1215
0
الصحفيون في غزة أبطال الحقيقة وصوت النكبة الحقّة
إنّ اختيار مهنة الصحافة في غزة تعني بأن احتمالات الموت تبقى مفتوحة من أجل الوصول إلى الحقيقة ودقة الخبر، فلا توجد تجربة أقسى من تقصي الحقيقة تحت صوت المدافع وطلقات الرصاص. هذا واقع حال صحفيون غزة منذ أكتوبر الماضي، حيث أصبحوا مجبرين على معايشة كل أنواع الألم وتحمل شتى صنوف الفزع والخذلان والوقوف أمام تحدي غياب العتاد ونقص الملاجئ والغذاء والدواء ناهيك عن نقص تامٍ لسبل الحماية والوقاية.
سهام بوديدة
فعندما ينتقل المقر الصحفي من مؤسسة لها هيكلها الخاص إلى خيمة يرفعها عمود، هنا تدرك بأن الوصول للحقيقة يكلف أشواطًا من التعب والتحدي، وإلا كيف يمكن لكل تلك المعاناة المحصورة بين دفتي غزة أن تنقل للعالم لولا عدسة الكاميرا التي حملها الصحفيون والصحفيات على الرغم من الظروف القاهرة والاستهداف اللامتناهي؟. فشبح الموت يلاحقهم في كل لحظة حيث يعيشون الحياة والموت والجوع والتشرد في آنٍ واحد وكأنهم يعيشون وقت مستقطع للنجاة.
لكشف جرائم الحرب والإبادات تتجاوز كتابة نقل الحقيقة لتنقل بدل الخبر العواطف والأحاسيس. وبدل التعليق؛ صور الأشلاء المتناثرة في كل مكان. وأن يضخم الكاتب الكلمة ليجعل صوتها مدويًا لكي يسمع كل أصم صوت صراخ من أعلنوا صمودهم في الميدان رغم العراقيل التي تفرضها عليهم عمليات جيش الاحتلال من اقتحامات واغتياليات مباشرة وغير مباشرة. فهم يغطون الحرب المشتعلة دون سترات الأمان في الكثير من الأحيان، مع غياب تام للعتاد الصحفي من شواحن وشرائح وشبكة الأنترنت...إلخ.
فممارسة مهنة الصحافة في غزة يعني أن تتجرد من كل مخاوفك النفسية، وتضحي بمعتقداتك الروتنية، من أجل أن تصل للحقيقة. فصوت دوي الإنفجار المنبعث بين الفنية والأخرى والذي في الكثير من الأحيان يركز على التجمعات الصحفية؛ يجعلهم لا يتمتعون بالراحة الكافية للاستمرار أو الإشفاء اللازم من كل أنواع المشقة النفسية. وبالتالي أصبح قطاع غزة غير ملائم للعمل الصحفي الآمن، الذي تنتهك فيه الخصوصية، وتغيب عنه الحرية.
وبسبب هذا التعالق الحميم بين نقل الحقيقة والتضحية بالذات، يعيش الصحافيون نكبة نفسية صعبة تجسدت من مشاهدة مشاهد مروعة وحاسبة للأنفاس، فحتى جلسات العلاج النفسي لتخفيف أثر الصدمة أصبحت غير مجدية بعد مرور ما يزيد عن تسعة أشهر من الحرب الإسرائيلية على غزة, ناهيك على أن ألاف الأطفال والنساء وحتى الشيوخ والرجال يعيشون نفس التفاصيل بصورة مرعبة جدًا، فهل تكفي الصحافة لإخفاء جزء من هذه النكبة؟.