247

8

"من ندوات بن نبي الى رابطة الدعوة للشيخ سحنون" تشخيصا لأمراض الأمّة ومساهمة في طرق علاجها !!

حوار مع الطبيب الجراح والداعية المصلح  المخضرم، الدكتور محمد الحبيب هدام.

 

 

مصطفى محمد حابس : جينيف / سويسرا

    

بمناسبة ذكرى رحيل شيخنا العلامة أحمد سحنون (1907- 2003 ) رحمه الله، هذا الأسبوع، بتاريخ 8 ديسمبر 2003، بل رحيل شيخ الجزائر، لأن الرجل لم يكن مجرد شيخ يعتلي المنابر أو واعظ يدرس في المساجد، بل كان أمة في رجل، لما لا و منذ نعومة أظفاره حفظ القرآن الكريم كاملا، وحمل همَّ الأوطان مقاوما بقلمه عبر صفحات " البصائر" عام 1936، في بدايات عهدها مع العلامة الابراهيمي، بعدها ملبيا لنداء الجهاد، من أول يوم دوت فيه رصاصة أول نوفمبر 1954،إذ  لم يتردد الشيخ سحنون لحظة، ليتفرغ للمقاومة، فاعتقل عام 1956 و سجن وحكم عليه بالإعدام، لكن كتب الله له السلامة أن يعيش للاستقلال، ويتعرف عليه العام و الخاص، وتستفيد الأمة من حكمته و جهاده، بتأسيس "الرابطة" صوت العقل و موحدة الصف، إذ كان له الدور الابرز في إخماد فتنة أحداث أكتوبر 1988، كما أسس لجنة للدفاع عن المساجين السياسيين مع الرئيس يوسف بن خدة والوزير طالب الابراهيمي رحمهم الله، وحاول جاهداً إخماد نار الفتنة بين الإخوة في العشرية السوداء، و غيرها من الإنجازات الوطنية و الاسلامية!!

 

الطبيب الجراح والداعية المصلح المخضرم

و حوارنا اليوم مع رجل تعرف عن قرب بالشيخ أحمد سحنون في الرابطة كما تعرف على المفكر مالك بن نبي في ندوته، لا بل تعلم منهما وعمل معهما، إنه فضيلة الدكتور محمد الحبيب هدام، الطبيب الجراح والداعية المصلح المخضرم، نتصفح معه في هذا اللقاء محطات من سيرته ومسيرته الدعوية والفكرية؛ فقد ذاق هو أيضا مرارة السجن شابًا إبّان الثورة، ثم واصل طريقه العلمي بدراسة الطب في جزائر الاستقلال، قبل أن يشدّ الرحال إلى الجامعات الفرنسية حيث تخصّص وتدرّب على عمليات القلب المفتوح. كما عرفته حلقات مالك بن نبي في سنواته الطلابية حتى وفاة هذا المفكّر، كما برز لاحقًا ناشطًا في العمل النقابي

بكلية الطب حتى ترأسه لها، كما كان في ثمانينيات القرن الماضي من أوائل مؤسّسي رابطة الدعوة الإسلامية برئاسة الشيخ أحمد سحنون، باحثًا مع إخوانه عن تشخيص دقيق لأمراض الأمّة وطرق علاجها مركّزين على العمل الدعوي لمكافحة الفساد والتغريب، مطالبين بالإصلاح وفق الشريعة الإسلامية و ثوابت الأمة. مع إماطة اللثام و لو جزئيا عن دوره وبقية إخوانه في المساهمة بلبنات واعدة في تأسيس رابطة الدعوة الإسلامية مع شيخها الجليل احمد سحنون، كما يكشف لنا إسهامه المزدوج، إسهام تنظيمي في بلورة هذا الإطار الجامع، وإسهام فكري في توجيه البوصلة نحو مشروع دعوي إصلاحي حضاري شامل.

 

الحوار

س :      

بداية أستاذنا لو تكرمت، قبل الخوض في تفاصيل حوارنا المتشعب حول الرابطة وشيخها و بن نبي وحلقاته الفكرية، والذي قد يحتاج لحوارات وصفحات، كيف يقدم الأستاذ الدكتور الحبيب هدام نفسه للقراء ؟ من هو؟ وأين عاش وترعرع ودرس؟

 

د.الحبيب هدام

شكرا ومعذرة قبل الإجابة، جدير بالملاحظة للقارئ الكريم بأن يكون على علم أني أعاني الآن من فقدان الذاكرة الجزئي مما جعلني أنسى بعض التفاصيل من صفحات كاملة من أحداث عشتها وأحيانا أنساها تماما كأنها لم تكن - حتى المهمة منها - وهذا منذ بضع سنوات، كما أخبرتك، لكني رغم ذلك لازلت ولله الحمد، شديد التركيز في عمل دقيق كجراحة القلوب!!

أما فيما يخص التعريف بالعبد الضعيف، اسمي الكامل محمد الحبيب هدام، ولدت بمدينة تلمسان في 23 سبتمبر 1946 وأنا أكبر الأشقاء وهم 3 أولاد و6 بنات (كلهم دكاترة جامعيين وجامعيات، كما تعرف بعضهم). درست الابتدائي والثانوي بمدينة تلمسان ابتداء من سنة 1952، وحتى مرحلة الابتدائي درست جزء منها بالمدرسة الابتدائية بمدينة معسكر أين تم نقل والدي إليها، رحمه الله، كمراقب عام بثانويتها الوحيدة، في تلك الفترة.

