64
0
المثقفون والفنانون في غزة يحتضرون

بقلم : مصطفى النبيه
شكرًا من القلب للزملاء الفنانين والمبدعين، وللصحفيين والصحفيات الذين تواصلوا معنا، وأعلنوا استعدادهم لتسخير كل طاقتهم في دعم مبدعي غزة. هؤلاء هم الفلسطينيون الذين نعرفهم، يجمعهم الحب والرحمة والرأفة بأهلهم.
باسم جميع الفنانين والمثقفين في غزة، نتوجّه بالشكر لكل من استجاب، لكننا نذكّر بأن البيان الأول الذي أطلقناه — والذي لاقى استحسانًا واسعًا — لم يكن إلا دعوة صادقة لحثّ المؤسسات الثقافية والإعلامية والفنية على تحمل مسؤولياتها تجاه المبدعين المحاصرين في غزة، لا مجرد كلمات عابرة أو ردود فعل آنية.
فمن خلال عملي الميداني ولقاءاتي مع العديد من الكتّاب والفنانين، أعلم يقينًا أن بعض المؤسسات العامة والخاصة قدمت مساعدات رمزية في بداية الحرب، لكنها تخلّت عنهم حين اشتدّ الجوع، وتحولت حياتهم إلى بؤس وشقاء.
لذا، علينا أن نُعلي صوتنا. أن نحكي… ونحكي دون انقطاع.
لا نريد أن نرى المتسلقين يتاجرون بغزة على الشاشات، يأكلون لحمها ويلقون لها فتات الخبز.
في هذا الزمن المسخ، لا ننتظر أن يخرج علينا "عمر" ليعدل ميزان العدل في واقعنا المزري. ما نحتاجه اليوم هو المثقف الحقيقي — المثقف المقاتل — المؤمن بالكلمة، والصورة، والمسرح، الذي لا يخشى في قول الحق لومة لائم، الذي لا يركض خلف المكاسب والأضواء، بل يسعى إلى البناء
في لحظة تاريخية تتكالب فيها الأزمات على الثقافة وأهلها، وتنهار فيها القيم أمام جوعٍ لا يرحم، نجد لزامًا علينا أن نرفع صوتنا عاليًا. لا لنرثي حالًا يُحتضر، بل لنُذكّر بما كان يمكن أن يكون، لو حافظنا على المعنى والكرامة.
نستحضر اليوم نماذج من المثقفين الذين خدموا مجتمعهم بصمت، دون أن يكونوا عبئًا عليه. لا نسعى لتجميل الأسماء أو مجاملة الأشخاص، رغم اننا سنكتب عنهم لا حقًا لأنهم يستحقون كل التقدير . اليوم نطرح فكرة واحدة واضحة:
أن يعيش المثقف — الكاتب، الرسام، الممثل، الموسيقي، المخرج، المسرحي — بكرامة وسلام، لا أن يُهمَّش بينما يتصدر أدعياء الثقافة المشهد، ويُحوَّل المبدعون الحقيقيون إلى طالبي إعانة خلف شاحنات الإغاثة، بعد أن كانوا صُنّاع ذاكرة وهوية لهذا الوطن.
نحن لا نكتب من أبراجٍ عاجية، بل من خيامٍ ممزقة، ومدنٍ مدمَّرة، وبطونٍ خاوية، وقلوبٍ ذُبحت مرارًا. الجوع والقهر يُحاصر كل بيت فلسطيني، ويُطفئ كل شمعة أمل. مع ذلك نعمل وسنبقى نعمل لخدمة أهلنا. رغم أن البعض يصرّ على تهميش غزة ، كأن لا موت يكفي لنستفيق، وكأن كراسيهم ومناصبهم سفن نجاة تحميهم من الطوفان.
نحن نؤمن بأن غزة ليست مزارًا للبكاء والتسول، بل روح حيّة تستحق الحياة والكرامة.
لذلك، فكرتنا ليست انتقامية ولا هدامة، بل إنسانية وفنية، جوهرها إعادة البناء.
وعليه، نطالب بـ:
استعادة كرامة الكلمة
احترام دور المثقف والمبدع
دعم الكتّاب والفنانين الذين أفنوا أعمارهم دفاعًا عن الإنسان والذاكرة
ونؤكد، بكل وضوح:
لن نصمت.
لن نساوم.
ولن نُجمّل الوجع.
فما بعد هذا الموت… لا يوجد موت.