445
0
صرخة ضمير حي و شهادة إنصاف موثقة دفاعا عن القضية الفلسطينية
بمؤلفاته الجريئة، ككتابه «من يجرؤ على نقد إسرائيل؟»، و كتابه «معادٍ للسامية»
المفكر بونيفاس يعري ويكشف سياسة الابتزاز التي يمارسها اللوبي الصهيوني في الاعلام الغربي
محمد مصطفى حابس/ جنيف : سويسرا
نتابع منذ أشهر – عبر فضائيات العالم- بطولات أشبال المقاومة الفلسطينية التي فجرتها عملية "طوفان الأقصى" المجيدة أو الحرب الفلسطينية الإسرائيلية، كما يحلو للإعلام الغربي تسميتها، نلاحظ أن عامل اللغة في كل قناة أو فضائية، يحاول جر المشاهاد، نحو فهمه وتحليله، و ما تحليلات فائز الدويري بقناة الجزيرة عن المبصرين العرب ببعيد ..
و بالتالي تعتبر اللغة من أهم مقومات الهوية ومكوناتها الأساسية، فهي ثقافة الشعب وروحه، وتؤثر عليه تأثير الهواء الذي يستنشقه والماء الذي يشربه. ولما كانت اللغة على هذا القدر من الأهمية جاهد “المستعمر” بما أوتي من قوة مادية ومعنوية لفرض سيطرة لغوية على الشعوب المستضعفة التابعة له؛ لأن طمس اللغة يعني طمس الهوية، ومن تنازل عن لغته يمكن أن يتنازل عن أعز أي شيء مهما كانت قداسته، فيسهل استلابه.
:" واللغة الفرنسية كباقي لغات الدنيا، ، هي أية من آيات الله سبحانه مصداقا لقوله تعالى: ﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّلْعَالِمِينَ﴾ / الروم: 22] .
و كما سبق أن ذكرنا، في مقال سابق، أن الأقلام مرآة صادقة لشخصية أصحابها وعبير بعضها يعكس عطر أصحابها، وان الأقلام أنواع وأشكال، وفي حياة كل منّا أقلام مبدعة رائعة تسر العين تارة وتلهب العقول أحيانا؛ لما تطرحه من أعمال نزيهة ملتزمة تعكس تجرد وروعة كتّابها، الخير نهجها والحب محرابها والفضيلة معبدها الخالد حتى ولو كانت تغرد في سرب بعيدا عن أرضنا وديننا و لغتنا !!
عن هذه الاقلام الغربية، كنا قد أمطنا اللثام للقارئ الكريم عن بعض منها في أعداد سابقة من البصائر، رقم 732 و رقم 793- و كتبنا حينها عن قامات كبرى من قامات الأقلام الغربية و الفرنسية تحديدا، في شخص كل من "ريجيس دوبري" و"إدوي بلنيل " و "ميشال أنفري" و"فرانسوا بيرقات" (1) ، الذين أنصفوا العرب والمسلمين أيما إنصاف، بل أحيانا قدموا صورا و نماذجا غاية في اللطف والموضوعية، أحسن بكثير من ابواق العديد من " عبيد العرب" من مثقفينا المستلبين حضاريا و تراثيا من بني جلدتنا المقيمين في ديار الغرب والذين انسلخوا حتى عن ثوابت الأمة و نخوة الملة.
.."المثقفون المزيفون" أو النصر الإعلامي لخبراء الكذب و التزييف
و اليوم يطيب لنا أن ندعوكم لتصفح مواقف نادرة و بطولية لقلم نزيه في شخص الكاتب والمفكر الفرنسي المعروف ومدير معهد العلاقات الدولية والإستراتيجية، "باسكال يونيفاس" الأكاديمى البارز الذي ينظر بعين و يبكي بعين، بل قل هو مثقف نقدى بالمعنى السارترى، وأحد أبرز المحللين الاستراتيجيين الفرنسيين، ويعتبر باسكال بونيفاس من بين الباحثين والمثقفين، الذين يتمتعون بحضور في المشهد الإعلامي، ويعرف بكونه مناهضا للخطابات الأحادية في القضايا التي تهم الإسلام والعرب وحضور المسلمين في الغرب وكيفية تقديمهم للمشاهد والقارئ الغربي....