إذن عشت كل سنوات الثورة التحريرية المباركة بتلمسان ومثل جل الأطفال واليافعين من جيلي لم أعرف قط في تلك الفترة أي نوع من أنواع اللعب في شواطئ بحر أو بركة سباحة أو سينما أو مسرح او أي مكان من أماكن الترفيه وكذلك أي مناسبة للهو و الفرح الجماعي!!

أما الدراسة الجامعية فكانت بالجزائر العاصمة ابتداء من خريف 1965، بعدها بالجامعات الفرنسية.

 

أقدار ميلاد مخضرم بين جراح الثورة و أمال طبيب الاستقلال

س :      

نفهم من ذلك أن حضرتك مخضرم، أي عشت أواخر سنوات الثورة بحلوها ومرها، ماذا بقى عالقا بذهنك وأنت شاب في تلك الفترة ؟

 

د. محمد الحبيب هدام

في سياق فترة الثورة المباركة، من أهم الأحداث التي بقيت عالقة بذهني، أذكر المظاهرات التي كانت داخل حيًنا الشعبي بتلمسان (حي باب علي) التي كنت أشارك فيها على الرغم من صغر سني وكنا نصرخ في وجه قوات الاحتلال:

     Algérie musulmane ! Libérez BENBELLA !

أي ما ترجمته "الجزائر مسلمة" .." أطلقوا سراح بن بلة" !!.

وكذلك الوقفات التضامنية مع الثورة بفناء الثانوية مع التلاميذ لنغني معا بأعلى الأصوات بعض الأناشيد الوطنية التي كنا نحفظها عن ظهر قلب. ولكن هناك أحداث أخرى مؤلمة عشتها و عاينتها عن قرب، أذكر من أبرزها ثلاث:

1- القمع الدموي للمظاهرة الشعبية في مقبرة تلمسان، أثناء دفن الدكتور بن عودة بن زرجب الذي استشهد يوم 16 يناير 1956 على أيدي قوى الدرك الفرنسي بعد اكتشافهم أنه كان يساعد مجاهدي المنطقة مستغلا صفته المهنية كطبيب؛

      2- الإضراب الوطني العام لمدة ثمانية أيام متتالية ابتداء من 28 يناير 1957 لم يخرج فيها أي أحد منا من المنزل ؛

      3- مجزرة "المَدْرَسْ" (وهي منطقة مجاورة لحي باب علي، وتُعرف اليوم بـ"ساحة الشهداء") في يوم 04 جوان 1957 أين تم القبض علينا أنا والوالد من داخل دكان ثم احتجزنا مع عشرات أخرين، من الظهر إلى وقت المغرب ونحن وقوف وأيادينا مرفوعة للأعلى متكئين على جدار مدرسة "دو سلان" (مدرسة ابن خلدون الآن)، بينما نحن في طريقنا إلى مكان الاحتجاز كنا نسمع من حين لآخر طلقات نارية لرشاشات مجنونة.. رأيت يومها - وأنا في سن لا يتعدى العشر سنوات- أحد شهداء تلك المجزرة وهو جالس في المقعد الأمامي لسيارة مركونة وصدره خارجها مائل نحو الأرض وهو ملطَخ بالدماء و رأيت كذلك عدد من الجرحى ملقى على الأرض في الشوارع. ولما وصلنا اوقفونا مرفوعي الأيدي وعند المدرسة شاهدت أمامي، على بعد خطوة فقط، رجلا ملقى على الرصيف يئن وبطنه ملطخة بالدماء. استنتجت أنه ضحية محاولة إغتيال ميداني لما كان واقفا في مكاني من قبل !!

 

س :  

أحداث مؤلمة حقا أثناء الثورة،  وبعد الاستقلال رحلتم للعاصمة لدراسة العلوم الطبية ؟

 

د. محمد الحبيب هدام

التحقت بكلية الطب بالجامعة المركزية بالجزائر العاصمة بعد الاستقلال في سنة 1965 أي مباشرة بعد أحداث 19 جوان 1965

سكنت أيامها ببيت عمي الأستاذ تجيني هدام وكان وقتها  وزير الصحة في الحكومة بعد ما كان وزير الشؤون الدينية في آخر عهد الرئيس أحمد بن بلا. ومنزله يقع بزنقة بين شارع محمد الخامس وشارع صلاح بوعكوير بوسط العاصمة، قريب من الجامعة المركزية. و للإشارة فإن هذه العلاقة العائلية مع عمي لم تمنعني كنقابي ورئيس مكتب الطلبة الخارجيين من تنظيم احتجاج على وزارة الصحة من أجل تحسين الظروف المعيشية للطالب الخارجي وخاصة زيادة منحة الطلبة وحصلنا على ضعفها حسب ما أتذكر من 100,00 إلى 200,00 د.ج

 

بعد تخرجي من كلية الطب سنة 1973 تخصصت في الجراحة العامة كمقيم ثم في جراحة الصدر والقلب والأوعية الدموية كأستاذ مساعد في مستشفى مصطفى بالعاصمة. بعدها استفدت من تكوين إضافي في جراحة القلب المفتوح لمدة 3 سنوات بالمستشفى الجامعي رانغوي بتولوز بفرنسا، كما ساهمنا في العمل الدعوي مع الطلبة هناك.

