310

0

جمعية العلماء المسلمين الجزائريين الإتجاه العربي –الإسلامي الإستقلالي  في الحركة الوطنية {2}

 

الدكتور محمد مراح

 

إن ما عرضناه يسلك الجمعية ضمن الحالة الثقافية أو الدينية  ، فما المبرر لإدراجها ضمن الحالة السياسية ؟ خاصة أن قانونها الأساسي ينص( الفصل الثالث ) من (القسم الأول ) على أنه : " لا يسوغ لهذه الجمعية بأي حال من الأحوال أن تخوض أو تتداخل في المسائل السياسية " ؟ الحق أن الحديث عن الجمعية في غياب بحث دورها سياسي، سيطمس على مساحة شاسعة في طريق الحركة الوطنية ، كما سيحيف على  دورها في شقه السياسي الذي يوازي، ما قامت به في المجالات الأخرى غيره.

فمن حيث مفهوم الإصلاح لدى العلماء أنه شامل ويمتد ليغطي كل مظاهر الحياة ومجالاتها، ومنها المجال السياسي بالضرورة، وهذا ما فعله المصلحون في الجزائر. فالإسلام دين و دولة فلا حديث عن الإصلاح في الإسلام مجردا عن معنى الدولة فهو السياسة عينها فقد كان الواجب عليهم إصلاح الجانب التعبدي والسياسي أيضا .

 و قد أحتاطت الجمعية بكيانها فلم تعلن هدفها، وطابعها السياسي صراحة لإيمانها بمبدأين هما: أولا : 1.العمل السياسي الواضح سوف يعرضها لبطش الإدارة الإستعمارية، فتموت قبل أن تقوى .2. إن بناء الدعامة الوطنية الأصيلة يتمثل في عودة الشخصية الجزائرية، وبعدها يأتي الإستقلال الذي يقوم على دعائم تينة الأركان .وقد تجلى العمل بهما خاصة في سنواتها الأولى .

وكما سيق الذكر فإن المبدأ الثاني ينبىء عن فقه جيد لمسألة الأولويات و الدلائل على ممارسة الجمعية السياسية كثيرة منها : ـــــ إتفاق معظم الكُتّاب على أن أهدافها السياسية أرادت ذلك أم أبت ــــ خضوع كثير من رجالها للإجراءات القمعية، والتعسفية مثلما خضع لها السياسيون، فقد سجنوا وعذبواو نُفُو ــــ المشاركة الفعلية في المؤتمر الإسلامي الجزائري  ــــ إعتبار إبن باديس الإستقلال حقا طبيعيا لكل شعب ومنه الشعب الجزائري ــــ معارضة الإدماج  ــــ رفض تأييد فرنسا في الحرب العالمية الثانية ــــ تخطيط ابن باديس للإستقلال خلال تلك الحرب.

يعد المؤتمر الجزائري الإسلامي فكرة العلماء، وابن باديس تحديدا، فقد دعا عام 1935 أعضاء المكتب الدائم للجمعية، وطرح على أعضائه حال البلاد العامة المتدهورة، والفوضى السياسية السائدة، واختلاف الأحزاب ثم أعرب عن رغبته في الدعوة لمؤتمر، غايته الجمع و توحيد الصف، وتحديد الهدف، لأن المرجع في الأمور يعود إلى الأمة وبما أن الإجماع أصل في التشريع، فلماذا لا نعمل به في السياسة ؟ ثم طلب موافقتهم  ورأيهم لتوجيه دعوى لكل من بهمه أمر البلاد و العباد، لعقد هذا المؤتمر، لمناقشة وتدارس الحالة وأبعادها ونتائجها. فوافقه الحاضرون، وظهرت الدعوى في جريدة الدفاعla defance للأمين العموري1891 . 1957 بتاريخ 03/01/1936 . ولهذا كان إبن باديس موضع ثقة الجميع في المؤتمر، على إختلاف إتجاهاتهم، وكانوا يقبلون منه عن رضى ما يقترح عليهم .

وفي يوم 06/06/1936، اجتمعت بنادي الترقي القوى الجزائرية، وتدارسوا مطالب الأمة، واتفقوا على أن يضم المؤتمر النواب والعلماء، وحتى نجم شمال إفريقيا لبعض ممثليه ومشاركة بعض فروعه في التنظيم أو حفظ النظام يوم المؤتمر، الذي انعقد يوم 07/06/1936 بقاعة الماجستيك بالعاصمة، وحضره حوالي خمسة ألاف شخص، وقد عرض العلماء فيه المطالب الخاصة بالعربية والدينية .

