لتتسارع الأحداث فتذهلنا المفاجأة الثانية أن التي قتلته هي ابنته التي أنجبها من فتاة أحبها وأغواها أثناء عملها في الشركة منذ ما يقارب العشرين سنة وضحك عليها " سلمى " ولم يعترف بابنته منها وطردها شر طردة، والمفاجأة الأكبر التي حباها لنا بخبرته
الروائية الروائي عمارة هي أن المهندس حسن كامل بعد إعجاب فادية به وأرادته زوجا لها نظرا لأديه وأخلاقه وتفانيه في العمل، المفاجأة أن حسن هو أخوها من امرأة أخرى ولا يدري بهذا الأمر سوى عم فادية أبي جلال وحسن نفسه، وعندما تتكشف الحقيقة كانت فادية قد أصيبت بالكورونا و توفيت بعد أن توفيت أمها قبلها بذات المرض، وتلقائيا يصبح حسن صاحب الشركة، ويظهر المؤلف وطنيته من خلال اشتراكه وجرحه في إحدى المظاهرات التي أعلن عنها المؤلف بدلالة أن التغيير قادم لا محالة.
كانت الدوال في الرواية الاجتماعية " فادية " واضحة بتقديم صورة المجتمع يتشاهق الفساد الاقتصادي والأخلاقي به من خلال حازم وحيد. وأبقى على أمل النفوس الخيرة والتي لم تدنسها الحياة ممثلة بقادية بطلة الرواية والتي حملت كل العناصر الإيجابية من علم وجمال وحسن إدارة وتصرف وماتت بعذريتها ما دل على صفاتها ونقائها، وفسح مجالا للأمل وتجدد الحياة بالثورة القادمة وحسن مثلها الأفضل لنزاهته وشهامته وبراعته العلمية والعملية.
نهضت بالرواية شخصيات رئيسة فاعلة ولعل أهمها فادية المالحة الرواية اسمها، وخالها وحيد حازم والمهندس حسن كامل، وهناك شخصيات ثانوية كان تأثيرها محدوداً ولكنه مساعد السيرورة الرواية واستكمالا لبناء الحدث الرواني، وقد لعبت شخصيات الرواية أدوارها كما أرادها لها المؤلف الروائي والراوي بأن، ولم تخرج عن الطريق الذي رسم لها.
ولا أدري لماذا أنهى شخصية فادية بعدما وصلت إلى عتبة الدهشة الحكائية وكان أولى بالزواني أن يكمل روايته بها مع أخيها حسن لتتسع بؤرة الخير و الأمل بعد إنهائه حياة الفساد عبر مقتل وحيد حازم وطرد السكرتيرة سامية صبري .
أما بالنسبة للزمن ضمن فلية البناء الروائي فقد لعب المؤلف عبر تقنية الفلاش بلاك ثلاث مرات حين أرجعنا إلى البدايات بعد أن قطعنا شوطا جيداً في السير الحدثي، وأول هذه الفلاشات هي :
1 - حين أرجعنا عمارة إلى الخلف زمنياً وأخبرنا أن وحيد حازم كان قد أنجب من حب مرواغ ابنة اسمها صبا ولم تظهر إلا في منتصف الرواية .
ب - حين أرجعنا إلى زواج كامل الجوهري والد فادية من خضراء عبد الرحيم وأنهى حياتها في نفاسها ربما كي لا تفضح سره وتبقي على زواجه من رجاء الصايغ أم فادية ميسراً وهادئاً دون الوقوع في مطبات هو يغنى عنها.
ج - بدأ الراوي بهذه التقنية منذ الصفحات الأولى بوفاة كامل الجوهري وبدأ يحدثنا بقصته منذ بدايتها وعمله بشركته للأعمال الهندسية وانجازاته وكل ذلك بعد وفاته .
وما عدا ذلك سارت الرواية عبر سيرورة جيدة، ولم تلحظ أن أية شخصية دخلت إلى المتن السردي ولا لزوم لها، بل أن شخصيات الرواية بمجملها رئيسة أو ثانوية وجدت لتؤدي وظيفة تخدم العمل الروائي ككل وهذه قيمة مضافة تحسب للمؤلف.
وبهذا كان الزمن في هذه الرواية " فادية " متقطعاً، فبينما نحن نسير بالزمن إلى الأمام فإذ بالرواي يقطعه، ويستقدم لنا قطعة سرد أخرى من زمن أخر وهذه لعبة محببة في التشكيل الرواني، والذي او همدا به أنه امتد منذ زواج كامل من رجاء إلى استلام حسن الشركة والطلاق الثورة، علما أن زمن الرواية الحقيقي لا يمتد إلا من فترة وفاة كامل إلى وفاة فادية وهو زمن قصير لولا الاسترجاع الزمني خلال الحبكة والذي كان موفقا به عمارة .
أما الفضاء المكاني فهو حسب قول د . سمر روحي الفيصل ( هو المكان اللفظي المتخيل الذي صنعته اللغة الصياعاً لأغراض التخييل الروائي وحاجاته. )
وهذا ما تبين لنا واضحا من خلال قراءة الرواية، وهذا يعد ابداعاً من المؤلف لأن المكان المفرد وهو بغداد ميدان حدوث الفعل، هو مكان محدود ولكن اللغة التي أفردها الروائي وشعت المكان ما أعطى القاريء بعداً خيالياً وفضاء مكانياً أرحب.
وإذا أردنا أن تنهي هذه القراءة بالحديث عن لغة الرواية، نجد أن الزوائي تقمص شخصية الراوي ولم يغادرها طوال فترة السرد إلا حين يخرج إلى حوار ما بين شخصيتين أو أكثر كالحوار بين فادية وأمها، أو حوار القاضي من الشخصيات التي حقق معها، وحتى في هذه الحوارات بقي الزوائي قابضاً على الشخصيات من خلال لغته هو، ولم يفسح لها أن تعبر عن شخصيته، أو استنطاقها بما يوحي بأنها بعيدة عن المؤلف، وهذا لا يضير العمل، بل هو توصيف منا للغة السردية التي سادت الرواية، ونضيف أن المؤلف لم يتعامل مع اللغة إلا كونها لغة إخبار وإبلاغ.
فلم يثقلها بألوان شاعرية ليضفي عليها من التراكيب اللفظية جمالاً ليحبب القارىء بها، بل ترك القياد للغة العادية لتحمل أحداث الرواية بالكلام العادي والميسر دون أي تدخل إلا ما جاء عفو الخاطر في مطلع الرواية، كقوله : ) ابنة الثالثة والعشرين ربيعاً، تمتلك شخصية قوية ونظرة ثاقبة للأمور كانت فارعة القد بيضاء البشرة رشيقة القوام متوردة الخدين .. ) .
رواية " فادية " للأديب عبد الزهرة عمارة رواية تستحق القراءة والاهتمام لأنها قدمت لنا صورة تعكس ما تنطوي عليه حياتنا الاجتماعية من هنات ومنعطفات أخلاقية وسلوكية وانتهازية وتسلط الضوء على ثغرات مجتمعية تساهم في خلخلة قيمنا المثلى التي تربينا عليها، وإذا كانت الرواية اتخذت من بغداد مكاناً روائياً، فإنها من وجهة نظري تصلح ليكون فضاؤها المكاني هو كل المساحة التي توجد بها وأي مكان تطؤه أقدامنا نحن المجتمعات العربية مع أمنياتنا بإبداع جديد للصديق الأديب عبد الزهرة عمارة .