396
0
الله لن يغير القوانين والسنن الكونية
.jpg)
بقلم الأسير المحرر: عبد العظيم عبد الحق
لا يكفي أن نكون أصحاب حق أو مؤمنين صادقين كي يتحقق لنا النصر، فالله تعالى ربط وعده بالأخذ بالأسباب والسنن الكونية التي لا تحابي أحدًا. في هذا المقال نعيد قراءة تجارب التاريخ والقرآن لنفهم لماذا تتكرر هزائمنا، وكيف يمكن أن يتحول عقلنا من عقل مكوَّن جامد إلى عقل مُكوِّن مبدع قادر على صناعة النصر والتغيير.
أزمتنا الكبرى، نحن العرب والمسلمين، تكمن في طريقة تفكيرنا وفهمنا الخاطئ لجوهر القرآن الكريم. فقد اكتفينا بالظاهر وترديد الألفاظ، بينما غاب عنا عمق المعاني ومقاصدها الكبرى. وهكذا ظلّت عقولنا أسيرة "العقل المكوَّن" الجامد، الذي يكتفي بالتقليد والانفعال، دون أن ترتقي إلى مستوى "العقل المُكوِّن" القادر على الخلق والإبداع والإنتاج.
القرآن الكريم أوضح بجلاء أن النصر لا يتحقق بالإيمان وحده، وإنما بالأخذ بالأسباب والسير وفق السنن الكونية. فالعبد الصالح الذي ذكره الله في سورة الكهف لم يكتفِ بالتمكين الإلهي، بل مضى يطلب كل سبب:
﴿إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِن كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا * فَأَتْبَعَ سَبَبًا﴾ [الكهف: 84-85].
وكذلك السيدة مريم عليها السلام، لم يتنزل عليها رزق الله إلا بعد أن هزّت جذع النخلة رغم ضعفها وتعبها:
﴿وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا﴾ [مريم: 25].
والرسالة هنا واضحة: لن يتحقق وعد الله إلا بالفعل البشري والأخذ بالأسباب.
ويشهد التاريخ الإسلامي أن المسلمين لم ينتصروا في أي معركة إلا بعد أن توفرت شروط النصر من وحدة وتخطيط وجهوزية وموازنة دقيقة للقوى. لم يكن مجرد الحق أو الإيمان سببًا كافيًا للنصر، بل كان النصر مرتبطًا دومًا بتحقيق مقتضيات القوة والسببية.
ولعل معركة مؤتة مثال بارز على ذلك. فقد تسلسل القادة الثلاثة الذين أوصى بهم الرسول ﷺ: زيد بن حارثة، ثم عبد الله بن رواحة، ثم جعفر بن أبي طالب رضي الله عنهم جميعًا. كان دافعهم الأول إيمانيًا خالصًا، يقوم على طلب الشهادة دون النظر بعمق في موازين القوى. لكن عندما تولى القيادة خالد بن الوليد رضي الله عنه، أظهر عقلًا مُكوِّنًا خلاقًا، ففهم أن الله لا ينصر عباده لمجرد إيمانهم أو عدالتهم في القضية، بل إذا هم أخذوا بالأسباب. فأدار المعركة بدهاء، ونجح في الانسحاب بالجيش دون أن تتحطم كرامتهم. وعندما عاد إلى المدينة، سخر منه بعض العقول البسيطة قائلين: "فررتم!"، لكن النبي ﷺ وأصحابه من ذوي البصيرة قالوا: "بل هم الكرار إن شاء الله". وهكذا يتجلى الفرق بين عقل إيماني منغلق وعقل إيماني مبدع يفهم سنن الله في الكون.
الخاتمة
إننا إذا أردنا أن ننهض ونتقدم ونزدهر وننتصر، وإذا أردنا أن لا تتكرر مأساتنا في غزة جيلاً بعد جيل، فعلينا أن نغير طريقة تفكيرنا، وأن نفهم ديننا كما أراده الله لا كما حصرناه في قوالب عاطفية جامدة. فالإيمان وحده لا يحقق أي نصر، وإنما النصر وعد من الله لمن أخذ بالأسباب، وأحسن التخطيط، ووازن القوى، واستعد للمعركة بعقل مُكوِّن خلاق قادر على الفعل والإبداع والإنتاج.
وعندها فقط نكون جديرين بسنن الله التي لا تتخلف، وحينها يتحقق وعد الله بالنصر والتمكين، مصداقًا لقوله تعالى:
﴿فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا﴾ [فاطر: 43].