في مشهد يجمع بين استحضار الذاكرة الوطنية وبناء الوعي الوقائي، أطلقت مديرية التجارة بالمنيعة قافلة تحسيسية واسعة بمناسبة الذكرى الـ65 لمظاهرات 11 ديسمبر 1960.

لحسن الهوصواوي 

القافلة، التي امتدت عبر بلديات المنيعة وحاسي القارة وحاسي الفحل، لم تكن مجرد نشاط مناسباتي، بل منصة ميدانية جمعت مختلف الفاعلين حول هدف واحد: حماية حياة المواطنين من مخاطر الغاز الصامت خلال فصل الشتاء.

مديرية التجارة في قلب المبادرة… قيادة ميدانية وتنسيق محكم

برزت مديرية التجارة بصفتها المنظم الرئيسي والقاطرة التي قادت عملية التنسيق بين القطاع الصحي، الأمني، الطاقوي، والخدماتي، في تجربة تعبّر عن انتقال العمل الوقائي من المقاربة القطاعية إلى المقاربة المشتركة.

 

وقد أكد مدير التجارة مقدّم نور الدين أن "المبادرة تستند إلى رؤية جديدة تجعل من حماية المستهلك فعلًا وقائيًا متواصلاً، وليس مجرد مراقبة للمواد والسلع". وأضاف أن القافلة تهدف إلى "ترسيخ وعي استباقي داخل الأسرة الجزائرية، باعتبارها الحلقة الأولى في منظومة السلامة المنزلية".

 

سونلغاز… رسائل تقنية لردع الأخطاء القاتلة

من جهتها، قدّمت فرق مديرية التوزيع – سونلغاز توجيهات مفصلة حول شروط تركيب أجهزة التدفئة والغاز.

وحذّر ممثلها الشيخ بوبكر سمير من الاستهانة بالمعايير التقنية قائلاً: "خطأ صغير في التركيب أو إهمال نقطة تهوية قد يفضي إلى حوادث مأساوية. الوقاية تبدأ من احترام التفاصيل".

 

الحماية المدنية… عروض تطبيقية تُحوّل المعلومات إلى مهارات إنقاذ

الحماية المدنية حضرت بقوة عبر عروض ميدانية وعملية لإدارة حالات الاختناق.

وأكد الملازم العربي دحمان أن "التسمم بغاز CO ليس قدَرًا… بل نتيجة لسلوك يمكن تغييره". وشدد على أهمية فتح منافذ الهواء وصيانة الأجهزة دوريًا وعدم تشغيل المدفآت أثناء النوم.

 

 

 

الأمن الوطني والدرك… الأمن الوقائي داخل البيوت

شاركت مصالح الشرطة والدرك الوطني في العملية من خلال توجيه المواطنين إلى السلوكيات السليمة وتقليل المخاطر المنزلية، مؤكدين أن "الأمن الأسري جزء لا يتجزأ من الأمن العام".

وقدمت قوات الأمن نصائح حول مراقبة التوصيلات، وتحسيس الأسر بشأن مخاطر التدفئة التقليدية وسوء استعمال الطاقة.

 

الصحة… مقاربة علمية لفهم المخاطر

ممثلو مديرية الصحة ركزوا على الجانب الطبي، مقدمين شروحات حول أعراض التسمم وطرق الإسعاف الأولي، مؤكدين أن التدخل السريع يرفع نسبة النجاة بشكل كبير.

غرفة التجارة، الكشافة، والهلال الأحمر… المجتمع المدني في خط المواجهة

شارك ممثلو غرفة التجارة والصناعة "الورود" في التحسيس عبر التجار الذين وزعوا مطويات داخل المحلات والأسواق.

وقال رئيس الغرفة قدري إدريس إن "التاجر شريك أساسي في سلامة المجتمع، وهو حلقة مباشرة مع المواطن".

كما دعمت الكشافة الإسلامية والهلال الأحمر الجزائري الجانب الجواري، ما سمح بملامسة السكان بشكل أوسع وأكثر تأثيرًا.

 

تفاعل شعبي واسع… واعتراف بجدوى المبادرة

شهدت القافلة تجاوبًا كبيرًا من العائلات والشباب، خاصة في المناطق التي تعتمد على التدفئة التقليدية.

وصرّح أحد سكان حاسي القارة: "هذه المعلومات قد تبدو بسيطة، لكنها قد تنقذ حياة كاملة".

 

بعد وطني يربط التاريخ بالوقاية

أضفى ربط المبادرة بذكرى ديسمبر 1960 بعدًا رمزيًا قويًا، إذ اعتبر ممثل مديرية التجارة أن "مظاهرات ديسمبر كانت صرخة شعب من أجل الحياة… واليوم نُعيد صون هذه الحياة من خلال الوقاية وتحصين البيوت من الأخطار الشتوية".

برنامج وقائي مستمر… ورؤية تتجاوز المناسبة

أعلنت مديرية التجارة أن القافلة ليست نهاية النشاط، بل بداية برنامج شتوي طويل سيمتد إلى المدارس، المؤسسات الصحية، المناطق الريفية، ومحلات بيع الأجهزة.

وأكدت المديرية أن "الأمن الاستهلاكي اليوم مسؤولية تربوية بقدر ما هو إجراء رقابي"، وأن تعزيز ثقافة الوقاية يمثل أولوية وطنية للحد من حوادث الاختناق التي تتكرر سنويًا.

نجحت المنيعة عبر هذه المبادرة في تقديم نموذج يمكن تعميمه وطنيًا، قائم على التنسيق الفعّال بين المؤسسات، وقيادة ميدانية محكمة لمديرية التجارة، فضلًا عن مشاركة قوية للفاعلين الأمنيين والطاقويين والصحيين والمجتمع المدني.

ومع اتساع المخاطر الشتوية، تبدو مثل هذه القوافل أكثر من مجرد نشاط توعوي… إنها استثمار في حياة المواطن وفي ثقافة السلامة العمومية.