72
0
ليست فقط قصة حب اخرى..

بقلم / حسن يافا
لم يكن حبهما من أول نظرة. بل ربما من خلال زمالة في قاعة التشريح في كلية الطب في غزة حيث يتعلم الأحياء من الاموات، وحيث كان أيضاً الكلام عن موهبة و مهارة حميد ماهر في علم التشريح ينتشر بين الزملاء و الزميلات وهيئة التدريس. كان حميد بارعاً في استخدام المشرط لفصل الأغشية عن بعضها البعض، وتوضيح مسار الأوردة والشرايين والأعصاب…، اما مهارته في تشريح القلب واظهار ما فية من دقة وتفاصيل فلقد أوقفت الكلية ولم تقعدها، وصار يُلقب بالساحر، كريز "Gray’s” على اسم اشهر جهابذة علم التشريح…وافتخر رئيس القسم امام الجميع بأن حميد سيكون يوما من أمهر جراحين الدنيا !
في كليات الجامعة الأخرى حيث كان حميد يأخذ مواد في علم النفس والمجتمع…لم يكُن يُعرف بجراح المستقبل، بل كانت مشيته القويه المنتظمة و كيف يحمل رأسه فوق كتفيه العريضة بجديه وصلابه .. قد خلقت عنه انطباعات اخرى… وطبعا والقابا اخرى. عندما كان يصعد درجات قاعة المحاضرات، كانت عيون الطالبات تنحرف صوبه بينما وجوههن متجهه باستقامة الى الامام بلا لف او دوران، ثم يتبادلن ابتسامات منضبطة ويهمسن : جاء "الفدائي"،
من يعرف المرأة الشرقية يعرف ان النظرة الجانبية عندها لها قوه استطلاع نافذة ومدى بعيد، وبذلك تستطيع ان تصف، وتحلل و تجمع قدر كبير من المعلومات بأجزاء من الدقيقة ثم تعود الى مستقرها دون ان ينتبه لها احد. كان حميد في الكلام والاحلام وفي الغيرة والحسد…كان حديث البلد.
جاء الى المكتبه الى قسم المراجع يبحث عن أطلس، وانتبة الى طالبة متوسطة الطول تحاول ان تأخذ كتاب من الرف إلاعلى، وبعد محاولات غير مثمرة استدارت لتغادر.
سألها: هل تريدين مساعدة؟
- نعم، هذا الكتاب لو سمحت. التقت عيناهما وهو يعطيها الكتاب، رأى في عينيها ألم عميق يقف بجلال وتحد واصرار خلف لون عيناها الأخضرين الغامقين مثل لون اول الزيتون.لم يكن الألم الذي رآه مصحوبا بيئس أو انكسار، بل تحد مع بالغ الاصرار. كانت هذه هي النظرة التي اسرته… وعندما انتبهت هي اليه أوقعتها نظرته اليها هي ايضا في الأسر.. ذهبت سناء نور في طريقها بينما وقف هو لبرهة يتردد في ان يتبعها ليسألها عن قصة الألم الذي يسكن عينيها.
- سناء عادت الى بيت خالها حيث كانت تعيش منذ كانت في العاشرة من عمرها بعدما فقدت والديها اثناء غارة لجيش الدفاع .
- ورغم ان ما شعرت به خلال في المكتبه كان بلا شك هو شيء اسمه الحب…الا أنها كبحته بدافع الشرف…وهو ايضا كبحه بدعوا التزام "بالمهمة"
- ولكن هذا هو الحب، كلما حاربناه ، كلما ابحر بكل أشرعته نحونا.
- عندما كان يصادفها أو تصادفه كانا يتبادلان ابتسامات مُختصرة…ثم صارا يختلقان الصدفة، وبدأت قصة حب، وصارت هناك مواعيد،،، وانتظار … ومواعيد..
وصارا يبحثان عن أماكن مناسبة للقاء لا يراهما بها احد، لأن كلام الناس عن سناء ممكن ان يكبر ويضاف عليه من كل ما هب ودب…
اراد ان يراها اليوم…مهم جدا ان يراها اليوم …جلسا خلف شجرات سرو قبل نهاية ممر فرعي، نظر اليها، وقال هنا احسن، نظرت اليه بنظرة لم تنظرها الى احد من قبل وتسارعت قليلا نبضات قلبها، ثم التفتت الى شجرة السرو وقالت وهي ترتقي بنظرتها من الارض حتى القمه، ما أعظمها مستقيمه شامخة باسقه, بلا اي انحناء.
قال :تموت اذا انحنت او انكسرت، أما مستقيمه او قتيلة.
احنت رأسها على كتفه، وادركت عندما ابتعدت عينيه بعيدا ان امر آخر قد استحوذ عليه، ثم نظرت في عينيه ، وسألته بصوت فيه دعابة و الحاح : ما الذي يشغل بالك؟
-ما كنت انتظره من الازل
-الله الله ! تتكلم وكأنك عشت مليون سنة
-في داخلي، اكثر من مليون سنه …الأرقام التي تحسب الاشياء والزمن، ليست صالحة لقياس جموح بركان، احرص ان لا ينفجر.،
-ثم بلهفة وبلا صبر، سألته من تحب؟
-فلسطين والبندقية… واحبك..
-الا تحب ان تصبح جراح؟
-هناك أشياء كثيرة احب ان افعلها اذا قدر الله
اجتاحها شعور لم تعرف كيف تفسره ونظرت في عنيه مرة اخرى وهي تحبس في عينيها دمعات دافئة…اما هو فشد على يديها…وعند تلك اللحظة ادركت ان هذا اللقاء هو لقاء وداع… وعرفت انه سيكون في قلبها الى الأبد..
في اليوم التالي وفي ساعة امتحان مادة التشريح، مادته المفضلة،كان مقعده خاليا، اين هو ؟لا يعرف عن امره احد
اختفى، ابتلعته الارض
كان اسمه الحركي احمد القادم
و كان الزمن أول اسبوع في شهر اكتوبر 2023
حسن يافا