ــــ المطالب الخاصة بالعربية : -ترسيمها كالفرنسية، تكتب معها في جميع المناشير الرسمية، وتعامل صحافتها كالصحافة الفرنسية، وتعطى حرية تدريسها في المدارس كالفرنسية  ــــ المطالب الدينية هي :

أ-المساجد: تسلم للمسلمين مع تعيين قدر من ميزانية الجزائر لها، وتسيرها جمعيات دينية إسلامية (حسب مقتضى فصل الدين عن الحكومة ).ب- التعليم الديني : تأسيس كلية للعلوم الدينية، لتخرج موظفي المساجد من أئمة وخطباء ومدرسين ومؤذنين وقيمين .ج- القضاء : ينظم بوضع مجلة أحكام شرعية، تتولى هذا الأمر هيئة إسلامية، تنتخب بإشراف الجمعيات الدينية المسلمة .

وقد كان مسلك العلماء في المؤتمر موضع نقد، بلغ حد لاقسوة، خاصة من مالك بن النبي، الذي ذهب إلى " أن الظروف الساخنة وضعت العلماء أمناء على مصلحة الشعب، فسلموا الأمانة لغيرهم، لأنهم لم يكونوا في مستواها العقلي، وسلّموها لمن يضعها تحت أقدامه كَسُلّم يصعد عليه للمناصب السياسية .

ونرى أن هذا الرأي صائب إلى حد بعيد، ذلك أن العلماء بمبادرتهم للدعوة للمؤتمر ، وبروز قيادتهم في تنظيمه، وصياغة قراراته، ثم المشاركة في وفد المؤتمر إلى باريس بأربعة من قادتهم في مقدمتهم ابن باديس والإبراهيمي، لم يعد مقبولا معه القول بتجنب الجمعية الظهور بمظهر القيادة الُمحرّكة للمؤتمر سياسيا، فضلا عن أن كل ذلك وما خفي كان معلوما لدى الإدارة الإستعمارية التي كانت ستسعى لإفشاله  . يؤكد هذا نظرة الإدارة لدور العلماء الرئيس في المؤتمر، فهي تراهم قد حملوا النواب على المطالبة بالتمسك بالهوية الإسلامية  ، بوصفها إحدى مطالب المؤتمر، واستفادوا منه في الدعاية ضد التجنيس الذي كان أمنية المنتخبين . كما ترى أن فشله لم يمنع العلماء من المضي في إنشاء المدارس، وإحياء الإسلام ، والعمل على نشر أفكارهم، والنضال ضد الإندماج و الفرنسة .

أما صفة (الإستقلال }التي أضفناها لهذا الإتجاه في الحركة الوطنية، فقد تظافرت النصوص والشهادات ثم الوقائع على أنه كان أحد أهم أهدافه، فهذا إبن باديس يخاطب الشعب إثر عودة وفد المؤتمر من فرنسا قائلا: " برهنت على أنك شعب متعشق للحرية هائم بها تلك الحرية التي ما فارقت حدودنا منذ كنا الحاملين لواءها، وسنعرف في المستقبل كيف نعمل لها، وكيف نحيا ونموت لأجلها . إننا مددنا إلى الحكومة الفرنسية أيدينا وفتحنا قلوبنا، فإن مدت إلينا يدها، وملأت بالحب قلوبنا فهو المراد ،و إن ضيعت فرنسا فرصتها هذه فإننا نقبض أيدينا، ونغلق قلوبنا، فلا نفتحها إلى الأبد " .

وذكر الشيخ خير الدين: " أنه ذات يوم من عام 1933 إلتف نفر من الشباب المتحمس حول الإمام إبن باديس ينادي الترقي، وطلبوا منه أن يرفع صوته قويا مدويا عاليا مطالبا باستقلال الجزائر وحريتها، وقال لهم... هل رأيتم أيها الأبناء إنسانا يقيم سقفا دون أن يشيد الجدران ؟ فقالوا : كلا ولا يمكن هذا، فقال لهم : إن من أراد أن يبني داره فعليه أن يبني الأسس، ويقيم الجدران ومن أراد أن يبني شعبا، ويقيم أمة فإنه يبدأ من الأساس لا من السقف"  .

وقد قسم  الدكتور أبو القاسم سعد الله مراحل تجربة ابن باديس على النحو التالي: الأولى : (1910- 1920 ) تحضيرية – الثانية: ( 1921- 1930) إختبارية .الثالثة : (1931- 1939 )، مواجهية . وكانت الرابعة هي المرحلة الهجومية لولا الموت، فشتان بين ابن باديس في العشرينيات يوطد أركان النهضة ويزرع التربية،  وابن باديس وهو في سنة 1939 يناجي الحرية ويهاجم ماسيبنون1883 .1962   ويهدد(دلادييه)  رئيس وزراء فرنسا 1884 .1970،كل ذلك في وقت كادت تختفي فيه كل أصوات الزعامة في الجزائر[1] وقد أعلنت( البصائر ) في إحدى إفتتاحياتها؛ أن الإسلام يحرم الإستعمار. ونعتقد أن هذا – في ميزان الشرع- مما يُحْتَجُّ به، بصدد إثبات أن الإستقلال كان هدفا رئيسا  للجمعية.