 وبعد الفترة التدريبية بمخابر جراحة القلب بفرنسا، رجعت لعملي في مستشفى مصطفى بالجزائر حيث شاركت مع الفريق الطبي في البعث من جديد لجراحة القلب المفتوح التي كانت متوقفة منذ مدة طويلة. 

أما فيما يخص الخدمة العسكرية تكونت عسكريا قبل إنشاء الخدمة الوطنية التي كانت سنة 1969 وهذا مع تجنيد جميع الطلبة والطالبات أثناء عدوان الكيان الصهيوني على مصر في جوان 1967.

 

مع فيلسوف الحضارة، و أول لقاء ندوة "ميلاد مجتمع وصراع الأفكار"

س :       

كيف ساقتك الاقدار، للتعرف على أستاذ الأجيال مالك بن نبي، كيف و متى ؟

 

د. محمد الحبيب هدام

أول ما سمعت عن الأستاذ مالك بن نبي، رحمة الله عليه، وتمنيت كثيرا التعرف عليه كان قبل قدومي إلى الجزائر العاصمة للدراسة بكلية الطب. المناسبة كانت حضوري في زيارة قام بها لوالدي أحد قدماء تلاميذه في عطلة صيفية  قادما من الاتحاد السوفياتي حيث كان  يدرس الطب هناك... فاستمتعت بنقاش شيق بينهما بعد ما أثار هذا الطالب في الغربة موضوع المفكر مالك بن نبي وإعجابه بما قرأه من كتبه وخاصة كتاب "فكرة كمنويلث إسلامي". فكان هذا المحفز الأساس في التحاقي بندوات الأستاذ مالك بن نبي لما أخبرني بوجودها في العاصمة الأخ الأستاذ رشيد بن عيسى عام 1966.

و علاقتي بالأخ رشيد قوية وطويلة بدأت في صغرنا لما كان يدرس بمدينة تلمسان في "المَدَّرْسَة" كما يسميها المستدمر، وتعارفنا لما كنت أزور والدي الذي كان يشتغل مراقبا عاما للمدرسة. كنت وقتها لا أرغب في استمرار مخالطته لسبب سياسي مرحلي، هو اختلافنا حول أحداث 19 جوان 1965 وما يترتب عنه من مواقف فهو كان يراه تصحيح ثوري وأنا أراه انقلاب. لكن قدر الله وما شاء فعل. لما التقينا أخبرني بوجود ندوات مع الأستاذ مالك بن نبي في بيته مخصصة للطلاب يوم السبت مساء ودعاني للحضور. فلبيت الدعوة، علما أني كنت لا أرغب في صحبته لولا معرفتي السابقة بمن هو الأستاذ مالك بن نبي. وصرت ابتداء من ذلك الأسبوع اتردد على الندوة كل يوم سبت.

 

 س :      

 

قرأت لك منذ شهر كلمة حول ذكرى رحيل استاذكم المفكر بن نبي و ندوته، بتاريخ 31أكتوبر، بماذا كانت تتميز جلساتكم في تلك الندوة في أيامها الاولى ؟

 

د. محمد الحبيب هدام

بداية، لم أحضر بصفة منتظمة في جلساته الفكرية التي كانت تقام في بيته أيام السبت مساء باللغة الفرنسية إلا مدة ثلاث سنوات تقريبا ابتداء من عام 1966 الى أن أخبرني أخي سي رشيد بن عيسى وقتها بأن الأستاذ بن نبي يستحسن أن أزوره بمفردي، خارج الجلسة العامة، في بيته عند الحاجة لمشاورته في أمور تخصني وخاصة ما يتعلق بنشاطي النقابي في الجامعة لأني كنت في تلك الفترة الوحيد من مجموعة الطلبة المشاركين في الندوة الذي يمارس هذا النوع من النشاط، كنت وقتها رئيس اللجنة الطلابية للمدرج وبعدها رئيس اللجنة الطلابية للكلية بكلية الطب والصيدلة بالجامعة المركزية، لما كان التيار الشيوعي المتطرف، المعادي للإسلام، يسيطر على جل الجامعات. و للإشارة ساهمت فيما بعد في إحياء نشاط جمعية طلبة الطب الخارجيين التي توقفت عن العمل عند الاستقلال فشاركت كعضو (مع طلبة شيوعيين) في المكتب السنة الأولى ثم ترأسته السنة الثانية. ثم بعدها أنشئت جمعية طلبة الطب المقيمين وانتُخِبت رئيسا لمكتبه السنوات الأولى حتى نهاية دراسة تخصصي في الجراحة العامة. وكان وقتها بعض الأعضاء من الإخوة أمثال الدكاترة أمحمد بن رضوان (وزير الشؤون الدينية فيما بعد)، رحمه الله، ومصطفى خياطي، ومحفوظ صاري وآخرين رحم الله من مات وحفظ من لازال على قيد الحياة.

