345
0
الجيش الوطني الشعبي… حين تفشل الأكاذيب وتبقى الحقيقة أقوى من حملات التشويه

بقلم: الحاج امعمر
في كل مرة يشتد فيها حضور الجزائر إقليميًا ودوليًا، ويعلو صوتها في المحافل دفاعًا عن السيادة، والسلم، وحق الشعوب في تقرير مصيرها، تخرج علينا أصوات نشاز، متخفية وراء لافتات إعلامية مزيفة، لتنفث سمومها وتعيد إنتاج نفس الأسطوانة المشروخة: التشكيك في مؤسسات الدولة، وعلى رأسها الجيش الوطني الشعبي، ذلك الصرح الذي لم يكن يومًا مجرد مؤسسة عسكرية، بل كان ولا يزال العمود الفقري للدولة الجزائرية، وسليل ثورة تحريرية صنعت التاريخ بدماء الشهداء. إن الحملات الأخيرة التي استهدفت الجيش الوطني الشعبي، عبر فبركة روايات ونسج سيناريوهات واهية حول “مرتزقة” و”عمليات سرية” و”تدخلات مشبوهة”، ليست سوى محاولة يائسة جديدة، تضاف إلى سجل طويل من الأكاذيب التي سقطت تباعًا أمام صلابة الحقيقة ووعي الرأي العام.
فالمتنطعون والمتحاملون، الذين يتقنون الضجيج أكثر من إتقانهم للحقيقة، لم يغفروا للجزائر ثباتها على مواقفها، ولا استقلالية قرارها، ولا رفضها الانخراط في مخططات الهيمنة والفوضى التي دمرت دولًا ومجتمعات بأكملها في محيطها الإقليمي.
هؤلاء لا يزعجهم الجيش بحد ذاته، بل يزعجهم ما يمثله: جيش عقيدة لا جيش مغامرات، جيش دستور لا جيش مليشيات، جيش دولة لا أداة في يد الخارج. ومن العبث بمكان أن يُتهم الجيش الوطني الشعبي، الذي بُني على مبدأ عدم التدخل في شؤون الغير واحترام سيادة الدول، بالقيام بأعمال تناقض جوهر عقيدته وتاريخه، في وقت تشهد فيه الساحة الدولية كيف تحولت جيوش في دول أخرى إلى أدوات للمرتزقة أو واجهات لمصالح شركات السلاح والنفط. إن الجزائر، التي دفعت ثمنًا باهظًا في حربها ضد الإرهاب، وذاقت مرارة الدم والدموع خلال العشرية السوداء، لا تحتاج إلى دروس من أحد في معنى مكافحة الإرهاب ولا في خطورة العبث بأمن الدول والمجتمعات. فالجيش الوطني الشعبي لم يحارب الإرهاب بالوكالة، ولم يصدّره إلى الخارج، بل واجهه داخل حدوده، وانتصر عليه بإرادة وطنية خالصة، وبالتفاف شعبه حوله، في زمن كانت فيه كثير من العواصم تتردد أو تساوم أو تغض الطرف.
ومن هنا، فإن كل محاولة لتشويه هذا التاريخ، أو الطعن في هذه التجربة، ليست سوى إساءة للعقل قبل أن تكون إساءة للمؤسسة العسكرية. إن المتحاملين، الذين يتغذون على الإشاعة ويعيشون على الإثارة الرخيصة، يتجاهلون عمدًا أن الجزائر كانت ولا تزال من أكثر الدول دعوة إلى الحلول السلمية في منطقة الساحل، ومن أشد الرافضين لمنطق السلاح والانقلابات والفوضى، وأنها اختارت الدبلوماسية الهادئة والعمل الميداني التنموي بدل استعراض القوة أو تصدير الأزمات.
لكن لأن هذا الخيار لا يخدم أجندات معينة، ولا يدر أرباحًا على تجار الحروب، كان لا بد من استهداف الجزائر عبر بوابة جيشها، أملاً في النيل من ثقة الشعب في مؤسسته، وزرع الشك في وعيه الجماعي.
غير أن ما لا يدركه هؤلاء، أو يتجاهلونه عن قصد، هو أن العلاقة بين الجيش الوطني الشعبي والشعب الجزائري ليست علاقة عابرة أو ظرفية، بل هي علاقة تاريخ ومصير مشترك، علاقة تعمدت في الجبال والوديان خلال ثورة التحرير، وتجددت في محطات مفصلية من تاريخ الدولة الوطنية.
فالجيش، بالنسبة للجزائريين، ليس كيانًا معزولًا عن المجتمع، بل هو من نسيجه، أبناؤه من كل القرى والمدن، من كل الفئات والطبقات، يحملون نفس الهموم والآمال، ويدافعون عن نفس الأرض التي نشأوا عليها. لذلك، فإن محاولات دق إسفين بين الجيش وشعبه محكومة بالفشل، مهما تنوعت أدواتها وتبدلت خطابها.
إن الرد الحقيقي على هذه الحملات لا يكون فقط ببيانات التكذيب، رغم ضرورتها، بل بترسيخ ثقافة الوعي الإعلامي، وتعزيز الثقة في مؤسسات الدولة، وفضح آليات التضليل التي باتت سلاحًا مفضلًا في حروب الجيل الجديد.
فالمعركة اليوم لم تعد فقط معركة حدود وسلاح، بل معركة وعي وسردية، معركة بين من يريد للجزائر أن تبقى دولة مستقلة القرار، ومن يريدها ساحة مفتوحة للتجاذبات والتجارب.
وفي هذه المعركة، أثبت الجيش الوطني الشعبي، مرة أخرى، أنه على قدر التحدي، ليس فقط بقدراته الدفاعية، بل بانضباطه الدستوري، وبالتزامه الصارم بخيارات الدولة، وبابتعاده عن منطق المغامرة والاستعراض. أما المتنطعون، فسيظلون يدورون في حلقة مفرغة، يعيدون نفس الاتهامات، ويستعملون نفس اللغة العدائية، دون أن يدركوا أن الزمن تغير، وأن الشعوب لم تعد تُقاد بالعناوين الصاخبة ولا بالأكاذيب المعلبة.
فالجزائري اليوم أكثر وعيًا، أكثر تشككًا في المصادر المشبوهة، وأكثر إدراكًا لحجم الاستهداف الذي تتعرض له بلاده كلما حافظت على استقلاليتها. وفي النهاية، تبقى الحقيقة بسيطة وواضحة: الجيش الوطني الشعبي مؤسسة سيادية، تعمل في إطار الدستور والقانون، وتستمد شرعيتها من تاريخها ومن ثقة شعبها، وكل من يحاول النيل منها إنما يراهن على الخيبة، لأن الجزائر التي صمدت في وجه الاستعمار، وانتزعت استقلالها بدماء الملايين، قادرة على إفشال أضعف المؤامرات وأخبثها، مهما تلونت وتخفّت وراء شعارات زائفة.

