1210
0
جزاف القول !
بقلم محمد مراح
كتب الأخ عثماني عبد الحميد رئيس تحرير الشروق مقال " عندما يعتدي الصحافيون على العربية! " بصور متعددة منها : استفحال الأخطاء الشنيعة ، وتديجينها بفجاجةِ كلمات فرنسية وعربية معوجة فضلا، عن استخدام لغة التواصل الاجتماعي وغيرها. ثم دعا إلى ضبط الأمر من خلال إنشاء سلطة ضبط الصحافة .
وهناك آفة أخرى تجتاح صحافتنا في مضامينها ؛ هي " جُزَافُ القَوْلِ"، وهو ليس الخطأ ولا الكذب، إنما هو هو مطابقا لدلالاته المعجمية : " أَلْقَى الكَلاَمَ جِزَافاً أو جُزَافًا : دُونَ رَوِيَّةٍ وَلاَ تَبَصُّرٍ، أَلْقَاهُ عَلَى عَوَاهِنِهِ . تَحَدَّثَ جِزَافاً"؛ آفة جسيمة تتسع رقعتها التي يهمنا منها في مقامنا الصحافة وهي على نحو مفزع؛ لأنها تتعلق يصحة المعلومة ودقتها، سواء وردت في خبر أو رأي . وقد وفر طوفان الأنترنت بيئة ملائمة لاستفحالها .
كما يفاقم الخطورة في باب " الرأي" أن تشيع في مقالات وحوارات الأكاديميين والباحثين وكتاب الرأي المشهورين في الصحف والمواقع . الذين تمثل ألقابهم وأسماؤهم ضمانة ثقة لدى القراء، فيتلقون " جزاف القول " منهم مسلمات وحقائق تشوه معارفهم وتضللها .
أسوق بعضا من " جزاف القول" أدلة على الدعوى، و خطورة التساهل وبعض اللامبالاة الذي يبدو أنهما السببان الرئيسان في استفحالها . أدى توسع الكتابة عن مالك بن نبي رحمه الله إلى مجازافات كثيرة تتراوح بين التضليل وصدم البدهيات الضرورية في سيرته وأفكاره .
في مقال سابق عرضنا " جزاف قول " كثيرٍ ألقاه أكاديمي جزائري في جامعة بريطانية في حوار مع صحيفة عربية كبيرة، و رغم تأليفه كتابا هاما عن بن نبي، يجازف قائلا :" ” وكان يجيد اللغات الألمانية والفرنسية والعربية، وهو ما سهل عليه قراءة فلسفة نيتشة في لغتها الأصلية . وإقامة مالك في أندونيسيا ، وأنه تعلم في مدارس جمعية العلماء . وغيرها .
كما أغرت ملابسات كتاب " العفن" أحدهم فشكك في صحة نسبته لمالك، وانتهى إلى ترجيح أن مؤلفه أشهر مترجم لكتبه للعربية! وأحدث المجازفات ما ورد في مقال تباكي على "ضياع فكره بين أهله" رغم دوره في بناء معجزة سنغافورة ، وتدريس فكره في أرقى الجامعات الألمانية، وهو ما لم نهتد لأثر له عبر البحث بالترجمة باللغتين الألمانية والإنكليزية !
وتفيض الغيرة الوطنية بأحدهم في مسألة بريكس فيكشف السر :" اعرتضت موسكو والهند انضمام الجزائر، خشية أن تتفوق عليهما وتنافسهما "! وتعيد مأساة غزة ذكرى تعاطف مفكرين ومثقفين غربيين مع ثورة التحريرالوطنية؛ برفض سارتر جائزة نوبل [عام 1964 ] احتجاجا على ما يحدث في الجزائر إثر توقيعه رسالة مع أحد عشر مثقفا فرنسيا لحكومة بلده !