 

س :      

 

كيف كانت تسير جلسات ندوة مالك، وكيف كانت طريقة أو منهجية التدريس مع أستاذكم؟

 

د. محمد الحبيب هدام

أما فيما يخص سيرورة الجلسات التي كان يشرف عليها المفكر، المربي، الأستاذ مالك بن نبي، ربما سأكرر، ما قاله ويقوله كل من حضر ندواته، ويتمثل ذلك في التالي:

   - تواضع الرجل في لباسه وجلوسه أمامنا ومعاملاته الراقية مع جميع الطلبة؛

- أسلوبه العقلاني المتناسب مع مستوانا في شرح المفاهيم مستعملا أحيانا السبورة والطباشير لما تكون الأفكار مركبة وكذلك طريقته الخاصة في ترسيخها في أذهاننا؛

    - مشاركته للحاضرين في بداية الجلسة بأسئلة عما يشغل بالنا من الواقع المعاش وكان في الغالب يختار من تلك الأجوبة ما يجعله موضوع الجلسة لجلب الانتباه؛

  - استعماله لموضوع الجلسة المختار كأداة لتحقيق الهدف الأساس من تلك الندوات، من وجهة نظري، إتقان التعامل مع عالم الأفكار، كيفية تحليل أي فكرة أو خبر أو ظاهرة، مع دراسة سياقها وكيفية تركيب المعلومات لإنتاج أفكار سليمة وذات فعالية؛

    - سعة صدره في تأطير النقاشات بيننا في المواضع الخلافية.

أذكر أيضان أن عدد الحاضرين كان قليلا في الجلسات الأولى ثم أزداد تدريجيا والندوة طبعا كانت مختلطة والأخوات الطالبات كانت تجلسن بجانب الأستاذ أمام الطلاب بلباس محتشم ساتر قبل ظهور الحجاب فيما بعد..

 

س :     

اليوم نسمع العديد من أسماء"قدماء حلقات بن نبي"، لكن أفكارهم وطرحهم، فيه وعليها كيف تفسر هذا الاختلاف والتباين أحيانا كثيرة على. قلة أصحابه؟

د. محمد الحبيب هدام :

من وجهة نظري، الحاضرون في ندوات الأستاذ بن نبي، في فترة مشاركتي على الأقل، كلنا طلبة مسلمين من مشارب مختلفة و تخصصات و توجهات شتى ولم يكن أيامها فرز مسبق للحضور؛ كان باب ندوة مالك بن نبي مفتوح لكل من أراد المشاركة. وحسب علمي، في ذاك العهد المعروف بانعدام أو على الأقل نقص في مساحات للتعبير الحر عن الأفكار، كانت بيت الأستاذ مالك هي المكان العلني الوحيد و المعروف عند عامتنا بتخصصه في مناقشة القضايا المجتمعية بمنظور إسلامي من قبل النخب المثقفة فيما بينها لوحدها، على مستوى القطر الجزائري برمته.

لهذا أقول أنه رغم تأثير مالك الكبير في طريقة فهم تلامذته، لم تتجسد مدرسة بن نبي في الحاضرين لندواته كما ينبغي. لهذا قد يلاحظ اليوم من يدعي أنه من مدرسة المفكر بن نبي، لأنه فقط، كان من تلامذته ولكنه،\ في حقيقة الأمر، يتبنى وينشر منهجه الفكري الخاص به هو، وليس فكر مدرسة بن نبي!!

لهذا أرى - والله أعلم- أن المرجعية للمدرسة الفكرية لمالك بن نبي تكون أصلا بالرجوع إلى أفكاره وتصوراته من خلال كتبه ومقالاته ومحاضراته وليست حتما بالرجوع إلى الحاضرين في حلقاته ولو كانوا من المداومين لسنوات طوال. لهذا أزعم أن الآن أي شاب متمكن يقرأ كتب بن نبي بتمعن ويدرس خطابه و أفكاره بإتقان قد يستطيع أن يهضم منهجه الفكري ثم ينتج أفكارا ملهمة يحق نسبتها لمدرسة بن نبي !!

 

س :      

 

هذا بالنسبة للحلقات، كيف كانت علاقتك الشخصية بأستاذكم مالك بن نبي في تلك الفترة من حياته؟

 

د. محمد الحبيب هدام

بصفة عامة كانت علاقة تلميذ مع أحد أفضل أساتذته. لم أشعر يوما في معاملاته لي بأي تمييز بالنسبة للطلبة الآخرين إلا لما طلب مني زيارته في بيته خارج الجلسات العمومية لمناقشة مسائل نشاطي في المحيط الجامعي وخاصة النقابي منه لألى أثقل جلسات الندوة بما لا يهم الطلبة الآخرين. ولست الوحيد طبعا من الذين كانوا يزورونه في البيت على انفراد في فترات آخرى، كما علمت فيما بعد.

وطبعا كان لقائي به يرتكز على الأخبار والمستجدات في الساحة الجامعية الوطنية وبعض الأحيان يتناول أمور أخرى جانبية آنية ظرفية في مجتمعنا الجزائري نسيتها ولا أتذكر أغلبها الان !!

