406
0
في مظلومية نغم أبو سمرة وفيكتور جارا.. بَتْر الأطراف ومواصلة النضال
كتبت : هند شريدة - كاتبة مقدسية
ببدلة بيضاء، ليست فستان عرس أو ما شابه، وإنما هي عبارة عن سترة وبنطال فضفاضَيْن، تكتسح صورها وسائل التواصل الاجتماعي، وهي تشدّ على خصرها حزاماً أشبه باليابانيين، تتخذ وضعية قتالية مع تعابير وجه حازمة تنبئ بإرادة فتاة صلبة.
صور أُخرى لها، وهي تشير بيديها إلى يافطة مركزها الرياضي (Fit to be Gym)، كأن صورتها ترجمة لمقطع صوتيّ، تقول فيه: "ترااااا التّراااا.. إليكم ما حققته".فبعد حصولها على درجتي البكالوريوس والماجستير في التربية البدنية، افتتحت الصبية العشرينية، قبل نحو ثلاث سنوات، مركزاً رياضياً تخصّ فيه فتيات ونسوة غزة، وتحثهنّ على ممارسة الرياضة بصورة عامة، ورياضتها المفضلة، الكاراتيه، بصورة خاصة؛ ذاك الفن الدفاعي الذي شغفت به منذ السادسة من عمرها، وتدرجت صعوداً في انتصاراتها، حتى نالت جميع أحزمته، من أصفر، فأرجواني، فبرتقالي، فأزرق، فأخضر، فبنيّ، فأحمر، وصولاً إلى الأسود. تنزل لتقرأ الوصف تحت الصورة، لتفهم أنك تنعى بطلة فلسطين في رياضة الكاراتيه: الشهيدة نغم أبو سمرة. قصف الاحتلال منزل نغم في مخيم النصيرات في 17 كانون الأول/ ديسمبر، فاستشهدت شقيقتها رزان، وأُصيبت الشابة نغم في رأسها، ودخلت في غيبوبة، وبُتِرَت ساقها، رأسمالها الرياضي، تلك التي أتقنت لولبتها في الهواء، واستحقت، ببراعة وخفّة حركتها، نَيْلَ جميع ألوان الأحزمة بتدرج متقن. لم توفّر منظومة الكراهية نغم، ولم تسعفها النياشين ولا الميداليات التي حصدتها في المراكز الأولى لقاء تمثيل فلسطين في رياضة الكاراتيه، من قائمة الاستهداف؛ فشنّ الاحتلال حربه عليها، مجرّداً إياها من أسلحتها البدنية في القتال، ومستهدفاً جذر فخذها الأيمن، ورأسها، محركها الرئيسي ودينامو إرادتها الذي يبلور كينونتها كفتاة غزيّة، ولاعبة رياضية مميزة في الميدان. ناضلت نغم كي تظل على قيد الحياة، على الرغم من أنها كانت طريحة الفراش، فاقدة للوعي، وموصولة بأجهزة الأكسجين في مستشفى شهداء الأقصى في رفح، يرافقها أباها الذي لم يبرح مكانه، وسعى بكثافة المؤمن ورجاء المكلوم لنقلها إلى الخارج، أملاً بتلقي العلاج، لكنها أبت فراق غزة، واستشهدت يوم الجمعة الماضي في 12 كانون الثاني/ يناير 2024، واضعة حداً لآلامها، وهي في طريقها للعلاج خارج غزة. ربما لم تتحمل نغم فكرة العلاج من دون إمكان النهوض من جديد، بعامودَيها السفليَّين، وهما الدعامتان اللتان كانتا تشعرانها بالقوة والثقة والثبات. ربما لم تتحمل طاقتها العالية وطموحها الكبير فكرة المُضي قدماً برجل مبتورة وأُخرى يملؤها البلاتين، ففضلت الانتقال إلى السماء، لتنضم إلى مَنْ سبقوها من أفراد أسرتها النووية والرياضية على حد سواء. ففي واقعنا الرياضي، وبحسب بيان اللجنة الأولمبية الفلسطينية، فُجِعَت الحركة الرياضية باستشهاد ما لا يقل عن 140 فرداً من الأسرة الرياضية والشبابية والكشفية الفلسطينية، ممن كان لهم بصمة في ميادين الرياضة في غزة، ناهيك عن توثيقها خروقات الاحتلال