أما نشوة الشعر والأدب فتوحى لأدبيب وشاعر كبير في جلسات حوارية دينية تطوح به في وادى عبقر؛ فتوحى له أن مقامات الموسيقى المعروفة أخذها أصحابها من القراءات القرآنية، وأن "التجديد " في الأمم بعد مائة عام لابد أن يقيبها الخمول فتحتاج لمن يجددها ؟ أوروبا وأمريكا وحضارةالغرب الخاملة ، وأن "المجدد " الذي ورد في الحديث الشريف أنه يجدد الأمة على رأس كل مائة عام، قد يكون شخصا مستفزا الأمة بطروحاته وموبقاته فتنهض وتواجهه ، فيحدث التجديد . فعلى هذا فأوروبا وأمريكا الآن ي طور خمولهما الثاني ، وأركون وشحرور مجددان لدين الأمة !!!
أماختام " القول الجزاف" ـــــــ مع احتفاظنا بأمثلة كثيرة ــــ فملحمة صنعها مقا ل {د} من { الدالات } عن إيلون ماسك ومشروعاته الفضائية والرقمية: فيكتب مرتاحا لصحة معلوماته: أنه يستحوذ على 50 % من الأقمار الصناعية ، وأنه الباحث في والذكاء الإصطناعي !ولو كلف نفسه دقيقتين تثبتا ، لوجد أن إيلون ماسك يسيطر الآن على 62% من أقمار الأرض النشطة بعد إطلاق ستارلينك الأخير، وأنه يهاجم الميتافيرس مجال بحث مارك زوكربيرغ. { شركة ميتا}. وينساق وراء خيالاته في أن شريحة دماغ ماسك ستقضى على الفكر البشري .
وهكذا حالنا مع "جزاف القول" ، بينما كيفية عمل الشريحة الدماغية التي طورتها شركة "نيورالينك" روبوتا جراحيا مخصصا لإجراء عملية الزرع. ويقوم الروبوت بإدخال الشريحة وسلسلة من الأقطاب الكهربائية والأسلاك فائقة الدقة داخل جمجمة المستخدم، حيث ترسل الشريحة إشارات الدماغ لا سلكيا إلى تطبيق تابع للشركة، فيقوم بتحويل هذه الإشارات إلى أفعال ونيات. ويتم شحن الشريحة لا سلكيا.وهي تعتمد على تكنولوجيا قديمة استخدمت لعلاج امراض كالباريكسون تعرف على شريحة ماسك الدماغية.. كيف تعمل والغرض منها https://www.alarabiya.net › technology › 2024/01/30.
أما المشروع " المجنون " الذي ورد في ملحمة { دالنا } التعيسة للأسف فهي "وزارة الكفاءة الحكومية" التي استحدثها ترمب، "وزارة الكفاءة الحكومية" التي أعلن ترمب إنشاءها بقيادة ماسك وراماسوامي، تهدف إلى تقليص حجم الوكالات الفيدرالية وخفض الإنفاق الحكومي بمقدار تريليوني دولار، عبر التخلص من الوظائف غير الضرورية وإعادة هيكلة البيروقراطية لتحقيق كفاءة مالية مستدامة. وتتمثل مهمته الرئيسة في تقديم توصيات تتعلق بتقليص حجم الوكالات الفيدرالية، وخفض التكاليف من خلال التخلص من الوظائف التي تعتبر هدراً مفرطاً للمال العام، إضافة إلى تحديد الموظفين المصنفين كـ"فائض غير منتج" وفصلهم.
يجب لوقف هذه السيول المقيتة و هذا البلاء العفن اللذان يجتاح صحفنا ومواقعنا و قنواتنا فتح المجال للنقاش والردود عبر مساحات المقال و التعليق والتعقيب . و إخضاع المقالات قبل النشر لخبرة وفحص معلوماتها . ذكر الصحفي الكبير سمير عطاء الله الذي ظل يكتب عموده الصحفي في زاوية جريدة الشرق الأوسط منذ 1987 ،أن كبرى الصحف الغربية توظف بأجر عالى مدققا أو مراجعا لمعلومات المواد الإعلامية قبل نشرها ، يدقق في صحة المعلومات والبيانات مهما تبدو بسيطة أو ثانوية.