193
0
طيور "حسون التفاحي" تعود إلى أحضان الطبيعة.. حملة لمكافحة الإتجار غير الشرعي في باتنة

في خطوة جديدة ضمن مساعي حماية التنوع البيولوجي والثروة الحيوانية بولاية باتنة، قامت محافظة الغابات بالتنسيق مع مقاطعة الغابات بعين التوتة، بإعادة إطلاق ثلاثة طيور من نوع "حسون التفاحي" (Linotte mélodieuse) إلى بيئتها الطبيعية، وذلك بعد أن تم حجزها في إطار حملة ميدانية ضد الاتجار غير الشرعي بالأصناف الحيوانية المحمية والمهددة بالانقراض.
ضياء الدين سعداوي
العملية نُفذت تحت إشراف مباشر من رئيس مكتب حماية الحيوانات والنباتات، إلى جانب رئيس إقليم الغابات على مستوى مقاطعة عين التوتة، وتندرج في سياق تطبيق القرار الولائي القاضي بإنشاء لجنة ولائية خاصة بمراقبة التجارة غير المشروعة بالحيوانات البرية.
ويُعد طائر "حسون التفاحي"، الذي يتميز بجمال ألوانه وصوته العذب، من الطيور المُدرجة في المرسوم التنفيذي رقم 12-235 المؤرخ في 24 ماي 2012، والذي يحدد قائمة الأصناف الحيوانية غير الأليفة المحمية في الجزائر، هذا التصنيف يعكس مدى الخطر الذي يتهدد هذه الأنواع نتيجة صيدها وبيعها في الأسواق، سواء لغرض الزينة أو التحنيط أو التجارة.
الأسواق الأسبوعية في مرمى المراقبة
ووفقًا لما أفادت به خلية الإعلام والاتصال بمحافظة الغابات، فإن هذه العملية تأتي في إطار برنامج دوري للمراقبة الميدانية تنفذه الشرطة الحراجية، ويستهدف الأسواق الأسبوعية ومحلات بيع الحيوانات وطيور الزينة، في ظل تزايد ظاهرة الإتجار غير المشروع بها.
وأوضحت ذات المصالح أن حيازة هذه الطيور أو نقلها أو تسويقها أو تحنيطها يُعد مخالفة صريحة للقانون، وتُرتب عليه عقوبات جزائية منصوص عليها في التشريع البيئي الجزائري، وذلك بهدف ردع كل من تسوّل له نفسه الإعتداء على الثروة الحيوانية الوطنية.
حماية التنوع البيولوجي مسؤولية جماعية
في تعليقها على العملية، اعتبرت محافظة الغابات أن هذا النوع من السلوكيات الإيجابية، على غرار إعادة الطيور إلى وسطها الطبيعي، يُعد نموذجًا يُحتذى به في مجال حماية البيئة والحفاظ على التوازن البيئي.
وأبرزت خلية الإعلام أن الجزائر تزخر بثروة حيوانية فريدة، وأن مسؤولية الحفاظ عليها تقع على عاتق الجميع ، السلطات والمجتمع المدني والمواطن العادي على حد سواء. كما شددت على أهمية نشر الوعي البيئي لدى فئات المجتمع، لا سيما الشباب، بخصوص خطورة التجارة غير القانونية بالحيوانات البرية وتأثيراتها المدمرة على النظام البيئي.
حملة وطنية ضد "مافيا الحيوانات"
وتجدر الإشارة إلى أن السلطات البيئية في الجزائر، بالتعاون مع عدة قطاعات على غرار الأمن الوطني والجمارك والمجتمع المدني، أطلقت خلال السنوات الأخيرة حملات توعية وتحسيس واسعة لمكافحة ما يُعرف بـ"مافيا الحيوانات البرية"، التي تستغل ضعف الرقابة في بعض المناطق لجني الأرباح من صيد وبيع أنواع نادرة ومحمية، مثل الببغاوات، الصقور، القردة، والزواحف.
كما تُعد هذه الحملات جزءًا من التزامات الجزائر الدولية ضمن الاتفاقيات البيئية، لاسيما اتفاقية "سايتس" (CITES) الخاصة بالأنواع المهددة بالإنقراض، والتي تحظر الاتجار بالحيوانات والنباتات المحمية دون ترخيص قانوني.
وتُعد مقاطعة الغابات بعين التوتة نموذجًا محليًا متقدّمًا في تنفيذ البرامج الميدانية لحماية البيئة، من خلال التنسيق بين المصالح المختلفة، واستغلال الخبرات البشرية المتخصصة في رصد وتتبع مصادر الخطر البيئي، وهو ما ساهم في الكشف عن العديد من التجاوزات وضبط حالات الصيد غير المشروع.
هذا التفاعل الإيجابي بين أجهزة الرقابة والمواطنين يعكس درجة من الوعي البيئي المتصاعد في المنطقة، وهو ما اعتبره أحد أعوان الغابات في تصريح للموقع الإخباري "بركة نيوز""ثمرة جهود سنوات من التحسيس، يجب تثمينها وتوسيعها لتشمل كل الفئات، خاصة تلاميذ المدارس".
في وقت تتصاعد فيه التهديدات التي تواجه الحياة البرية، تبرهن مثل هذه المبادرات الميدانية على جدية الدولة الجزائرية في التصدي لكل أشكال الإعتداء على البيئة، وتعكس التزامًا حقيقيًا بمنظومة حماية التنوع البيولوجي.
لكن النجاح في هذه المهمة لا يكتمل إلا بمساهمة المواطنين ووسائل الإعلام والمدارس والجمعيات، في ترسيخ ثقافة بيئية تحترم الكائنات الحية بإعتبارها جزءًا لا يتجزأ من هويتنا الطبيعية والسيادية.
البيئة ترحم من يرحمها... والردع ينتظر من يتعدّى حدودها.