29
0
الهجرة وأهمية المحافظة على الشباب والأوطان .. موضوع خطبة الجمعة غرة محرم 1447

تناولت خطبة الجمعة لنهار اليوم المصادفة، لغرة محرم 1447، موضوع الهجرة وأهمية المحافظة على الشباب والأوطان، الذي اعدها الشيخ كمال حمّير إمام مفتي وأمين المجلس العلمي لولاية بسكرة.
ماريا لعجال
الحمد لله الكريم المنان، الخالق الرازق عظيم الشأن، جعل حق الوَطَن مَسْؤولـيَّة ووَفَاء ،نحمده سبحانه أنعم علينا بوطن من خيرة الأوطان، وأكرمنا فيه بالاستقرار والاطمئنان، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الواحد الديان، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبد الله ورسوله، وصفيه من خلقه وخليله، بعثه الله تعالى رحمة للعالمين، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وصحبه أجمعين، وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فأوصيكم عباد الله ونفسي بتقوى الله وطاعته، فاتقوا الله حق تقواه، واعملوا بما يحبه ويرضاه، قال تعالى:] وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان واتقوا الله
عباد الله، ونحن نستقبل العام الهجري الجديد ونستعيد ذاكرة أحداث الهجرة النبوية وقيمها ودروسها في السيرة النبوية العطرة، علينا أفرادًا وجماعات وأمة إسلامية أن نُجدِّد مبادئ الهجرة المباركة في نفوسنا ومعنى الإخوة في اوطاننا ، ونتأمل في أحداثها ونحقق معنى - الرسول قدوتنا ، وليست الهجرة قصة تاريخية وَعْظية؛ إنما هي منهج إسلامي عملي في رفض الظلم، وإباء الضيم، وعدم الانصياع للباطل، هي انتصار للعقيدة الإسلامية في أسمى آثارها: الإيمان، والحرية، وانعتاق الناس من المظالم.
وان الله خلقنا في هذا الوجود وكلفنا بأداء واجبات، فكل واحد منا مسئول ومطالب وملزم بان يؤدي ما يجب عليه، واوجب الواجبات على المسلم واقدسها التمسك بالدين، واتباع شريعة الله، واداء حقوق الله وحقوق العباد، ومراقبة الله تعالى في كل حال وفى كل عمل وفى كل قول حتى نصل الى رضى الله والى كل خير ، وبقدر ما ينحرف العبد عن دين الله يكون قد ابتعد عن الله وتقرب من الشياطين، فيلحقه اليأس والشقاء ويحيط به الشر من كل جانب، فيكون في الدنيا والاخرة من الخاسرين .
إن من سنة الله تبارك وتعالى في خلقه، أن جعل حب الأوطان، فطرة متأصلة في الإنسان، عميقة في القلب والوجدان، فالوطن هو النعمة الكبرى الذي تحبه النفس، وتنمو فيه المودة والأنس، وتقر به العين، ويشتاق القلب حنينا لذكراه، ويستمتع خيال الإنسان بسهوله وهضابه، وبره وبحره، ومساكنه وذكرياته، وتثار مشاعره بحبه لوطنه، فيتفانى في خدمته، ويحرص على مصالحه، ويدعو الله تعالى بصدق ورجاء، بدعاء سيدنا إبراهيم أبي الأنبياء عليه السلام:( رب اجعل هذا بلدا آمنا وارزق أهله من الثمرات) يا له من دعاء؛ فيه دلالة عما يفيض به القلب من حب الوطن وأهله، وقد نص العلماء على مشروعية حب الوطن والحنين إليه وقالوا: إذا أردت أن تعرف وفاء الرجل ووفاء عهده؛ فانظر إلى حنينه إلى أوطانه، وتشوقه إلى خلانه. وقال الامام علي كرم الله وجهه (من كرم المرء حنينه الى اوطانه)
وكانت العرب اذا سافرت حملت معها من تربة ارضها ما تستنشق ريحه وتطرحه فى الماء اذا شربته. وروي انه صلى الله عليه وسلم واله، لما خرج من مكة مهاجرا التفت اليها وظن انه لا يعود اليها ولا يراها بعد ذلك فأدركته رقة وبكى فأتاه جبريل عليه السلام فأوحى اليه قوله تعالى (ان الذي فرض عليك القرءان لرادك الى معاد).
