2170
0
العلامة “محمد بن أبي شنب”… أول طالب يتحصل على الدكتوراه في الجزائر
يزخر تاريخ الجزائر بعدة شخصيات ممن عرفوا بتمسكهم بالوطنية واللغة العربية، وتحديهم للمستعمر الفرنسي للوصول إلى أرقى المراتب العلمية ومن بين هذه الشخصيات المرموقة “محمد بن أبي شنب” الذي يعد عمود اللغة العربية في الجزائر، بذل جهدا في نشر العلم وتبديد ظلام الجهل والظلالة، ويعتبر أول طالب تحصل على شهادة الدكتوراه في الجزائر.
بثينة ناصري
محمد بن العربي بن محمد بن شنب ابن مدينة المدية وبالتحديد من ضواحي تاكبوا أو عين الذهب ولد في يوم 26 أكتوبر 1869، نشأ في أسرة تعود جذورها الى بلدة بروسة التركية بعد انتقال أبيه من تركيا في أوائل القرن 18 م، وقد عنيت هذه الأسرة بتربية ابنها وتعليمه فحفظ القرآن وتعلم مبادئ القراءة والكتابة، واستطاع بفضل مواهبه وتفانيه من أجل العلم أن ينال منه حظا وافرا مكنه من احراز عده شهادات تعليمية.
مسيرة تعليمية مليئة بالإنجازات
التحق “ابي شنب” بالمدارس المدنية التي أنشأتها فرنسا، فتعلم الفرنسية وقرأ آدابها وبعد أن أنهى تعليمه الثانوي، أصبح مدرسا في عدة مدارس ففي سنة 1898م عينته الأكاديمية أستاذا بالمدرسة الكتابية في مدينة قسنطينة خلفا عن شيخها الأستاذ “عبد القادر المجاري”، واستمر هناك إلى غاية1901م حيث عين مدرسا بالمدرسة الثعالبية بالعاصمة في مقام الشيخ “عبد الرزاق الأشرف” حيث درس بها اللغة والنحو والصرف والمنطق والعروض والبيان وغيرها.
وتزوج في سن 34 سنة ورزق بخمسة ذكور وأربع اناث من بينهم الدكتور “سعد الدين ابن شنب” الذي أكمل مسيرة والده في العلم، وفي هذا الخصوص ارتقى محمد ابن ابي شنب سنة 1908 الى رتبة أستاذ محاضر بالجامعة الجزائر فذاع صيته في الآفاق وشهدت بفضله الأعلام وتقاطرت عليه المكتبات وكبار العلماء والرؤساء ومشاهير الكتاب والأدباء وهم في كتاباتهم ما بين شاكر ومادح ومعجب ومسترشد، واستعان به الكثير من عشاق العلم والتأليف، وكان بارعا في الرسم والتصوير وعلى الخصوص في رسم الآلات والأدوات الصناعية.
أول طالب يتحصل على الدكتوراه في الجزائر
أخذ محمد بن أبي شنب نصيبه من الشهرة من الشرق والغرب وعرف أهل العلم قدره ليصبح من أهم الشخصيات العلمية الجزائرية التي لها علاقة وطيدة بالاستشراق والتي بدأت بعد دخوله الجامعة سنة 1894 كمدرسا للغة العربية، حيث دخل الأستاذ ميدان الاستشراق من بابه الواسع، وانتخب سنة 1920م بالمجمع العلمي العربي بدمشق عضوا به وكتب في المجلة العلمية بحوثه اللغوية والتاريخية والأدبية، وفي العام نفسه تقدم لنيل شهادة الدكتوراه بتأليف كتابين الأول تمثل في دراسة لغوية عن الشاعر العباسي أبو دلامة أما الثاني فهو دراسة بحث فيها عن الألفاظ التركية والفارسية المستعملة في لغة أهل الجزائر.
فنال درجة الدكتوراه في الآداب بدرجة ممتازة وكان ملما بعلوم اللغة والآداب لكثرة ما قرأ ودرس من هذه العلوم، وهو أول من تحصل عليها في الجزائر والوطن العربي ككل، مما أهله أن يكون أستاذا رسميا بكلية الآداب الكبرى بالجزائر العاصمة سنة 1924 م، عوضا عن الأستاذ كولان الذي توفي في نفس السنة، وقد منحته في العام نفسه الحكومة الفرنسية وسام جوقة الشرف .(chevalier)
ثمار مسعى جهاد وتفاني
شغل رئيسا للجنة امتحانات البكالوريا التي أقيمت بتونس وشارك في مؤتمر المباحث العليا المغربية الذي عقد بالرباط في 1928م، فذهب بصحبة عميد كلية الآداب آنذاك الأستاذ “مارتينو martino”، فالتقى هناك عددا من علماء أهل المغرب والوافدين إليها، وقدم في هذا المؤتمر بحثا كتبه بالفرنسية عن العلامة “ابن القنفد القسنطيني” وكتابه “الفارسية في مبادئ الدولة الحفصية” فازدادوا إعجابا به، كما دعي لإلقاء محاضرة ثانية باللغة العربية والتي كانت تحت عنوان “رأي غريب في القرآن منسوب للجاحظ”.
