181
0
مفتاح الوصول وسر القبول

بقلم الدكتور سليم عمري
كيف يرتقي الانسان منزلة الأبرار المقربين والأتقياء الصديقين، ممن اصطفاهم الله فجعلهم أولياؤه في الدنيا وأصفياؤه في الآخرة، ولعل الاجابة في شخص الرسول علية الصلاة والسلام الذي كان دائم الصلة بربّه، لا تنفكّ عنه لحظة من اللحظات إلاّ وقلبه معلق بخالقه، في صور متعددة من كمال العبودية وتمامها، متسربلاً برداء الخنوع والخضوع يسْرح في رياض العبادات والقربات التي تجعل حبله موصولا بنور الأرض والسموات الذي تستضيء به جنبات قلبه، فلا تنفك حاله إلا راكعا أو ساجدا، أو للقرآن تالياً، أو ذاكرا بصور الذكر المختلفة تسبيحا وتكبيراً، أو حمداً و تهليلاً، ممّا يُزيل عنه غشاوة الغفلةِ وغَبَشَ الظلام الذي تُرسله أحداث الحياة التي كان يعيشها بين القوم مسلمهم وكافرهم.
يقول النبي في الخبر المرفوع يُشير إلى حقيقة حاله مع الله: ” إنّا معاشر الأنبياء تنام أعيننا ولا تنام قلوبنا”، وهذا وصف لما عليه من دوام الصلة بالله التي لا تنقطع أبد حتى في النوم، ولعلّ هذا الذي يجيبنا عن سرّ الاذكار التي كان يلهج لسانه بذكرها قبل نومه، يتعهد بها روحه في مضجعه، بل تتجلى الصورة وضوحا في هرعه إلى الصلاة في كل أمرٍ يحزُبه، فعن حذيفةَ قالَ:” كانَ النَّبيُّ إذا حزبَهُ أمرٌ صلَّى” صحيح أبي داود، فالصلاة التي هي معراج الأرواح إلى جنة الفلاح، ونداءٌ من الله يتردد كل يوم، لمن رغب القرب والأُنس بالله، لمن رام سرّ النبوة، وهي ميزان اصطفاء الله لعباده، فكانت آخر عهد بالنبي مختتما بها وصيته لأمّته ” كان آخر ُكلامِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ الصلاةَ الصّلاةَ …” صحيح أبي داود .
وقد لا يصح ذكر الله في مواطن مختلفة، تنزيها لذات الله العلية، فيحرص النبي ألاّ تمضي عليه إلا وهو مُقبلاً على الله معتذرا على عدم ذكره فيها، وهذا الذي يدعوه للاستغفار بعد قضاء حاجته والخروج من الخلاء، في أبهى صورة تعبدية مستغفرا من تلك الومضات التي خلا فيها قلبه من ذكر الله فغَدَتْ سنّة لكل أمته .
فهذا جوهر النبوّة، وتمام العبودية، في لزوم القرب من الله في كل اللحظات والسكنات والحركات، وطلب معيّته وأُنسه فعلاً بالأركان وقولاً باللِّسان وتقريراً وبالجنان، وذاك الذي امتدح الله به أولياؤه، وعباده الذاكرين الله كثيرا والذاكرات، في قوله: “وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا “، ووعد من كان صادقاً في تقرِّبه، بالمقام الكريم عنده، ﴿ وَمَن یُطِعِ ٱللَّهَ وَٱلرَّسُولَ فَأُولَـٰۤىِٕكَ مَعَ ٱلَّذِینَ أَنعَمَ ٱللَّهُ عَلَیهِم مِّنَ ٱلنَّبِیِّـنَ وَٱلصِّدِّیقِینَ وَٱلشُّهَدَاۤءِ وَٱلصَّـٰلِحِینَ وَحَسُنَ أُولَـٰۤىِٕكَ رَفِیقا ﴾.
فالسّبيل واضحة لمن رغب الحشر في زمرة النبين والصديقين، والمنزلة الرفيعة عند المقربين في الدنيا والآخرة، هي دوامُ الصّلة بالخالق الديان المُحبِّ للطائعين، فكلّما ذكرتَ دَنَوتَ واقْتَرَبْتَ، وكلّما غفلْتَ وسهوْتَ ضللْتَ وابتعدتَ، كما ورد في البخاري أن رسول الله قال: يقولُ: “أنا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بي، وأنا معهُ إذا ذَكَرَنِي، فإنْ ذَكَرَنِي في نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ في نَفْسِي، وإنْ ذَكَرَنِي في مَلَإٍ ذَكَرْتُهُ في مَلَإٍ خَيْرٍ منهمْ.”، فمن كان مع الله ظفر بمفتاح الرفعة والقرب، في أيام الدنيا، وحاز في آخرته على شرف الفضيلة والوسيلة والدرجة الرفيعة.