للميثاق الأولمبي، وقصف مقرات المجلس الأعلى للشباب والرياضة، واللجنة الأولمبية الفلسطينية، واتحاد كرة القدم، والحركة الكشفية، والهجمات المستمرة على الملاعب الرياضية، واستخدامها كمعسكرات اعتقال جماعية، كما جرى في ملعب اليرموك، وملعب فلسطين، وملعب برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، وغيرها من الملاعب والمباني الرياضية. تذكّرنا قصة بتر ساق نغم، واستهداف الاحتلال كل قيمة بشرية في القطاع، بالمغني التشيلي اليساري فيكتور جارا، عندما اقتاده عسكر الانقلاب التابع للجنرال أغوستو بينوشيه مع آلاف المعارضين إلى ملعب مدينة سانتياغو لكرة القدم، وقاموا، وبكامل الإصرار، بالتعرض له، نظراً إلى ما يشكله من حالة رمزية، كمغنٍّ شعبي وشاعر وأستاذ جامعي ومخرج وممثل ومسرحي ومؤيد لحكومة الرئيس الاشتراكي سلفادور أليندي علانية؛ فاستهدفوا أصابعه، رأسماله الموسيقي كعازف غيتار وكاتب أغانٍ ثورية، وقطعوها على الفور، مريدين تباعاً استهداف حنجرته الصارخة بالأناشيد التي تدعو إلى العصيان، واستبدالها بآهات وأنّات وجع البتر، حتى إنهم طلبوا منه وبسخرية المتجبّر استكمال الغناء والعزف على الغيتار. فاختار المتمرد فعلاً مواصلة الغناء وعزف أغنية "سننتصر" بأصابع مبتورة تنزف دماً، ما استفز بثباته وإرادته غيظ العسكر، مستثيراً غُلّهم، فأطلقوا عليه أكثر من ثلاثين رصاصة، وهكذا.. أُردِيَ جارا قتيلاً. بعد عشرات السنين من هذه الواقعة؛ ظلّت جوان، زوجة جارا، وفية لنهج زوجها، وخاضت نضالاً قانونياً عنيداً دام أعواماً طويلة، استُخرجت في إثره جثة فيكتور جارا للتحقيق في أمر مقتله، وإثبات إطلاق عسكر الانقلاب أكثر من ثلاثين رصاصة عليه، مع أن طلقة واحدة كانت كافية لتحقيق مرادهم وإسقاطه أرضاً. وعليه، استطاعت السيدة جارا الفوز في القضية، وتمكنت، أخيراً، من دفن زوجها في المقبرة الوطنية بسانتياغو، في جنازة مهيبة مع آلاف الذين قتلوا وفُقدوا خلال الانقلاب العسكري. تلا ذلك بسنوات، انتصار آخر سطّرته عام 2018، أي بعد 50 عاماً من الحدث؛ فقد حُسِمَ الملف بإصدار حكم على ثمانية ضباط عسكريين متقاعدين بالسجن 15 عاماً، لاشتراكهم في جريمة مقتل جارا، كما سُجن المشتبه به التاسع خمس سنوات لتستّره على عمليات القتل التي وقعت خلال الانقلاب عام 1973. ولأن الحق لا يسقط بالتقادم، وفي خضم ما نشهده حالياً في أروقة لاهاي، وذهاب جنوب أفريقيا لمقاضاة "إسرائيل" وإخضاعها لمحاكمة تاريخية علنية في محكمة العدل الدولية لقيامها بإبادة جماعية بحق الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، كذلك الدعوات الفردية المثيلة والمرفوعة على "إسرائيل" في محكمة الجنايات الدولية؛ فقد نتمكن، وكما فعلت السيدة جارا، من مقاضاة "إسرائيل" وإحقاق بعض من العدالة لروح نغم، لنظلّ نتذكرها ببدلتها البيضاء، التي ترمز إلى النقاء والسلام. ليس فقط نغم، بل كي نكون أوفياء ومخلصين لـ 24 ألف شهيد، وأكثر من 60 ألف جريح، وآلاف الذين بُتِرَت أطرافهم، علّ ذلك يعطي هؤلاء الجرحى وغيرهم بارقة أمل للنهوض ومواصلة درب النضال من جديد.