 

س :      

 

ما هي الأمور التي لازالت عالقة بذهنك، فور سماعك بفاجعة خبر وفاة أستاذكم المفكر مالك بن نبي، ذات يوم 31 أكتوبر 1973 ؟

 

د. محمد الحبيب هدام

فيما يخص يوم  وفاة مالك بن نبي (رحمه الله)  لم أحضر حينها ولا أتذكر ما هو المانع (غياب من العاصمة أو أسباب مهنية أو أخرى..) وما أتذكره من تلك الأيام تحديدا هو اجتماع ببيت المرحوم دعانا إليه الأستاذ د. عمار طالبي، حفظه الله، من أجل التشاور في صياغة خطاب تأبيني على روح شيخنا مالك رحمة الله عليه..

من ناحية أخرى، أذكر أن بعد وفاته بقليل كانت محاولة بعض الاخوة بمدارة الاستمرار في نشاط ندوة الطلبة في بيت مالك بن نبي، والتي أشرف عليها الأستاذ الدكتور عبد الحميد بن شيكو، حفظه الله، إلا أنها لم تستمر و توقفت بعد بضعة أسابيع، لا غير.. !

 

س :      

 

ما هي آثار بن نبي وكتبه التي ترى أنها تحتاج اليوم الى شرح او تعليقات، أو إضافات كنت تود لو أن مالك تطرق اليها، أو تنصح أنت الباحثين والطلبة اليوم بمراجعتها؟

 

د. محمد الحبيب هدام

أرى، والله أعلى وأعلم، أن الأولوية تُعطى لتحيين جل كتب بن نبي التي تتطرق فيها إلى تشخيص أسباب الوضعية الحرجة وغير اللائقة، التي تعيش فيها وعليها حاليا الأمة الإسلامية، وسبل تغييرها إلى الأفضل والأحسن، وهذا تقوم به سواعد وعقول أجيال الشباب الجديدة وغيرهم من المتشبعين بالمدرسة البنبوية (إن جاز هذا التعبير)، لكي يدرسوا بتمعن و روية الواقع الراهن وتشخيص أمراضه وحتى أوبئته، بعدها يتسنى لهم العلاج وفق منهجه الفكري المبدع العلمي المؤسس على السنن الكونية مثل تلك التي استنبطها من الذكر الحكيم، في قوله تعالى : "وتلك الأيام نداولها بين الناس" أو الآية الكريمة التي جُعِلَت شعار أفكاره، من سورة الرعد، الآية 11،  "إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ."

 

مع رجال جمعية العلماء بداية من الشيخ البشير الابراهيمي

 

س :      

 

فيما يخص علاقتك والدكم برجال جمعية العلماء، أنتم كعائلة هدام كانت تربطكم علاقة مع أحمد طالب الابراهيمي، ووالدكم كان تلميذا عند والده في تلمسان، أقصد الإمام البشير الابراهيمي؟ ما هي الذكريات التي لازلت تذكرها، عن الامام الابراهيمي ووالدكم؟

 

د. محمد الحبيب هدام 

فعلا كان الوالد من تلامذة الشيخ البشير الإبراهيمي لما كان هذا الأخير مقيما في تلمسان كممثل لجمعية العلماء المسلمين في الغرب الجزائري، كما أن الدكتور أحمد طالب الإبراهيمي لما كان متمدرسا بمدرسة "دو سلان" كان كذلك تلميذا عند الوالد لما كان يشتغل وقتها هناك، رحمهم الله جميعا. وللإشارة، كان الوالد في نفس الوقت مناضلا في الحركة الوطنية رغم ما كان من اختلافات بين حزب الشعب الجزائري وجمعية العلماء المسلمين الجزائريين!!

فيما يخص الذكريات، أذكر أني رافقت الوالد للحضور في استقبال الشيخ البشير الإبراهيمي بمسجد دار الحديث لما زار تلمسان لأول مرة بعد الاستقلال. أعجبت يومها بعالم متواضع يجلس منصتا بين أهله وأصحابه، جلهم من تلاميذه، يجيب على أسئلتهم مهما كان نوعها. كما استوقفني تعامله خاصة مع الوالد الذي قال لي أنه لم يكن من الشباب المداومين على دروسه العامة فحسب بل كان ممن يحضرون الدروس الخاصة.

كما علمت كذلك أن للشيخ الإبراهيمي علاقة أخرى مع عائلتنا وهي أسبق من معرفة الوالد. حيث حكت لي جدتي، أم الوالدة، أن والدها التاجر سي عبد القادر قاراجة ترأس مجموعة من أعيان مدينة تلمسان التي هيأت الظروف لتبديل مقر إقامة الشيخ الإبراهيمي من وهران الى تلمسان، لأن الإبراهيمي ذهب في أول الأمر الى وهران كممثل لجمعية العلماء المسلمين في جهة الغرب الجزائري.

