442
0
تعرف على مسجد سيدي غانم الأول في الجزائر والثاني في شمال إفريقيا

بعد جامع القيروان بتونس اول مسجد بني في شمال إفريقيا، يأتي مسجد سيدي غانم أو أبو المهاجر دينار كثاني مسجد في المنطقة، والأقدم في الجزائر، إذ يعتبر رمزا للهوية العربية والإسلامية، وكذلك حلقة مهمة في التاريخ الجزائري وتحديدا في ولاية ميلة العريقة.
شروق طالب
يقع مسجد سيدي غانم الأثري في مدينة ميلاف العتيقة ولاية ميلة حاليا، يرجع تاريخ تأسيسه إلى منتصف القرن الأول الهجري على يد الفاتح العربي أبو المهاجر دينار عام 60هـ /680م، وقد ذكر أبو المحاسن بن تغري بردي: أن أبا المهاجر دينار (62-55هـ / - 675 (682م) هو من فتح المدينة سنة 60هـ، وأسندت له قيادة المغرب والجيش الإسلامي لمواصلة الفتح في شمال إفريقيا من لدن معاوية بن أبي سفيان، ويرجح أن تكون هذه هي الفترة التي شيد فيها هذا القائد مسجدا ودارا للإمارة في هذه المدينة.
بني المسجد على أنقاض بناية بيزنطية كما دلت على ذلك الحفريات الأثرية، ويلاحظ أن المدينة العتيقة كلها بنيت على أنقاض ومخلفات آثار المدينة الرومانية والحصن البيزنطي، حيث ما زال سور هذا الحصن يطوق المدينة العتيقة من كل جانب إلى يومنا هذا.
يعد هذا المسجد بما يحتوي عليه من شواهد مادية صفحة تاريخية تعكس الكثير من المراحل التاريخية والحضارية التي مرت بها مدينة ميلة في العصر الإسلامي، أما بالنسبة إلى أصل تسميته بسيدي غانم كانت نسبة لأحد أولياء الله الصالحين الذين كانوا من رجالات العلم والمعرفة في المنطقة أن ذاك.
سيدي غانم بتصميم يبرز أصالة هندسة المساجد الأولى
وبخصوص تصميم المسجد، فبناء على المعطيات الهندسية والمعمارية فإنّ الهندسة شبيهة بالمسجد الأموي بالعاصمة السورية دمشق وأيضا مسجد القيروان بتونس، حيث جاء المسجد على شكل مستطيل، ويتربع على مساحة تقدر بـ820 متر مربع، يحتوي على 4 أساكيب و7 إسطبلات، في حين تتوسطه البلاطة الوسطى وهي أكثر مساحة واتساعا مقارنة ببعض مرافقه الأخرى.
كما يتضمن مسجد "أبو المهاجر دينار" أربع واجهات، حيث تقع الواجهة الرئيسية في الجهة الشرقية، بطول يبلغ (24.60م) وتطل على حيز فسيح نوعا ما، ويتوسط هذه الواجهة المدخل الرئيسي، عرضه(02.95 م)، وعمقه (01.55 م)، يؤدي إلى الصحن ومنه إلى قاعة الصلاة، وعلى جانبي هذا الجدار يبرز برجان، يمثلان الملاحق الجنوبية والشمالية، حيث يبلغ طول الجدار الأول (09.30 م)، أما الثاني فيبلغ (06.30 متر).
الواجهة الجنوبية للمسجد طولها 33.70 متر، تطل على ممّر ضيق يتم من خلاله الصعود إلى ساحة فسيحة الأرجاء عبر إحدى عشرة درجة، وعلى محور الدرجات يتجلى باب بحوالي 1 متر.
بينما الواجهة الغربية للمسجد فيها ممر جنوبي يمتد إلى غاية الباب الغربي الذي يتم عبره الصعود إلى الطابق العلوي ببيت الصلاة، عبر ثلاث درجات وهو من الأبواب المستحدثة في عهد الاستعمار الفرنسي، مثله مثل الطابق الأول وعدد من الأبواب والنوافذ، و كذا الطابق الثاني فوق المسجد.
الجهة الشمالية عبارة عن مساحة تمتد على جزء من جدار الواجهة بطول 8.75 مترا، وتتفتح على بابين، يبلغ عرض الباب الأول 1.35 متر، والثاني بعرض 1.40 متر.
وللمسجد كما أغلب باقي المساجد المشيدة منذ تاريخ الإسلام إلى اليوم، منارة تحتوي على 365 درجا بحسب عدد أيام السنة، وكانت على علو شاهق مقارنة بما تميزت به البنايات في تلك الحقبة بميلة التي كانت تحت الاحتلال البيزنطي (534-647م).
يُحاكي "سيدي غانم" رغم بساطته روعة الإبداع الإسلامي في شمال إفريقيا، وقد صُنف كثاني أقدم مسجد على مستوى المغرب العربي بعد مسجد (القيروان) في تونس، وهو ما تؤكده الأبحاث التاريخية التي تذهب إلى أن هذا المسجد هو الأقدم في الجزائر، نظرا لمعطيات علمية، ومنها اتجاه محراب المسجد الأصلي والذي كان نحو الجنوب، كما كان شائعاً في المساجد الإسلامية الأولى بالمشرق العربي.
مسجد "سيدي غانم" في فترة الاستعمار الفرنسي
لم يسلم مسجد "سيدي غانم" كغيره من المعالم الإسلامية والثقافية في الجزائر من محاولات طمس الهوية الجزائرية، إذ حاول الاستعمار الفرنسي تحويل الأسوار المحاذية له إلى ثكنة عسكرية يحيط بها سور المدينة، والذي يعود تاريخ بنائه للعهد البيزنطي بطول 1200 متر، ويتواجد به 14 برجا للمراقبة.
كما خصص القسم العلوي من المسجد كمرتع لجنود الاحتلال الفرنسي، أما القسم السفلي فجعلته إدارة الاحتلال "اسطبلات للخنازير والأحصنة"، كما تم تحويل دار الإمارة التي بناها الفاتح أبو المهاجر إلى "مطبخ للجنود"، وجعل من بيت الوضوء "مرشات للجنود".
وبعد استقلال الجزائر صنّف مسجد سيدي غانم كموقع أثري في 1967، حيث خضع للعديد من الدراسات والأبحاث منذ سنة 1956 حتى اليوم، أهمها التي قادها الباحث الجزائري رشيد دوكالي 1968.