أيها المؤمنون: ان هذا الوطن الذي خلقنا الله فيه ،وهو ميراث اجدادنا، وجمعنا الله فيه كما يجتمع الاطفال على امهم وكما يجتمع العمال على عملهم، وجمع الله فيه كل خير ونعمة، فواجب على كل مواطن وجوبا مؤكدا ان يؤدي لهذا الوطن حقه، ومن حقه علينا العمل على اصلاحه ،ودفع الفساد والمفسدين عنه ،فالوطن كالأسرة لا يصلح الا بصلاح ابنائه، وانه لا حياة لشعب في وطن فاسد انتشر الفساد في مفاصل الحياة ، فالحياة تكون مرة اذا كان فيها فساد وظلم وتعصب وباطل واختلاف، وتكون طيبة شريفة، اذا كان فيها صلاح واصلاح واجتماع على الخير والحق والنفع، والقلوب سليمة صافية، فالعمل الصالح هو الذي يرفع صاحبه في الدنيا وفى الاخرة ويكون عند الله من المقربين، وَمثلُنا فِي هَذَا الوَطنِ كَمثلِ الجَسدِ الوَاحدِ كَمَا أَخْبرَ نَبِيُّنَا -صلى الله عليه وسلم-: ((إِذَا اشتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائرُ الجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالحُمَّى))، فَمِنَ الوَهْمِ البَالِغِ أَنْ يَظُنَّ المَرْءُ أَنَّ بِإِمكَانِهِ أَنْ يُحَقَّقَ سَعَادَتَهُ أَو نَجَاحَهُ فِي مُجتَمَعِهِ أَو وَطَنِهِ عَلَى حِسَابِ شَقَاءِ الآخَرِينَ، لاَ أَنَانِيَّةَ فِي الوَطَنِ -أَيُّهَا الإِخْوَةُ-، بَلْ كُلُّنَا فِي مَركَبٍ وَاحِدٍ، وإن من تمام شكرنا لنعم ربنا سبحانه علينا في هذا الوطن؛ أن نستشعر المسؤولية عن حمايته، والدفاع عن كرامته، فإذا نادى الوطن أبناءه النبلاء؛ لبوا النداء، بهمة وعزيمة وإباء، فشمروا عن سواعدهم الفتية، ومدوا إليه أياديهم القوية، يحمون حدوده، ويرفعون رايته وهامة سيادته، ويصونون مكتسباته، ويحافظون على أمجاده، لا تستسلم عيونهم للنوم والرقاد، ويؤثرون اليقظة والسهاد، فيا بشراهم بقول النبي الكريم صلى الله عليه وسلم :« عينان لا تمسهما النار: عين بكت من خشية الله، وعين باتت تحرس في سبيل الله». فهنيئا للعيون الساهرة التي تحرس وطننا العزيز، الذي تقام فيه شعائر الله تعالى ، وتحفظ فيه دماء الناس وأموالهم، وتصان فيه كرامتهم وأعراضهم
نعم أيها المسلمون: علينا أن نقدر نعمة الوطن حق قدرها، ونرعاها حق رعايتها، ولنعلم جميعا أن ما أخذناه من وطننا دين في أعناقنا، يجب علينا قضاؤه، بواجبات نؤديها، وحقوق نلتزم بها، قال صلى الله عليه وسلم :« إن الله سائل كل راع عما استرعاه: أحفظ أم ضيع». وإن من أهم حقوق وطننا علينا حق الانتماء له، والولاء له ولعهد الشهداء وقسمهم، وتتحد تحت رايته الصفوف، ويدوم بذلك الاستقرار، ويترسخ العدل ويدفع الشر والفساد بكل انواعه٠
وأقولي قولي هذا واستغفر الله لي ولكم وهو الغفور الرحيم
الخطبة الثانية
الحمد لله الذي أحل الطيبات، وحرم المخدرات، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبد الله ورسوله، فاللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه والتابعين.
أما بعد: فأوصيكم عباد الله ونفسي بتقوى الله، قال سبحانه: (واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون)
أيها المؤمنون: يقول الله تعالى عن نبيه : ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث).وإن من أشد الخبائث أثرا، وأعظمها ضررا؛ المخدرات، فهي تضعف الوازع الديني والوطني ، والضمير الأخلاقي، فالمدمن يضر نفسه، ولا يحفظ لوالديه قدرا، ولا يقيم لحرمات الآخرين وزنا، ولا يراعي لأرحامه وجيرانه حقا، ولا تأخذه بزوجته سكينة، ولا بأبنائه رحمة، فتضطرب الأسر بعد استقرارها، وتتفكك بعد تماسكها، وتتزايد معاناة أفرادها؛ لأجل ذلك كله يا عباد الله؛ نهى الله سبحانه عن كل ما يخدر العقل ويسلبه، أو يؤثر عليه ويغيبه، ووصفه بأنه (رجس من عمل الشيطان).