طوفان الأقصى
شعر : فرحان الخطيب / سورية
للقدسِ أقبلَ يَهْدرُ الطّوفانُ
بالدّمِّ وحدَهُ تُزهرُ الأوطانُ
هبّوا فإنّ اللهَ باركَ " غزّةً "
والنّصرُ يرفعُ غَارَهُ الإيمانُ
شِدّوا على خيلِ البطولةِ غارةً
من هولِها يتزلزلُ العُدْوانُ
وإلى فلسطينَ العُروبةِ دربُنا
فهي الصُّوى والرّمزُ والعُنوانُ
للمسجدِ الأقصى تخبُّ جَحافلٌ
ويحفّها الإنجيلُ والقرآنُ
ومَضتْ سيوفُ الفاتحينَ وَضوّأتْ
ما لفّهُ التّضليلُ والنّسيانُ
ولسانُ حالِ الزّاحفين مقولةٌ
يَحْدو بها أبطالنا الشُّجعانْ
لا تأمَنوا للغدرٍ سَيفهُ والغٌ
في لَحْمنا ، فعدوّنا شَيطانُ
لم يًرْعَ للأقصى حِمىً أو حُرمةً
بلْ زادَ في طُغيانهِ الطّغيانُ
لا .. لا ونحنُ فداءُ أرضٍ كُرّمتْ
ولنا هنَا التّاريخُ والإنسانُ
ولنا هنا أطفالنا شُهداؤنا
لهمُ انحنتْ ألهامٌ والتّيجانُ
* * *
للقدس أقبلَ يهدرُ الطوفانُ
بالدّمِّ وحْدَهُ تزهرُ الأوطانُ
لكنْ وجلُّ العرْبِ صُوّحَ زهرُهُم
وَتيبّستْ أشجارُهُ البُستانُ
لم يبقَ في درعِ القبيلة فارسٌ
وَغفا على عُكازهِ العدنانٌ
وتبرّأ الأجدادُ من أفْعالنا
غرقَ السّفينُ وغَاضتِ الشّطآنُ
وترنّحتْ بالأمّتينِ مًراكبٌ
جنحَتْ وَضيّعَ دًربَهُ الرُّبّانُ
وتعاصفَ الموجُ الغضوبُ ولمْ نرَ
أينَ الصّواري ؟ أينهُ القُبطانُ؟
لم يبقَ في كرّم الكرامِ كرامةٌ
وتيتّمَتْ أبناؤهُ قحطانُ
ماتتْ مروءتُهم بِجوفِ رِمالِهمْ
وتمنّعتْ عنْ سَتْرهِمْ أكفانُ
ظلّوا عراةً حولَ غزّةَ، لفّهُمْ
عَجْزٌ، حَفَّ جَنانَهمْ خُذلانُ
يا ويحَنا منْ أمّةٍ مَكلومةٍ
هانَ الرّجالُ وتاهَتِ الفرسانُ
ودمُ الطفولةِ جَدْولتهُ مذابحٌ
وتشاهقَتْ مِنْ حَولهِ النّيرانُ
فإلى مَتَى؟ قلبي يُحدّثُني غَداً
سَيُعيدُنا لترابِنا الطّوفانُ
* * *
حتماٌ بني صهيونَ إنّ نهايةً
تودي بكمْ ، سيريكمْ الحدثانُ
يا ويلَكمْ من حقدٍكم وعدائكُم
وسوادِكم يا أيّها الغربانُ
فهدمتمُ جلَّ المدائنِ والقُرى
لم ينجُ من عدوانكم عُمْرانُ
لم ينجُ منكم طائرٌ وحديقةٌ
أو زهرةٌ حفّتْ بها الغدرانُ
لم تنجُ منكم طفلةٌ أو لعبةٌ
غامَ السّماءُ وعتّمَ الدّخانُ
ما مرَّ بالتّاريخِ مثلَ شرورِكم
والكلُّ عنكم سادرٌ وجبانُ
أممٌ كأنَّ عيونَها في ظهرِها
غضَّتْ رؤىُ وكأنّهم عميانُ
يا ويلَكم من قادماتِ سنينكم
يا ويلكم ممّا روى الولْدانُ
عنْ مجرمٍ في أرض غزّة يشتفي
بالدّمّ حتى بحّرَ الميدانُ
والدّمّ أصبح أنهراً ، جريانها
شابتْ لها الأفلاكُ والثقلانُ