وقد امتدت عناية العلماء إلى الجزائريين المغتربين في فرنسا، فاتصل بهم إبن باديس أثناء زيارته لفرنسا ضمن أعضاء وفد المؤتمر الإسلامي، وتداول  معهم الحديث عن أحوال الإصلاح بفرنسا. وأرسل في السنة نفسها الشيخ الفضيل الورتيلاني، الذي نظم لفائدة أمنهم على ديانتهم، وخلقهم، ولسانهم، وقوميتهم، برنامجا للعمل . ونقرأعن نشاط الشيخ الفضيل هناك في رسالة نشرتها (الشهاب) بعث بها للشيخ باعزيز بن عمر، يحدثه فيها عن ما أنجزه من فتح مدارس للتربية والتعليم، وانشاء ستة نوادي في مختلف أحياء باريس، وإلقاء المحاضرات العامة في قاعات يحصلون عليها بالكراء، أو بالطلب من الحكام المحليين وشمول التعليم للكبار والصغار، وما أصبح عليه المغتربون هنالك من معرفة الحلال والحرام والسنة والبدعة، ومبادئ الإسلام، وانضوائهم تحت راية الإصلاح بالآلاف .

وعلى الإجمال فإن جمعية العلماء الجزائريين كما قال المرجع الجليل الدكتور سعد الله رحمه الله، تعد أقوى التنظيمات أثرا في المجتمع الجزائري، وأوسعها إنتشارا، وإذا كانت المنظمات الأخرى( بما في ذلك الأحزاب السياسية) قدخاطبت فئة معينة فقط أو إنحصرت في أبرز المدن فحسب، فإن خطاب جمعية العلماء كان قد وصل، أفقيا وعموديا، إلى مختلف الطبقات الإجتماعية، أينما كانت ريفية أو مدنية . ومن ثم فقد هزت المجتمع الجزائري هزا عنيفا كما أنها لم تستعمل الخطاب السياسي الذي لا يفهمه كل الناسو لا الخطاب المادي الذي لا يهم كل الفئات، وإنما استعملت الخطاب العقلي والروحي... الذي لا يستغنى عنه أحد في المجتمع "  .

ونميل إلى أن المقصود بعدم إستعمال الجمعية " للخطاب السياسي، هو الخطاب الحزبي الديماغوجي، الذي تلجأ إلى استعماله-كثيرا- الأحزاب السياسية مضطرة إليه أو مختارة .  . أما الخطاب السياسي الواضح المباشر فهو أحد أكثر مستويات خطاب زعماء جمعية العلماء وكتابها، بروزا وحضورا . فضلا عن مواقفهم ومشاركاتهم السياسية- كما أشرنا- بل يمكن إعتبار نشاطها بمثابة الأرضية الإيديولوجية التي تقف عليها الحركة الوطنية خاصة في اتجاهها الثوري  هذه الأرضية الإيديولوجية المُشَكّلة من جهودها في ميادين الإحياء العلمي والتاريخي، والتراثي، والإصلاح الإجتماعي، العقائدي، الذي أعد النفوس، ووحد الشعب، وأيقظ الحس الوطني وما الثورة التحريرية إلا ثمرة لهذا الغرس . و بهذا أثبتت جمعية العلماء أن التحرير الفكري و العقائدي والثقافي ,مقدمة  للتحرير السياسي و العسكري.

خلاصة القول إن الحالة السياسية اتسمت بخوض الجزائرين عبر منظماتهم السياسية و الثقافية الدينية,  تجربة التدافع الحضاري مع الاستعمار, في شتى تجلياته بما في ذلك سلوك المغالبة عبر الثورات, والتظاهرات, وانتهاء بالثورة المسلحة(القول الفصل).فاحتل الاصلاح(قولا وعملا) قلب التجربة, رغم لبسه غير لبوس عدا السياسة بمظهرها المألوف .



 لم أشأ ارهاق المقال بذكر مراجعه .

شارك رأيك

التعليقات

لا تعليقات حتى الآن.

رأيك يهمنا. شارك أفكارك معنا.

barakanews

اقرأ المقالات البارزة من بريدك الإلكتروني مباشرةً


للتواصل معنا:


حقوق النشر 2025.جميع الحقوق محفوظة لصحيفة بركة نيوز.

تصميم وتطويرForTera Services

barakanews

اقرأ المقالات البارزة من بريدك الإلكتروني مباشرةً


للتواصل معنا:


حقوق النشر 2025.جميع الحقوق محفوظة لصحيفة بركة نيوز.

تصميم وتطويرForTera Services