739

2

الساعة الثالثة عصرًا

بقلم / عاهد حلس

يتّصل بي صديقي، بصوتٍ تقرع فيه الأحرف كبلّورات من أمل وزجاج، على غير عادته:
“اتصلتُ بك لأخبرك بأنّي تلقيتُ اتصالًا من السفارة. أبلغوني أن أكون مستعدًّا في الأيام المقبلة للسفر عبر معبر كرم أبو سالم.”

هنّأته بطبيعة الحال، وتمنّى لي سفرًا قريبًا للخروج من جحيم الوطن.
لقد اتّخذ صديقي قراره، وهو يعلم أن السفر لن يكون كبسملةً لبدء حياةٍ جديدة، بل صلاةً أخيرة لوطنٍ أحبّه حدّ الوجع؛ وطنٍ ضاق عليه، وعجز عن أن يتّسع لأبسط أحلامه وأحلام أطفاله، رغم أنه انتظر طويلا و منحه كلّ الفرص.

وطنٌ لم تعد الطيور تقوى على التحليق في سمائه،
وتُحشر فيه أسماء الموتى في قوائم لم تُكتب لتاريخٍ، ولا لبطولة.
فأنت، حين تخسر حياتك فيه، 
لن تكون سوى ضحيّة من ضحايا الشرّ الطبيعي،
كشجرةٍ غرقت في زلزال،
أو عصفورٍ حاول أن يشرب فابتلعه النهر،
أو ورقةِ خريفٍ استأنست بالجذوع، فجرفتها الريح.

هاجر صديقي،
لا لأنه يخشى الموت من أجل وطن،
بل لأنه يعلم أن هذه الحرب لن تمنح موته حتى شرف التضحية.

أبلغوه أنه لن يُسمح له بأن يأخذ معه شيئًا،
سوى زجاجة ماء، وطعامٍ يكفيه للطريق.
هو يعرف، كما أعرف أنا، أن الأمر، بالنسبة لاعدائنا،  لا علاقة له بالتفتيش أو الأمن على المعابر،
بل هو خروجٌ بمجازٍ لا يحتمل سوى معنى واحد:
أن تخرج ولا تأخذ من وطنك شيئًا ينفعك في موطنك الجديد،
أن تخرج، وليس في قلبك إلا ذكرى الحروب.

شارك رأيك

التعليقات

لا تعليقات حتى الآن.

رأيك يهمنا. شارك أفكارك معنا.

barakanews

اقرأ المقالات البارزة من بريدك الإلكتروني مباشرةً


للتواصل معنا:


حقوق النشر 2025.جميع الحقوق محفوظة لصحيفة بركة نيوز.

تصميم وتطويرForTera Services

barakanews

اقرأ المقالات البارزة من بريدك الإلكتروني مباشرةً


للتواصل معنا:


حقوق النشر 2025.جميع الحقوق محفوظة لصحيفة بركة نيوز.

تصميم وتطويرForTera Services