 

س :      

 

أنت دكتور محمد الحبيب كنت ولازالت لك علاقة بالوزير طالب الابراهيمي وعائلته، وقد زرته قبل وفاته (رحمه الله)، ماذا تقول عن هذا الرجل؟ و ما كانت علاقتك الشخصية بأحمد طالب الابراهيمي، وأنت طبيب و هو طبيب، مع فاق السن؟

 

د. محمد الحبيب هدام

 نعم، زرته عدة مرات في بيته بحيدرة في الجزائر العاصمة عند الحاجة ولم تكن بيننا علاقة قوية بحيث لم أتعرف على باقي أفراد عائلته. ومن الزيارات ذات الأهمية أتذكر تلك التي كانت في نهاية 1979 أو بداية 1980 لما كلفني الإخوة من مسجد الجامعة المركزية للتحدث معه بصفته رئيسا  للجنة التعريب (تسميتها هكذا على ما أظن) في هيئة حزب جبهة التحرير الوطني لإقناعه بأن لا دخل لطلبة المسجد في أعمال الشغب المستفحلة في أروقة الجامعة، وكلية الحقوق خاصة، كما كان يروج له أيامها!! وجدت الدكتور الابراهيمي مقتنعا بالعكس تماما أي أن لمسجدنا (مسجد الطلبة) الدور الأساس في تلك الفوضى والاحتجاجات العنيفة للطلبة المعربين. ولم يغير رأيه بعد نصف ساعة من مناقشتنا معه، حتى ألهمني الله بفكرة لم أحضرها مسبقا، فقلت له نحن بمسجد الطلبة، بكل صراحة، ضد كل مشروع للتعريب الآن في هذه المرحلة خصوصا!!. فلم يصدقني حتى شرحت له السبب الذي نراه وهو التخوف من النتيجة العكسية، أي إن فرضنا التعريب قبل توعية الأغلبية من التيارات الفكرية بأن الرجوع إلى تعميم استعمال اللغة العربية كما كان الوضع قبل الإستدمار الفرنسي، ليس معناه انتماء إلى الأثنية العربية وإنما هو انتماء إلى لغة القرآن المرجع الديني الأول للجزائريين. سكت حينها الؤزير ولكني أظنه لم يقتنع حتى باغتهم حراك "الربيع البربري" بتيزي وزو بعد بضع أشهر فقط من لقائي معه!!

 

س :      

 

يزخر تاريخ الجزئر ثقافيا و تربويا بــ"ملتقيات الفكر الإسلامي" السنوية، وهي من إنجازات مالك بن نبي ومجموعة طلبته، متى كان اول حضور لك في الملتقى؟ كيف شاركت وما كان دورك؟

 

د. محمد الحبيب هدام

حضرت ملتقى الفكر الإسلامي الأول بالجزائر العاصمة بثانوية عمارة رشيد. ولم أشارك في التحضير الذي أشرف عليه الأخ الأستاذ عبد الوهاب حمودة، رحمه الله، كما استمر في القيام بذلك في كل الملتقيات الأخرى الموالية مع مجموعة من الإخوة الطلبة تحت إمرة الأخ ( الوزير) عبد القادر حميتو شفاه الله. الملتقى جرى في جو أخوي وظروف جد جيدة رغم قلة الإمكانيات المادية المتوفرة أيامها بحيث كان، مثلا، بالنسبة للمبيت في غرف النوم التابعة للثانوية وهذا خاص بجميع المشاركين من الطلبة إلى الضيوف الأجانب منهم حتى الأساتذة المحاضرين، لم تخصص لهم إقامات في فنادق، كما هو الحال اليوم.

فيما يخصني تشرفت في ذلك الملتقى بالتعرف على الكاتب المصري جلال كشك الذي أخبرني بأنه خرج من الحزب الشيوعي المصري ورجع إلى الإسلام بفضل الثورة المسلحة التحررية الجزائرية، لما علم أنها على عكس الثورات الأخرى التي كانت ضد الديانة المسيحية فكانت هي بدافع الدين الإسلامي. ومن طرائف ذلك الملتقى أذكر أن في بداية إحدى المحاضرات للأستاذ بن نبي دعاني دون سابق إخبار إلى الجلوس بجانبه في المنصة لأتولَّى ترجمة حديثه من العربية إلى الفرنسية مع العلم أنه لم يسبق لي أن أجريت ترجمة فورية ولا كنت أظن أنني أستطيع ذلك ؟؟

أما ملتقيات الفكر الإسلامي الأخرى شاركت في اثنين منها فقط، ملتقى تمنراست أين كلفني وزير الشؤون الدينية بوعلام باقي، برئاسة لجنة التوصيات وأذكر أنه كان من بين أعضائها المؤرخ والفيلسوف الجزائري- الفرنسي محمد أركون؛

و في ملتقى تلمسان الثاني تعرفت عن قرب بالشيخ محمد الغزالي (رحمه الله)  وأضحت بيننا صداقة تعززت أكثر لما عُيِّن رئيسا للمجلس العلمي بجامعة الأمير عبد القادر للعلوم الإسلامية بقسنطينة.

 

رابطة الدعوة الإسلامية و شيخها الجليل: من الفكرة والمنهج الى الميلاد فالممارسة

 

س :      

 

كنت أيضا بعد ذلك، عضو مؤسس في رابطة الدعوة الإسلامية التي ترأسها الشيخ أحمد سحنون رفقة مجموعة من المشايخ، وضمن جيل المؤسسين، حكى لي بعض معارفكم، أنك وأمثالك تمثّلون دور نموذج "الداعية المتخصّص" الذي يربط بين الخبرة الثورية، والتكوين العلمي العالي، والانخراط النقابي والفكري في مشروع جامع، بما يعزّز البعد الحضاري والوطني في عمل الرابطة. وعلى الرغم من أن الرابطة لم تُتح لها فرصة الاستمرار طويلًا بفعل تطورات الساحة الجزائرية في بداية التسعينيات، فإن الإسهامات الفكرية والتنظيمية لذلك الجيل، ومنهم الدكتور محمد حبيب، أسهمت في ترسيخ فكرة الإطار الدعوي الوحدوي ومحاولة ترشيد العلاقة بين الدعوة والسياسة!!