الله ..قد غرسوا لهيبَ رصاصهم
في صدرنا ، فتألّقَ المرجانُ
هي أرضنا ، لا بدّ تزهر قانياً
ويعيدنا لترابنا الطّوفانُ
غزه العزة
بقلم تغريد ابو مويس
يا كفها مخضب بالدماء
يا روحها تصعد إلى السماء
يا عشقها تقاسمه الأبناء
يا عزها جالت به الأرجاء
وإذا الشدائد بأرض غزة حطت
روضتها أسود البلاد
ورقيت غزه من أنين يصيبها
ومن الليالي الحالكات الصعاب
ورفعت كفي للسماء تضرعا
ليرد كيد الغاصبين هباء
ولك علينا حق كل إخوة وبنوة ورداء
وفينا ما ٱلت به من حال
وصوت المدامع تسمعه السماء
تأبى الحروف بوصفك مكلومة
وتفاخرت بالسجايا الشامخات
وإذا النوائب تكالبت عليك
رد الفداء جبابرة وعتات
أنت الجنان وما حويت شهداء
فلسطيني !!!؟؟؟
شعر : آمال خضور
فلسطيني ..
ووحدي في مياديني
ونهر العزم ينبع من شراييني
وعمر الصّخر والزّيتون مأساتي
* * *
فلسطيني ..
بملح الصّبر أعصبُها
إذا أنَّتْ جراحاتي ..
لقد وافتنيَ الأشعار
والأزهار
والأعذار
تلهث في مواساتي
* * *
فلسطيني ..
ووجه يسوع يحضرني
فما زال الصّليبُ على
تراب القدس منصوبا
عليه أرى أخا الإنجيل والقرآن مصلوبا
وفوق مسارح الآلام
أعرضها حكاياتي
* * *
فلسطيني ..
ومثل تجذُّر البلّوط
مثل توغل التّاريخ في الأزل امتداداتي ..
وعمق جذور أقدامي
هنا وخطوط أقلامي
تحدَّت كلّ مَن في الأرض أن يمحو
وخابت كلّ ممحاة
* * *
فلسطيني ..
هنا أبقى ..
وتفرعُ مثل غصن البرتقال الغضّ أحلامي
ونكهتها بطعم الزّعتر البرّيّ والليمون
طعم صباحنا الدّامي
أنا في عتمتي أحيا
ووهج دمي
يضيء سراج مشكاتي
* * *
فلسطيني ..
وفي بارود أوردتي
أخزّن صوتَ ثاراتي
أعتّقه
إلى حين انفجاراتي ..
ومن ليل الخيام ومن مناديل الدّموع
ومن شحوب البسمة الصفراء فوق وجوه أطفالي وجدّاتي ..
ومن رعد البنادق صغتُ قانوني..
أتعلمُ كيف قمتُ بضبط ساعاتي ?
وكيف حسبتُ أوقاتي
قنصتُ اللحظةَ الفيها
سحبتُ فتيلَ صاعقتي
ودوّى صوت بركاني
فذا إعلان ميلادي
وتصريحي بعنواني
وترتيلي لآياتي
فداء القدس
آلافٌ وآلافٌ ملايينٌ
وأكثر من حشاشاتي
* * *
فلسطيني ..
ووحدي في معاناتي ..
أنا والخندق المحفور في ذاتي ..
أنا والجرح
والأطفال
والأوحال
والأغلالُ
يا غزّهْ
وبعضٌ من رصاصاتي
* * *
فلسطيني ..
ومن طيني
سأصنع طيرَ برهاني
أصرُّ إليَّ أحراري
وأنثرهمْ على قممي
وإن بعُدَت متاهاتي
سأجمع بالنِّدا أجزاءَ أطياري
ألملمُ شملَ أشتاتي
يموتُ الموتُ لكنّي
سأبقى الحيَّ في أرضي
وتكتمُ صوتَ رعد الغيم جلجلةُ انتصاراتي