675

0

محمد الطاهر آيت علجت ... كسب القلوب واكتسب وقار العلماء

 

مقولة تذكرنا بالعلامة الجزائري "محمد الطاهر آيت علجت" مفادها "خيركم من طال عمرُه وحسُن عمله"، رجل تجلت فيه نخوة المسلم وسمات المؤمن ووقار العالم، مجاهد باللسان سن خطاه بمعالم من ذهب ونحت حكم تبين أن العبرة ليست بكثرة العلم ولكنها بالعمل به، من منا لا يعرفه فهو يطل على بيوت الجزائريين في كل المناسبات الدينية عبر التلفزيون من  أبرز المفكرين والمشايخ.

بثينة ناصري

عندما تقرأ في سيره تتمعن أن مقالات الشيخ ليست بكثيرة ولا مؤلفات غزيرة ولكن فيها مناقب كثيرة يفتقدها كثير من أصحاب التأليف والتصانيف، فالرجل ممن يناضلون من أجل الفكرة ويستميتون في الدفاع عنها، وليس ممن يبدعون في صناعة الأفكار ثم يدعونها سائبة هائمة على وجهها، يتصيدها لصوص الأفكار.

الشيخ محمد الطاهر من مواليد 1917 بقرية "ثاموقرة بني عيدل" بمنطقة آقبو، من الرجال الذين صنعوا للجزائر مجدها ورفعوا رايتها، حيث أقام في المنطقة نظاما تعليميا أقرب إلى النظام الزيتوني والنظام الباديسي، وتحولت "معمرة ثاموقرة" إلى محجة يقصدها طلاب العلم من كل حدب وصوب، وقد كان عمل الشيخ في هذه المعمرة العامرة شكلا من أشكال النضال الثقافي، الذي كانت منطقة القبائل والجزائر بصفة عامة في أمس الحاجة إليه لمقاومة تيارات التغريب التي يتولى كبرها رهبان الكنيسة بدعم من الإدارة الاستعمارية.

حفظ الشيخ القرآن الكريم في مسقط رأسه بزاوية جده الشيخ یحي العيدلي، ودرس مبادئ العلوم العربية واللغوية، ومنها انطلق في الجزائر واعظا ومدرِسا ومفسرا ثم رحل إلى زاوية بلحملاوي في العثمانية قرب قسنطينة.

 أحدث العلامة ثورة في ميدان التربية والتعليم، وأصبح طلابه وتلاميذه يلتحقون أفواجاً بجامع الزيتونة في تونس للدراسة والتحصيل ويتفوقون، لأن نظام الدراسة الذي يطبقه في معمرة ثاموقرة كان متطوراً يتماشى مع النظام الزيتونية في تونس ومع نظام معهد عبد الحميد بن باديس ومعهد الكتانية بقسنطينة، فتخرج الكثير من طلبته وتصدروا للتربية والتعليم في كل قرى المنطقة، وشاركوا في الجهاد الثقافي مشاركة فعالة ومؤثرة.

واستجابة لنداء الوطن عرفت مسيرته الثورية نضالا للدفاع عن بلده الجزائر، حيث شارك الشيخ "محمد الطاهر بن عجلت" في الثورة الجزائرية هو وسائر طلبة زاوية "سيدي يحي العيدلي" الذين التحقوا كلّهم بركب المجاهدين، وهذا بعد أن فجر الاحتلال الفرنسي زاويتهم في أوت 1956م، كما سافر إلى تونس في أواخر سنة 1957 بإشارة من العقيد عميروش الذي كان الشيخ يتولى منصب القضاء بكتيبة جيشه وكان يتولى فصل الخصومات، والإشراف على النشاط التعليمي للطلاب الجزائريين هناك ثم انتقل الى طرابلس الغرب بليبيا حيث عين عضوا في مكتب جبهة التحرير هناك.

سجل العلامة الشيخ يزينه جهاده بمعية إخوانه من الجزائريين في سبيل الله والوطن، فحسبهم فخرا أننا جيل الاستقلال ومن جاء بعدنا صنعة أيديهم وثمرة نضالهم، فهو أحب وطنه وقدم لها النفس والنفيس، واستكمالا للمسيرة الحافلة فبعد الاستقلال وفي سنة 1963م عاد الشيخ لوطنه الأول وعين أستاذا بثانوية عقبة بن نافع بالجزائر العاصمة وتقاعد سنة 1978م، وبعدها بطلب من وزارة الشؤون الدينية عاد الى نشاطه المسجدي ليمارس دروس الوعظ والإرشاد.

تخرج على يد العلامة محمد الطاهر جملة من الطلبة المتمكنين وكثير من الأخيار منهم الشيخ "محمد الشريف قاهر" و"مولود قاسم نايت بلقاسم" رحمه الله، الذي عرف عند الجزائريين بأنه مهندس برامج التعريب، التي أرادها ثلة من رجال هذا الوطن أن تكون سدا منيعا لمقاومة تيارات التغريب التي زحفت على الجزائر، على غرار كثير من الدول العربية في مرحلة كان فيها الجزائريون حديثي عهد الاستقلال، ولم يكملوا بعد تحصين بيتهم الداخلي ضد العدو الداخلي والخارجي، فيما كان للشيخ مؤلفات في فنون كثيرة ومذكرات تروي تاريخه وتاريخ الثورة الجزائرية وتقييمه عبر مسيرته الرائدة.

بلغ الشيخ آيت علجت من الكبر عتيا، قرن وست سنوات عمر أفناه في محاريب العلم وميادين العمل وسكن حبه قلوب الجزائريين، في قالب ترك فيه معالم طريق العلم الصحيح، لأن العلم الذي لا يكون له أثر على حياة الفرد ونهضة الأمة علم لا فائدة منه فهو باب إلى الغواية وطريق إلى الضلالة.

 
 
 

شارك رأيك

التعليقات

لا تعليقات حتى الآن.

رأيك يهمنا. شارك أفكارك معنا.

barakanews

اقرأ المقالات البارزة من بريدك الإلكتروني مباشرةً


للتواصل معنا:


حقوق النشر 2024.جميع الحقوق محفوظة لصحيفة بركة نيوز.

تصميم وتطويرForTera Services

barakanews

اقرأ المقالات البارزة من بريدك الإلكتروني مباشرةً


للتواصل معنا:


حقوق النشر 2024.جميع الحقوق محفوظة لصحيفة بركة نيوز.

تصميم وتطويرForTera Services