ماذا تقول للأجيال عن هذه الرابطة الوطنية الاسلامية؟ وما هي أهم إنجازاتها واخفاقاتها؟

 

د. محمد الحبيب هدام:

 

تأسست رابطة الدعوة الإسلامية سنة 1989 برئاسة الشيخ أحمد سحنون (1907-2003) بوصفها مظلة دعوية تجمع مختلف رموز وتيارات الحركة الإسلامية بعد الانفتاح السياسي الذي أعقب أحداث أكتوبر 1988. حيث جاءت الرابطة امتدادًا لخط جمعية العلماء، ومحاولة لخلق إطار موحِّد ينسّق الجهود الدعوية والفكرية بدل تشتتها بين أحزاب و هيئات وتنظيمات متنافسة ...

و العبد لله شارك في تأسيسها، منذ بدايتها الأولى كعضو مؤسس ضمن الثلاثة الذين عينهم إخوة مسجد الطلبة بجامعة الجزائر المركزية، أي كل من : الشيخ محمد السعيد(رحمه الله)،و الأستاذ مصطفى براهمي ومحمد الحبيب هدام. (للإشارة، إخوة آخرون من مسجد الطلبة أعضاء في الرابطة عُيِّنوا من جهات أخرى). وما أقوله عن الرابطة هو حسب ما يرى بعضنا، أن الهدف الأساسي من إنشائها، كان اغتنام فرصة الانفتاح السياسي الذي رافق خروج الجزائر من الحزب الواحد إلى التعددية، لتأسيس إطار يضُم كل الجماعات الدعوية العاملة في الميدان مع الحفاظ على تنظيماتها الخاصة بها، من أجل التنسيق فيما بينها بهدف تكامل الجهود وتوحيد العمل فيما تتفق عليه والتناصح فيما تختلف فيه، كما أذكر أن هدفا آخر كان من وراء إنشاء الرابطة وهو مراقبة العمل السياسي الحزبي المقبل وترشيده لكي لا يخرج عن المعروف ويخدش في بعض ثوابتنا و قد يربك ميلاد العمل 

المؤسساتي الاسلامي، لا قدر الله!!

 

س :      

 

أفهم من ذلك، أن ترسيخ فكرة وحدة الصف الدعوي وتغليب منطق الإصلاح السلمي وترشيد العمل السياسي، وهي طبعا من المقاصد المركزية التي نصّت عليها أدبيات الرابطة ومواقف رئيسها الشيخ سحنون كم خلال بياناته المنشورة و المتداولة حاليا ؟

 

د. محمد الحبيب هدام:

 

صحيح.. وهو الأمر الذي جعل الناس يفخرون بأن من أهم إنجازات الرابطة، أنها استطاعت أن تعوُّد الجماعات على التحاور الهادئ بينها، لحل المسائل الاختلافية التي يغلب الظن أنها كانت تؤدي إلى كوارث إن بقيت الجماعات متفرقة، لا تلتقي - لا قدر الله - والله أعلى وأعلم؛

ومن المواقف المشرفة والمؤثرة على أصحاب القرار التي كانت تعبر عنها أثناء الأحداث المهمة الوطنية والدولية من خلال بيانات يحدد مواضيعها النقاش في الجلسات بيننا تحت إشراف الشيخ سحنون ويحررها في  مجملها الشيخ محمد السعيد بأسلوبه الراقي؛

و كمثال على ذلك، أذكر أيضا نجاح وفد الرابطة الذي كلفت بترأسه في إقناع مدير المستشفى العسكري في حل مشكل محاولة منع الحجاب على الممرضات؛

و أما،  النجاح الباهر للرابطة، الذي يذكر تاريخنا بفخر، هو تنظيم "التجمع النسوي" الضخم، بتاريخ 21 ديسمبر 1989، حيث لبت أكثر من مليون امرأة نداء الرابطة من كافة ولايات ربوع الوطن أمام البرلمان في العاصمة تنديدا بمحاولة تغيير بنود قانون الأسرة المرتبطة بالشرع و استقبالنا من طرف نائب رئيس المجلس الشعبي الوطني ( البرلمان)، سعيد آيت مسعودان، رحمه الله، لوفد الرابطة ترأسه الشيخ عباسي مدني في غياب الشيخ سحنون الذي تعب من طول الوقفة الاحتجاجية في ذلك اليوم.

