54

0

بيونة تغادر.. وذكراها الفنية تضيء وجوه جمهورها بابتسامة خالدة

اليوم عاد بنا الحنين إلى تلك الأيام التي لا تزال راسخة في الذاكرة، حين كنا ننتظر بشغف حلقات السلسلة الفكاهية "ناس ملاح سيتي" على التلفزيون العمومي، للمخرج المبدع جعفر قاسم.

نسرين بوزيان 

كانت تلك اللحظات تجمع العائلة حول الشاشة، حيث لا ينقطع الضحك ولا تفارق الابتسامة وجوهنا طيلة 27 دقيقة، بفضل حضور بيونة الآسر وأدائها الصادق، وقدرتها على أن تكون أكثر من مجرد ممثلة كوميدية؛ بل روحا جزائرية خالصة تجسد البساطة والصدق والمرح في كل دور أدته.

 

        

 

تعد الفنانة باية بوزار، المعروفة فنيا باسم بيونة، واحدة من أبرز أيقونات الفن الشعبي والكوميديا والدراما العائلية في الجزائر،  ولدت سنة 1952 في حي بلوزداد بالعاصمة، ذلك الحي الشعبي الذي صقل ملامحها الأولى وزرع فيها عفوية الأداء ودفء الروح، وهي الصفات التي طبعت مسيرتها الفنية الطويلة. 
بدأت مشوارها الفني في سن مبكرة عبر المسرح، ثم انتقلت إلى الغناء الشعبي بألوانه العاصمية كالمالوف والخفيفة، قبل أن تجد ذاتها بشكل أعمق في التمثيل.

 

أربعة عقود من العطاء الفني

   

 

 

وكان عام 1973 نقطة التحول الحقيقية في حياتها الفنية، بعد مشاركتها في فيلم "الدار الكبيرة" للمخرج مصطفى بزيان؛ وهي التجربة التي جعلت التمثيل يتحول من مجرد هواية إلى مسار حياة كامل، كرست فيه بيونة جهودها لإبراز الثقافة الجزائرية داخل الوطن وخارجه.
امتدت مسيرة بيونة لأكثر من أربعة عقود من العطاء في المسرح والسينما والتلفزيون، وتمكنت بفضل موهبتها الاستثنائية من أن تصبح أحد أعمدة الكوميديا الجزائرية، ورغم حضورها في أعمال سينمائية جادة مثل "ليلى والأخريات" سنة 1977، إلا أن براعتها في الأدوار الكوميدية هي ما جعل منها نجمة محبوبة لدى الجمهور وعنصرا أساسيا في نجاح كل عمل تشارك فيه.
وقد شكلت سلسلة "ناس ملاح سيتي" (2002–2005) إحدى أهم محطات مسيرتها، إذ حققت نجاحا واسعا في الجزائر والمغرب العربي، وأكدت قدرة بيونة على تجسيد الشخصيات الشعبية ببساطة وعفوية قل نظيرهما. 
ولم تقتصر تجربتها على الأعمال الجزائرية، بل شاركت أيضا في أعمال تونسية مثل "نسيبتي العزيزة" و"المليونير" ، إلى جانب أعمال تلفزيونية جزائرية حديثة على غرار "أخو البنات" و"معيشة فالـGOOD".
كما توجهت بيونة نحو السينما العالمية، حيث شاركت في عدد من الأعمال الأجنبية، أبرزها فيلم "ديليس بالوما" سنة 2007 للمخرج نذير مقناش، الذي جسدت فيه شخصية مدام ألجيريا، وهي شخصية قوية تركت أثرا كبيرًا لدى الجمهور والنقاد. 
وظهرت أيضًا في أفلام مثل "Belleville Cop" و "Viva l’Algérie".
وفي المسرح، برزت بيونة سنة 2007 في مسرحية "إليكترا" لسوفوكليس إلى جانب الفنانة العالمية جين بيركين، بإخراج فيليب كالفاريو،وفي 2009 قدمت دورا رئيسيا في مسرحية "لا سيليستين" على مسرح "فينجتيم"، ثم اختارها المخرج رادو ميهايلينو سنة 2011 لأداء دور مهم في فيلمه "نبع النساء"إلى جانب ليلى بختي، وهو الفيلم الذي رشح لجوائز كبرى في مهرجان "كان"بما فيها السعفة الذهبية.
ولم يقتصر عطاؤها على التمثيل، إذ واصلت شغفها بالغناء، فأصدرت ألبومها الأول "Rade Zone"سنة 2001، ثم قدمت سنة 2006 ألبوم "شقراء في القصبة"الذي أعادت فيه إحياء تراث العمالقة مثل فضيلة الدزيرية والهاشمي ڤروابي.
وكان آخر حضور قوي لها في الساحة الفنية من خلال السلسلة الكوميدية "دار الفشوش"في رمضان 2023، حيث برهنت رغم الزمن أن روحها المرحة وطاقتها الإبداعية لا تزالان قادرتين على إسعاد الجمهور.