وأمرنا سبحانه باجتناب كل مخدر، والابتعاد عن كل مفتر، فقال تعالى: (فاجتنبوه لعلكم تفلحون.
إن المخدرات سلاح استغله أعداء الإسلام ليحطموا به شباب المسلمين، تخديراً لهم، وشلاً لجهودهم في خدمة اوطانهم، وإهداراً لطاقاتهم، وقبل ذلك تدميراً لدينهم وقضاءً على مستقبلهم، ومع ما ذكرنا فقد امتدت أيدي بعض من لا خلاق لهم من المسلمين لتناولها والمتاجرة بها.
عباد الله: إن مسؤولية الوالدين على الخصوص في تحصين أولادهم من المخدرات كبيرة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله سائل كل راع عما استرعاه، أحفظ أم ضيع، حتى يسأل الرجل عن أهل بيته. فعلى الآباء والأمهات؛ القيام بمسؤولياتهم، في رعاية أولادهم، والعناية بهم، والجلوس معهم، والاستماع إليهم، واحتوائهم وتوعيتهم، والنصح لهم، وملاحظة سلوكهم، ومعرفة أصدقائهم، قال النبي صلى الله عليه وسلم : «الرجل على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل». ومن الواجب على الوالدين: متابعة انتظام أولادهم ، وحثهم على استثمار أوقاتهم فيما ينفعهم، من قراءة للقران ورياضة مفيدة تنمي أجسادهم، ودورات نافعة تصقل مهاراتهم، وعليهم أن يصحبوهم إلى المساجد و مجالس الكبار والمناسبات الاجتماعية، فهي تبني شخصيتهم، وتزيد خبرتهم، وترسخ فيهم العادات الأصيلة، والتقاليد النبيلة، وتحميهم من الأفكار الدخيلة. نسأل الله تعالى أن يحفظ البنين والبنات من المخدرات، وأن يوفقنا لطاعته، وطاعة رسوله محمد.
اللهم وصل وسلم وبارك على البشير النذير ، والسراج المنير ، وعلى آله الأطهار وصحابته الأخيار ، خصوصا على أجلهم قدرا وأرفعهم ذكرا ، ذوي المقام العلي والقدر الجلي ، ساداتنا وأئمتنا الفضلاء ، أبي بكر وعمر وعثمان وعلي ، وعلى الستة الباقين من العشرة المبشرين بالجنة ، وعلى الحسنين الأحسنين أبي محمد الحسن وأبي عبد الله الحسين ، وعلى أمهما الزهراء وخديجة الكبرى وعائشة الرضى ، وبقية أزواج النبي المصطفى ، وعلى الصحابة أجمعين ، وعلى التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .
اللهم كما نصرت بيتك الحرام وطهرته من أبرهة وجنوده الظالمين ... وأرسلت عليهم طيرا أبابيل وجعلتهم عبرة للمعتبرين .. وأنزلت فيهم سورة تتلى الى يوم الدين.. انصر الجزائر على اعدائها الظاهرين والمستترين واحفظ أمنها واستقرارها ووحد بين ابنائها احفظ وحدتها وارفع شأنها. وارحم اللهم شهداءنا الأبرار وسائر شهداء المسلمين ، واجعل كلمتك هي العليا إلى يوم الدين ، واخذل الكفرة من الصهاينة المعتدين على أرض غزة وفلسطين وسائر بلدان المسلمين، وأصلح من في صلاحه صلاح للإسلام والمسلمين ، وأهلك من في هلاكه صلاح للإسلام والمسلمين ، ولم شعثنا واجمع شملنا ووحد كلمتنا واصلح شبابنا ، وانصرنا على من عادانا ، واحفظ بلادنا وأصلح أزواجنا وذرياتنا ، واشف مرضانا وعاف مبتلانا ، وارحم موتانا ، واغفر اللهم لوالدينا ولمن علمنا ولمن أحسن إلينا ، ولسائر المسلمين والمسلمات ، والمؤمنين والمؤمنات ، الأحياء منهم والأموات ، إنك سميع قريب مجيب .