 

دور الطبيب الحكيم في التأسيس والتنظيم مع مشايخ الرابطة

 

 س :      

 

شخصيةٍ مثل الدكتورمحمد الحبيب، الطبيب بخلفيته النضالية في نهاية الثورة وتجربته النقابية والعلمية، تمثّل نموذج الكادر الإسلامي الجامع بين الشرعية الوطنية والكفاءة العلمية، وهو ما كانت الرابطة في حاجة إليه لتوسيع قاعدتها خارج أطر المشايخ التقليديين نحو النخب الجامعية والمهنية. وجودكم في الصف الأول من المؤسسين يندرج في توجه الرابطة إلى استقطاب الدعاة والأطر الإسلامية من مختلف التخصصات، حتى تظل إطارًا عامًا فوق العمل الحزبي، وليس مجرد ذراع ديني لتشكيل سياسي بعينه؟

 

د. محمد الحبيب هدام:

 

  وجود كفاءات متنوعة متكاملة في الرابطة، لا شك أنه فتح باب إعطاء الأهمية من جديد إلى العلماء بحيث أصبح رأيهم يُسمَع ومقر الرابطة يُزار من قبل عدد من الشخصيات الدولية والوطنية الوازنة، مثل زيارات د. سعيد شيبان، وزير الشؤون الدينية وقبله شقيقه الوزير عبد الرحمان شيبان ، وسيد أحمد غزالي، رئيس الحكومة، رحمهم الله، وكذلك شخصيات أجنبية مثل الوفد السوداني الذي جاء ليضعنا في الصورة بعد إنقلاب عمر البشير، ووفد تركيا في عهد أربكان، ناهيك عن وفود أخرى إسلامية وسياسية دولية زارت مقر الرابطة، من جل بلاد العالم.

أما الأخطاء أو الإخفاقات فهي متعددة أيضا، إن أردنا الانصاف، بحيث

توقف عمل الرابطة حتى قبل اكتمال تأسيسها على المستوى الوطني بإنشاء مكاتب جهوية قصد تغطية جميع ولايات التراب الوطني، هذا التعثر أجهض  روافد مشروع واعد. كما أرى أن هذا التقصير و النواقص تستحق اليوم دراسة هادئة وموضوعية من قبل خبراء الدين و الدنيا، لأن حجم الأخطاء التي تبينت لي لا يفسر فقط بتوقف نشاط الرابطة ..!!

 

س :      

 

موضوع "رابطة الدعوة" لوحده و مشروعها الواعد يحتاج الى ندوة مستقلة، ينشطها متدخلون كثر، فأنت بخلفيتك كداعية مصلح و طبيب مختص، وممارس للعمل النقابي، مع شخصيات أخرى، من تخصصات أخرى و من جهات أخرى من الوطن، منحت - بلا شك - خطاب الرابطة بُعدًا عمليًا وحضاريًا، يترجم شعار "تغطية الاحتياج من الكفاءات في مختلف التخصصات" الذي جعلته الرابطة ضمن أهدافها من يوم تأسيسها، كما أسلفتم. إذ أسهم هذا الحضور المهني العالي في إعطاء مصداقية لمشروع الرابطة أمام الأوساط الجامعية والسياسية في الداخل والخارج، وفتحت باب أمل وعمل يؤكّد أن الدعوة الإسلامية ليست حكرًا على الوعّاظ بل هي وظيفة النخبة العلمية الواعية مجتمعة كذلك..!!

وهنا نتوقف، وقد نعود الى حوارنا في مناسبات أخرى، بحول الله، إن كانت لهذه الاعمار بقية.

أخيرا و ليس آخرا، لو تكرمت أستاذنا الفاضل، كلمة أخيرة نختم بها هذه السياحة في ربوع تاريخ الدعوة الإسلامية في نصف القرن الأخير من عمرها؟

 

 

د. محمد الحبيب هدام

جزاكم الله عنا خير الجزاء وثبت أجركم على ما تبذلونه من جهد في تنوير الرأي العام وبصفة خاصة الإسلامي منه من خلال هذا العمل التأريخي والإعلامي، الذي يحتاج جلسات و جلسات ..
وفيما يخصني أشكرك على صبرك معي وأنت تحثني على الإجابة على أسئلتك هذه بعد إقناعي بالقبول بهذه الجلسة الصحفية المميزة المباركة لأني كنت أفضل انتظار الظروف المناسبة للكتابة عن هذه الأحداث جماعيا مع من شاركوا فيه معنا منذ عقود لتكون الرواية أوضح وأليق وأدق.

عموما أتمنى، على كل حال، أن يجد القراء بعض الفائدة فيما ذكرناه من محطات، خاصة الأجيال الجديدة التي لم تعايش هذه المراحل، كما ارجو من شبابنا أن يبني عليه - مع تصحيح الأخطاء - ليستمر في تحقيق حلم الآباء والاجداد، هذا الحلم الذي لخصوه لنا في بيان أول نوفمبر المجيد لعام 1954 وهو "إقامة الدولة الجزائرية الديمقراطية الاجتماعية ذات السيادة ضمن إطار المبادئ الإسلامية".. والله من وراء القصد والهادي لأقوم سبيل.

 

 

 

شارك رأيك

التعليقات

لا تعليقات حتى الآن.

رأيك يهمنا. شارك أفكارك معنا.

barakanews

اقرأ المقالات البارزة من بريدك الإلكتروني مباشرةً


للتواصل معنا:


حقوق النشر 2025.جميع الحقوق محفوظة لصحيفة بركة نيوز.

تصميم وتطويرForTera Services

barakanews

اقرأ المقالات البارزة من بريدك الإلكتروني مباشرةً


للتواصل معنا:


حقوق النشر 2025.جميع الحقوق محفوظة لصحيفة بركة نيوز.

تصميم وتطويرForTera Services