وفي المؤتمر السابع عشر للمستشرقين شارك في مدينة أكسفورد oxford، فالتقى عددا من أساتذة السوربون lasorbonne ولقيه هناك جملة من الأستاذة ليقدم بحثا رائعا وممتعا في الأدب الأندلسي وتاريخه وجعل محور كلامه يدور حول شخصية وحياة وشعر أبي جعفر أحمد بن كاتبة الأندلسي.
وعرف محمد بن أبي شنب بتواضعه وسعة اطلاعه وحسن معاملاته للناس، ومما امتاز به ومحافظته على الزي الوطني والأخلاق والعادات والتقاليد الجزائرية والتزامه التكلم باللغة العربية، ويقول عنه الاستاذ “مارتينو” مدير كلية الآداب في جامعة الجزائر ” ان السيد ابن شنب كان صوت الاديب المسلم الذي عرف كيف يطلع على الأساليب الأوروبية في العمل من دون أن يفقد شيئا من صفاته وعاداته، وكان يمتاز بصفات تجعل كل من يعرفه يكن له المحبة والتقدير”، واقتصر نشاطه على الدراسات الأدبية واللغوية والتاريخية وقال ابي شنب عندما سئل عن جمال الأسلوب وبلاغة العبارة “خذ العلم وماذا يعنيك أكان بالأسلوب طلي أو كان بأسلوب غير طلي، وحسبك أنك فهمت عني ما أريد ولا تغرنكم زخارف الألفاظ وتزويقاتها وهل اللغة إلا أداة للفهم والتفهيم”.
أهم مؤلفاته المثيرة:
حث العلامة محمد بن أبي شنب على غوامض وعويصات المسائل وصنف وأنتج جراء ذلك ما يزيد على 50 كتابا في سائر العلوم المتداولة عند العرب والعادات والتقاليد وقد أحيا بعض التأليف بالنشر والتحقيق وبعضها بالتنقيح والتصحيح أو بالشرح والتعليق منها:
1- تحفة الأدب في ميزان أشعار العرب 1906 و1928
2- أبو دلامة وشعره وهو أطروحته لنيل شهادة الدكتوراه التي حصل عليها سنة 1924م.
3- خرائد العقود في فرائد القيود 1909.
وغيرها من الكتب والمؤلفات وقد حقق وصحح العديد من كتب التراث العربي كالبتسان في ذكر الأولياء والعلماء بتلمسان لابن مريم التلمساني عام 1908، والذخيرة السنية في تاريخ الدولة المرينية 1920.
فيما كان الشيخ من النوابغ في الشعر لكنه سلك فيه مسلك العلماء وقد خاض في معظم فنونه ونكته، ومن ذلك قصيدة طويلة يستنهض بها أمته للأخذ بيد العلم ورفض التخاذل وقال مبتهلا إلى الله عز وجل:
دعوت جليلا عظيما قديرا سميعا عليما حليما خبير
وحيدا وليس كمثله شئ رحيما للمذنبين غفورا
ببابك ربي وقفت ذليلا فكن لي إلهي معينا نصيرا
تراني وحيدا فريدا غريبا ترى السقم أضوى عظامي كيرا
وفاته وما قيل عنه
عكف الشيخ في آخر حياته على دراسة شعر أبي العلاء المعري وتحليل أفكاره مع المقارنة بينه وبين مزاحميه من شعراء العرب والفرس والفرنجة، إلى أن أصيب بمرض أعيا الأطباء علاجه فأشاروا عليه بالدخول إلى مستشفى “مصطفى باشا” بالعاصمة ولكن لم يغن عنه شيئا فلازمه المرض مدة شهر كامل وأوفاه الأجل يوم الثلاثاء 5 فيفري 1929م ودفن في الغد الموافق 27 شعبان 1347هـ عن عمر يناهز الستين سنة وكان يوم جنازته يوما مشهودا حضر فيه رئيس الجامعة العام ونائبه ومدير أمور الوطنين ونائب الوالي العام وأساتذة الكليات الأربع بملابسهم الرسمية وباقي مدرسي المدارس وعميد كلية الآداب وأعلام البلد وأعيانه، فقال عنه الشيخ عبد الحميد بن باديس “لما عرفناه فقدناه”، أما المستشرق الفرنسي “ألفريد” فقال “كان ابن أبي شنب مخلصا لدينه ومتمسكا بلباسه التقليدي ولكي لا يتنكر لتقاليده الإسلامية لم ير من واجبه أخذ الجنسية الفرنسية مما يجبره على التخلي على الشرائع الإسلامية وعن منزلته الشخصية”.