48
0
حشد تنشر دراسة حقوقية توثق واقع ضحايا الإبادة الجماعية في غزة

أصدرت الهيئة الدولية لدعم حقوق الشعب الفلسطيني «حشد» دراسة توثيقية جديدة بعنوان «واقع ضحايا الإبادة الجماعية في قطاع غزة: الأبعاد الإنسانية والاحتياجات»، من إعداد الباحثة رنا هديب، قدّمت من خلالها توثيقًا حقوقيًا وإنسانيًا معمقًا لحجم الكارثة التي خلّفتها حرب الإبادة الممنهجة على الفئات الأكثر هشاشة في المجتمع الفلسطيني، وفي مقدمتهم النساء والأطفال والشباب وكبار السن، في ظل أوضاع إنسانية غير مسبوقة يشهدها القطاع منذ أكتوبر 2023.
ص دلومي
وأكدت الدراسة أن حرب الإبادة في قطاع غزة لم تقتصر على الخسائر المادية أو الأرقام الإحصائية الصادمة، بل مسّت جوهر الكرامة الإنسانية وحق الإنسان في الحياة والأمان، حيث كشفت الشهادات الميدانية والبيانات الموثقة عن أنماط متكررة من العنف المنظم الذي يستهدف المدنيين بصورة ممنهجة، ويخلّف آثارًا نفسية واجتماعية واقتصادية ممتدة تتجاوز لحظة القصف والقتل المباشر، لتطال تفاصيل الحياة اليومية والقدرة على الصمود والبقاء.
وبيّنت الدراسة أن النساء والأطفال شكّلوا ما يقارب سبعين في المئة من إجمالي ضحايا الإبادة الجماعية، في استهداف مباشر للبنية المجتمعية الفلسطينية، حيث استشهدت أكثر من ثلاثة عشر ألف امرأة وفتاة منذ أكتوبر 2023، مع ارتفاع التقديرات عند احتساب المفقودات،
كما أوضحت أن مئات الآلاف من النساء حُرمن من الرعاية الصحية الإنجابية، في وقت تواجه فيه عشرات الآلاف من الحوامل مخاطر الولادة في ظروف غير إنسانية، وسط انهيار شبه كامل للمنظومة الصحية ونقص حاد في الغذاء والمياه والمستلزمات الطبية.
وسلطت الدراسة الضوء على تحوّل آلاف النساء إلى معيلات وحيدات بعد فقدان الأزواج، في ظل اقتصاد منهار ومجاعة متفاقمة، إلى جانب فقدان مئات الآلاف من الفتيات لحقهن في التعليم نتيجة تدمير المدارس واستمرار النزوح القسري، كما وثّقت الآثار النفسية العميقة التي تعانيها النساء، من اضطرابات ما بعد الصدمة وفقدان الخصوصية والإنهاك العاطفي وارتفاع معدلات القلق والاكتئاب، مدعومة بإفادات ميدانية مباشرة تعكس حجم المعاناة اليومية داخل مراكز الإيواء ومناطق النزوح.
وفيما يتعلق بالأطفال، أكدت الدراسة أن قطاع غزة بات أخطر مكان على حياة الأطفال في العالم، حيث تجاوز عدد الأطفال الشهداء سبعة عشر ألف طفل، وأصبح آلاف الأطفال أيتامًا بعد فقدان أحد الوالدين أو كليهما، كما وثّقت وجود أكبر تجمع للأطفال مبتوري الأطراف في العالم مقارنة بالمساحة، نتيجة القصف المكثف وانهيار المنظومة الطبية، إلى جانب انتشار سوء التغذية الحاد ووقوع وفيات بسبب الجوع والجفاف.
وأشارت الدراسة إلى حرمان أكثر من ستمئة ألف طالب من التعليم بعد تدمير الغالبية العظمى من المدارس، ما ينذر بضياع جيل كامل معرفيًا ونفسيًا، في وقت أظهرت فيه الشهادات أن أكثر من تسعين في المئة من أطفال غزة يعانون أعراض اضطراب ما بعد الصدمة، نتيجة فقدان الأمان والانفصال القسري عن الطفولة والتعرض المتكرر لمشاهد الموت والدمار.
وتطرقت الدراسة إلى واقع العمال والشباب، موثقة توقف أكثر من تسعين في المئة من القوى العاملة عن ممارسة أعمالهم الأصلية بسبب تدمير المصانع والورش والجامعات، وتحول آلاف الشباب إلى ما وصفته الدراسة باقتصاد البقاء، في ظل انسداد الأفق التعليمي والمهني، وما رافق ذلك من أزمات نفسية حادة وانهيار المكانة الاجتماعية وشعور عميق بفقدان المستقبل.
كما أفردت الدراسة حيّزًا خاصًا لكبار السن، ووصفتهم بأنهم الفئة الأكثر عرضة للموت الصامت، حيث يعاني معظمهم من أمراض مزمنة انقطعت عنها الأدوية، وتعرضوا لنزوح قسري يفوق قدرتهم الجسدية، وسوء تغذية حاد بسبب المجاعة، إلى جانب آثار نفسية عميقة ناجمة عن فقدان الوقار وتكرار تجربة التهجير التي عاشها كثيرون منهم منذ نكبة عام 1948.
وخلصت الدراسة إلى أن الاستجابة الإنسانية الحالية في قطاع غزة لا تزال غير كافية أمام حجم الكارثة، مؤكدة ضرورة الانتقال من الإغاثة النمطية إلى تدخلات نوعية تركز على الحماية وصون الكرامة الإنسانية،
وقدمت مجموعة من الاحتياجات العاجلة، من بينها إنشاء عيادات متنقلة للصحة الإنجابية، وتوفير حزم النظافة والدعم النفسي للنساء، وإنشاء مساحات تعليمية آمنة للأطفال، وبرامج علاج الصدمات النفسية، إلى جانب توفير التطعيمات والمكملات الغذائية، وتدخلات خاصة لحماية كبار السن والحد من الوفيات غير المباشرة.
وأكدت الهيئة الدولية لدعم حقوق الشعب الفلسطيني «حشد» أن هذه الدراسة تمثل وثيقة حقوقية وشهادة إنسانية حيّة تهدف إلى نقل صوت الضحايا وحفظ الذاكرة الجماعية ومنع طمس الحقيقة، كما تشكّل دعوة صريحة للمجتمع الدولي والمؤسسات الحقوقية والإنسانية لتحمّل مسؤولياتها القانونية والأخلاقية، والعمل الجاد على توفير الحماية للمدنيين، وضمان المساءلة، ووقف سياسات الإبادة الجماعية والانتهاكات الجسيمة بحق سكان قطاع غزة.