أصدر العديد من الأعمال اللافتة، تزيد عن 60 كتابا ترجمت للغات عدة، لعل أهمها: «فهم العالم»، «لماذا كل هذه الكراهية»، و«نحو الحرب العالمية الرابعة» وهو كتاب ينتقد فيه أطروحة «صدام الحضارات» لصموئيل هيتنجتون، وكتاب «من يجرؤ على نقد إسرائيل؟»، وكتاب «المثقفون النزيهون»، وكتاب «المثقفون المزيفون »، حيث كنا أفردنا لهذا الأخير منذ سنوات خلت مقالا بعنوان " المثقفون المزيفون .. النصر الاعلامي
لخبراء الكذب " (2).
صرخة ضمير حي و شهادات موثقة
أين يفضح الكاتب بأدلة دامغة كيف يصنع الإعلام الفرنسي خبراء في الكذب، وكيف يتم استحواذ فئة من الصحفيين والمعلقين والخبراء، على الفضاء الإعلامي والثقافي الفرنسي وقلبهم الحقائق بهدف توجيه الرأي نحو اقتناعات أيديولوجية أحادية البعد..
إذ جاء كتابه «المثقفون المزيفون » كصرخة ضمير حي و شهادة موثقة، يكشف فيه مؤلفه، "ستائر الجريمة الجديدة والخطيرة الممثلة في تزييف الوعي والكذب المتعمد وتغيير الوقائع بهدف التأثير في الجمهور وتوجيه الرأي العام، طبقا لأجندة يختلط فيها السياسي بالمالي والإيديولوجي بالطائفي"، في بعد تام كل البعد عن منطق البحث عن الحقيقة و تمجيدها. من هؤلاء المثقفين المزيفين "أبواق الصهيونية العالمية" عبر كل من "برنار هينري ليفي" قيصر الإعلام الفرنسي وعراب الربيع العربي في ليبيا؛ و"ألكسندر آدلر"؛ و"فرانسوا هزبورغ"؛ و "فريديرك إنسل"؛ و "تيريز دبلش"؛ و"فيليب فال "و" كارولين فوريست" مدللة وسائل الإعلام الفرنسية، التي فبركت وصحيباتها خيوط التهمة الجنسية ضد المفكر طارق رمضان، و العميل محمد سيفاوى الجزائرى الأصل (3).
هؤلاء المرتزقة كما يسميهم الكاتب، ليس من الغريب أن يكون الجامع المشترك بين هذه الأيقونات الثقافية الإعلامية المتعفنة؛ دعمهم المطلق و اللامشروط للوبي الإسرائيلي، في مقابل إصابتهم بالإسلاموفوبيا، ثم قربهم الحميم من مخابرات دواليب السلطة والقرار بأروقة الإليزيه. وهو ما يفسر بالامتيازات العديدة التي يحظون بها ماديا وإعلاميا وسياسيا. لكن يبقى الأهم هو عدم ترددهم في تزييف الحقائق ونشر مغالطات لا علاقة لها بالواقع. فهم لا يتورعون من أجل كسب معاركهم وسجالاتهم بالتضحية بالحقيقة من أجل الانتصار والظهور وإرضاء أصحاب القرار والنفوذ...
في أولى صفحات كتابه «معادٍ للسامية»، الذي يظم مئتي صفحة، كتب باسكال بونيفاس يقول "لم يثبت عني يوما أني تفوهت أو كتبت كلمة أو جملة واحدة توحي بأني معاد للسامية"، ويضيف "ولم ترفع ضدي أية دعوى - ولو مرة واحدة- أمام المحاكم في هذا الصدد"؛ ورغم ذلك فهذه "التهمة الجاهزة تلاحقني" منذ نحو عقدين من عمري، من طرف ساسة وبعض حكام فرنسا
بونيفاس" بهذا القلم الواعد و مبروك لفرنسا بميداد عرق قلم "بونيفاس" المنصف الحر رغم المحن، والحصار، فالرجل لم يتراجع ووقف كالطود الأشم شامخا أمام الأعاصير الهوجاء من اليمين المتطرف الى اليسار المتعجرف في السياسة الفرنسية الموبوءة بكراهية الإسلام و المسلمين، بل و انصف هذا الكاتب في تحاليله المقاومة الفلسطينية على تعدد ألوان ألويتها بغثهم و سمينهم، يا ريت لو يتجند بعض مثقفينا ودور النشر الملتزمة لترجمة مؤلفاته وفتح رواق المعرفة على مصراعيه بينه و بين القارئ العربي الذي حرم بقصد أو غير قصد من أفكاره و أنواره ، فــ"الحكمةُ ضالةُ المؤمنِ حيثما وجدَها فهُو أحقُّ بها"، كما جاء في الحديث الشريف..{ولله في خلقه شؤون}.
.