51
0
سميرة راتم… حرفية تعيد إحياء الازياء التقليدية وتحفظ ذاكرة الهوية

في زاوية من زوايا المعرض كانت تقف السيدة سميرة راتم، هادئة بين الالوان والاقمشة التي تحمل ذاكرة التراث.
هارون الرشيد بن حليمة
ورغم انقضاء المعرض منذ وقت طويل، الا ان تلك الزاوية لا تزال حاضرة في ذاكرة كل من مر بها، فقد تركت اثراً لا يشبه زوايا العرض العابرة، لانها لم تكن مجرد مساحة لعرض الازياء، بل فضاء صغير يحمل ملامح الهوية وروح الصناعة التقليدية الجزائرية.
خريطة الجزائر على طاولة واحدة
كانت زاوية سميرة اقرب الى خريطة مصغرة للجزائر. فاللباس النايلي بنقوشه وبياضه كان يتمدد على الجهة اليمنى، والزي القبائلي بألوانه الحية ورموزه الهندسية يحتل موقعه في الوسط، بينما يعرض الزي الشاوي بثقله وقيمته في الجهة المقابلة.
وفي الواجهة، كان القفطان الجزائري يبرز كقطعة تجمع بين الاصالة والاناقة الحديثة. كل قطعة في هذا الركن كانت تحمل حكاية امرأة، وذاكرة اسرة، واثراً من منطقة مختلفة من الوطن

حرفة تتحول الى مشروع ثقافي
لم تتعامل سميرة مع الحرفة باعتبارها مجرد صنعة، بل كانت ترى فيها بحثا ثقافيا يوميا. كانت تبدأ عملها من جمع المعلومات حول النقوش القديمة، وتعود الى حرفيات كبيرات لتوثيق طرق التطريز.

ثم تختبر الالوان والاقمشة وتعيد تشكيل القصات بما يحافظ على الاصالة ويستجيب لجمالية الحاضر. كانت تقول لزوارها ان الحفاظ على الزي التقليدي ليس مجرد عمل يدوي، بل مسؤولية تجاه الذاكرة الثقافية للنساء في الجزائر.
الزوار بين الفضول والحكاية
كانت زاويتها تستقطب الزوار ممن يبحثون عن معنى اكبر من مجرد قطعة تقليدية. وقف كثيرون طويلا امام القفطان يسألون عن الغرز والخيوط.

ولمس آخرون الزي القبائلي بحرص شديد وكأنهم يلمسون جزءا من تاريخ العائلة.
وكانت سميرة في كل مرة تقدم شروحاتها الهادئة، لتتحول من صانعة ازياء الى راوية حكايات، تربط كل قطعة بالسياق الاجتماعي والثقافي الذي جاءت منه.

رؤية اكبر من التجارة
لم تكن رؤية سميرة مقتصرة على البيع، بل كانت تحمل مشروعا أوسع يقوم على حماية الازياء التقليدية من الاندثار، وتدريب الجيل الجديد على تقنيات الصناعة التقليدية، وتحويل التراث الى قيمة ثقافية واقتصادية. كان ذلك واضحا في طريقة ترتيب جناحها، وفي سعيها لتقديم كل قطعة كوثيقة ثقافية قبل ان تكون منتجا.
اثر يستمر بعد اطفاء الاضواء
مع نهاية المعرض، انطفأت الاضواء وطويت الاجنحة، لكن زاوية سميرة راتم بقيت حاضرة في الذاكرة.
بقيت صور اعمالها تنتشر بين الزوار، وبقي حديثها عن الهوية جزءا من روح الفعالية. لقد قدمت في تلك الزاوية الصغيرة ما هو ابعد من عرض للالبسة التقليدية، قدمت درسا في معنى الوفاء للتراث، وفي ان الهوية يمكن ان تعيش طويلا اذا وجدت من يحافظ عليها ويعيد تقديمها بصدق.

