13939
0
مذكرات شاهد على سنوات الجمر الحلقة 112
بقلم اسماعين تماووست
عندما دُعيت للدخول إلى مكتب المسؤول، لفتتني التفاصيل بعناية، كان المكتب فسيحًا، والكراسي مرتبة بدقة بألوان متناغمة من الأبيض المصفر، الرجل الذي كان يجلس خلف مكتبه لم يرفع بصره فورًا، بل ألقى نظرة خاطفة نحوي قبل أن يرسم ابتسامة عميقة، تعكس ثقة قائد يعرف تمامًا كيف يُدير الحوار.
قال بصوت هادئ، مزيج من الصرامة والود: "مرحبًا، سيد إسماعيل، تفضل بالجلوس." جلست وأنا أراقب أدق التفاصيل من حولي، كما أراقب حركاته التي كشفت عن شخصية حازمة ومتزنة.
كانت عيناه توحيان بذكاء حاد، وكأنهما قادرتان على قراءة ما وراء الكلمات، بدأ الحديث بعبارات بسيطة عن العادات والتقاليد الجزائرية، ثم سرعان ما تحول النقاش إلى الثمن الباهظ الذي دفعناه جميعًا من أجل الاستقلال.
أخبرته عن عائلتي، عن والدي الشهيد وأعمامي الذين قتلوا بوحشية على يد وحدة "DOP" في سبتمبر 1956 بالرغاية. كان يصغي بصمت عميق، وكأن كل كلمة تحمل وزنًا لا يُستهان به، عندما انتهيت من حديثي، أغمض عينيه للحظة وقال بصوت خافت مليء بالاحترام: "رحم الله أرواحهم الطاهرة."
في تلك اللحظة، شعرت أن كلماتي أيقظت داخله انفعالات دفينة، لكنه لم يظهر أي ضعف، كان صمته يحمل احترامًا عظيمًا لتضحيات الشهداء، وكأن الزمن توقف للحظات لنعيش تفاصيل ما حدث من جديد.
سادت لحظة من الصمت، ثم قطعها المسؤول بنبرة أكثر حزمًا: "دعنا ننتقل الآن إلى سبب لقائنا"، كانت كلماته هذه المرة تحمل جدية أكبر، وكأنه يطوي صفحة الماضي مؤقتًا للتركيز على الحاضر، أدركت أنني أمام قائد يعرف تمامًا متى يُظهر مشاعره ومتى يتركها جانبًا لينجز مهامه.
بدأ يشرح الوضع الأمني الحرج الذي تمر به البلاد: "الإرهاب ليس مجرد أعمال عنف عشوائية، إنه منظومة تهدف إلى هدم السلم الاجتماعي واستهداف استقرار البلاد."
كان يتحدث بثقة وإصرار، مُظهرًا فهمًا عميقًا لطبيعة التهديد، رغم صرامة حديثه، كانت كلماته تعكس التزامًا حقيقيًا ومسؤولية عميقة تجاه الوطن، نظرت إليه وقلت: "إذا أردنا أن ننجح في حماية وطننا، علينا أن نكون أذكى من أعدائنا. ليس فقط في التخطيط، ولكن في الإيمان بما نفعله."
ابتسم قليلاً وأجاب: "لهذا السبب أنت هنا. لأنك تفهم أن الوطن لا يحميه إلا من يحبونه بصدق." ،
عاد المسؤول ليكسر صمت اللحظة التالية بنبرة جادة: "الوقت ليس في صالحنا، والنتائج حتى الآن لا تُرضينا، هذا وضع لا يمكننا تحمله، كانت كلماته تحمل مزيجًا من القلق والإصرار، لكنه لم يكن قلقًا كمن يخشى الفشل، بل كمن يرى الصورة الأكبر ويُدرك ثقل المهمة الملقاة على عاتقه. قال: "التعليمات واضحة، علينا إنهاء هذه القضية بأسرع وقت. كل يوم يمر دون نتائج يجعلنا نخسر أكثر."
أجبته بهدوء: "النجاح لا يأتي بالاستعجال، علينا أن نخطط بعناية ونتحرك بحذر، الأخطاء مكلفة، ولا مجال للرجوع." ناقشنا أفضل الوسائل لمواجهة التهديدات الإرهابية ومنع الفوضى. شعرت أن حديثنا تحول إلى شراكة، كأننا نعمل كفريق واحد.
في النهاية، نظر إلي المسؤول وقال: "سيد إسماعين، أعتمد عليك، هذه المهمة ليست سهلة، لكنها أيضًا ليست مستحيلة. الوطن بحاجة إلى عقول ثابتة وأيادٍ لا ترتعش. لنكن على قدر المسؤولية." كانت كلماته تحمل ثقة عميقة بي، لكنها أيضًا حملت رسالة واضحة: النجاح ليس خيارًا، بل ضرورة.
يتبع ...