 

مرضها ورحيلها

 

نقلت الفنانة بيونة يوم الثلاثاء 4 نوفمبر الجاري إلى المستشفى، حيث دخلت أولا مستشفى باينام بالعاصمة قبل تحويلها إلى مستشفى بني مسوس – مصلحة طب الرئتين. 

كانت تعاني من ضيق حاد في التنفس وصعوبة في وصول الأوكسجين إلى الدماغ، نتيجة تراجع القدرة التنفسية، إلى جانب مضاعفات مرتبطة بمرض السرطان الذي رافقها منذ سنة 2016 ، لتتوفى صبيحة الثلاثاء 25  نوفمبر 2025 في مستشفى بني مسوس بالعاصمة عن عمر يناهز 73 عاما. 

وستلقى عليها النظرة الأخيرة غدا الأربعاء بالمسرح الوطني الجزائري "محيي الدين باشطارزي" عند الساعة الحادية عشرة صباحا، وهو الفضاء الذي شهد تألقها ووقوفها أمام جمهور أحبها حبا لا يوصف، قبل أن يوارى جثمانها الثرى بعد الظهر في مقبرة العالية.

تعازي وتقدير لمسيرة بيونة المشرقة

قدم رئيس الجمهورية السيد  عبد المجيد تبون تعازيه قائلا:" تلقيت بتأثر وأسى نبأ انتقال الفنانة المرحومة بيونة إلى جوار رب العزة، تولاها المولى عز وجل بالرحمة والمغفرة، ونحن ح واحدة من مشاهير الساحة الفنية اللواتي ساهمن بمواهبهن وإبداعاتهن في العديد من الأعمال التلفزيونية والسينمائية على مدى سنوات طويلة، حيث تركت الفقيدة بصدقها وتلقائيتها تقديرا واسعا."

كما تقدم رئيس مجلس الأمة عزوز ناصري بتعازيه الخالصة، وكتب:" ببالغ الحزن والأسى، ننعى رحيل أيقونة الفن والكوميديا الجزائرية باية بوزار (بيونة)، التي تركت بصمة خالدة في قلوب الجزائريين وفي المشهد الثقافي الوطني."

ووجه رئيس المجلس الشعبي الوطني إبراهيم بوغالي رسالة عزاء قال فيها: "إن الراحلة بيونة واحدة من أبرز الوجوه التي تركت حضورا فنيا استثنائيا في الجزائر، نتقدم بخالص التعازي لعائلتها وللأسرة الفنية، راجين من الله أن يرحمها ويجعل مثواها الجنة."
كما نعت وزيرة الثقافة مليكة بن دودة الفنانة الراحلة، ووصفتها بأنها "أيقونة متفرّدة من أيقونات الفن الجزائري"،مؤكدة أن إرثها سيظل مصدر إلهام للأجيال المقبلة.

     

 


وأكد الفنان سيد علي بن سالم في حديثه لـ" بركة نيوز"  أن الراحلة بيونة كانت معروفة بكرمها وطيبتها داخل الوسط الفني، وأن الجمهور أحبها وقدر حضورها منذ بداياتها الأولى، خاصة خلال فترة عملها مع المخرج مصطفى بديع في مسلسل "دار السبيطار".
وأوضح بن سالم أن بيونة كانت تتميز بوجه بشوش لا تفارقه الابتسامة، وأن حب الخير كان جزءا أصيلا من شخصيتها، فقد عرفها منذ سنوات طويلة ووجدها دائما على نفس البساطة والإنسانية.
وأشار أيضا إلى أن الفنان غالبا ما يقدم الابتسامة للجمهور رغم ما قد يعيشه من معاناة داخلية، معتبرا أن بيونة كانت مثالا لهذا النموذج من الفنانين الذين يمنحون الآخرين الفرح رغم ما يتحملونه من صعوبات.


وصيتها الأخيرة

قبل أيام قليلة من وفاتها، أوصت بيونة بأن تدفن إلى جانب والدتها السيدة جميلة، الراقدة في مقبرة العالية، وهي وصية تعبر عن عمق العلاقة التي جمعتهما وحنينها الدائم إليها، خاصة خلال الفترة العصيبة التي عاشتها بسبب المرض.

 

   

 

رحلت بيونة تاركة وراءها إرثا فنيا كبيرا ووجوها لا تزال تبتسم كلما تذكرت مشهدا لها، ستظل أيقونة متفردة من أيقونات الفن الجزائري .

شارك رأيك

التعليقات

لا تعليقات حتى الآن.

رأيك يهمنا. شارك أفكارك معنا.

barakanews

اقرأ المقالات البارزة من بريدك الإلكتروني مباشرةً


للتواصل معنا:


حقوق النشر 2025.جميع الحقوق محفوظة لصحيفة بركة نيوز.

تصميم وتطويرForTera Services

barakanews

اقرأ المقالات البارزة من بريدك الإلكتروني مباشرةً


للتواصل معنا:


حقوق النشر 2025.جميع الحقوق محفوظة لصحيفة بركة نيوز.

تصميم وتطويرForTera Services