335
2
سنتان على رحيل الزميل فنيدس بن بلة.. يمضي الرجال ويبقى الاثر

سعيد بن عياد
تمر سنتان على رحيل الزميل الصحفي فنيدس بن بلة، الذي وافته المنية في 21 ماي 2023. واذ نترحم مجددا على روحه الطاهرة داعين الله أن يتغمده بواسع رحمته، أحاول من خلال هذه الأسطر أن استذكر بعض خصال الرجل كصحفي ثم مدير تحرير فمديرا عاما لجريدة "الشعب".
كان اول لقاء مع الفقيد فنيدس بن بلة في منتصف الثمانينات بمؤسسة الشعب بحسين داي. كان يشتغل بأسبوعية أضواء حينذاك، عنوان تابع لمؤسسة عريقة تضم الجريدة الأم الشعب وأسبوعية أضواء والمنتخب الى جانب مطبعة قبل ان تفصل عنها. كنا يومها نتجه لتغطية مؤتمر عربي حول الطاقات المتجددة بقصر الامم وتشكلت أولى لبنات صداقة دامت حوالي اربعة عقود كلها احترام وجدية. مذاك تعززت صداقة مهنية في الأساس مع مرور السنين إلى أن التحق بجريدة الشعب مسطرا فيها مسيرة مهنية كلها مبادرة وجاهزية والتزام. اشتغل في القسم الدولي ثم القسم الوطني، ليواصل في مواقع مسؤولية اخرى. الفقيد الإنسان كانت تطبعه قيم فيها من الأخلاق والصدق منفتح على نقاشات جدية بما فيها الرياضة محليا وعالميا. كان الفقيد شديد الحرص على انتاج وتقديم مادة اعلامية ولا يتأخر عن التواجد في الميدان. نسج علاقات طيبة مع زملاء من مختلف الجرائد والقنوات. شارك ايضا في منابر تلفزيونية معبرا عن مواقف واضحة من قضايا وطنية ودولية.
ولما تولى قيادة جريدة الشعب في ظروف وطنية صعبة أواخر 2019 انكب على تولي المسؤولية لضمان ديمومة النشاط متحملا عبئا واجهه بصمت وهدوء بهدف النهوض بالعنوان من خلال محاولة تكريس مناخ هادئ وتحفيز العمال من خلال تواصل جواري. ومع قدوم وباء كوفيد 19 تعاظمت المهمة. لقد بادر بتخصيص ميزانية للوقاية وحماية العمال من عدوى الفيروس الغادر. كان يتابع كل جزئية همه ان يصدر العدد في احلى حلة وبمضمون قوي وشامل للحياة الوطنية والمحلية. مرة سحب شرطي رخصة سياقة أحد السواق فتنقلنا معا ليلا الى مصالح الشرطة لتسوية الأمر لضمان نقل العمال. كان يتعامل مع المتاعب بالنكت ويتسع صدره لكل ما يعكر صفو الفضاء الجواري، كان متسامحا الى أبعد الحدود ودرجا ذلك ضمن متاعب المسوؤلية. كان يشتغل حوالي اربعة عشر ساعة في اليوم منتجا ومؤطرا ومرافقا.
ما احتفظ به عن الرجل في ممارسة مهنة الصحافة أنه بالرغم من تولي مسؤولية مدير عام الاّ أنه حافظ على كتابة الافتتاحية يوميا، مستنزفا الجهد وعلى حساب الصحة. كان لا يقتنع بصدور عدد بلا افتتاحية تشرح مرامي السياسة الوطنية وأهداف الدولة التنموية والسياسية وابراز مواقف الجزائر الدولية في وقت تكالبت فيه قوى الشر والطغيان على الجزائر.
ومع أنه تعرض لوعكة صحية ألمّت به طويلا تمسك بالحضور المهني بابتسامته المعهودة. وما أن ذهب الى التقاعد حتى بقي متواصلا مع محيطه فلم يكن من السهل القطيعة مع بيئة قضى فيها أربعة عقود ومنحها شبابه وقوته. وذات يوم 21 ماي 2023 فوجئنا برحيل زميل عزيز تقاسمنا معه الملح وتحملنا معا المتاعب. كان انسانا سخيا وكريما الى ابعد الحدود. واليوم نترحم على روحه الطاهرة.