354

0

سلسلة 300 يوم حرب في جحيم السجون الصهيونية

الحلقة (29) كيف عرفنا موعد رمضان وما هو سحورنا وفطورنا؟

بقلم الأسير المحرر : إبراهيم ابو صفية

بدأنا نترقب شهر رمضان 2024 في قسم 26 بـ سجن النقب الصحراوي، قبيل أيام، ونلح على كل أسير يخرج للمحكمة أو لـزيارو محامي أو "بوسطة" أن يستفسر لنا حول الحسابات الفلكية، وإلى أي يوم تشير بأنه سيكون "غرة الشهر الكريم".

الجميع يترقب بداية الشهر، ولكن كيف نعرف متى سيبدأ ونحن معزولون تمامًا عن العالم؟ لا راديو، لا هواتف، لا أخبار، لا شيء سوى أصوات السجانين وأقدامهم التي تجوب الممرات، تحمل معها المزيد من القمع لا الأخبار. كل أسير يخرج للمحكمة، أو للزيارة، أو حتى في "البوسطة" كان يعود بقطرات شحيحة من المعلومات، وكأنها تهطل من سماء بعيدة. 

لأننا كنا معزولين عن العالم، حيث فقدنا أخر راديو في القسم مطلع شهر 1، وسبق ذلك قطع الاتصال الهاتفي بعد مصادرة كمية كبيرة من الهواتف والراديوهات، وأصبحنا نتقصا أخبار الخارج عبر (المحاكم والمحامين والبوسطات) وفي أحسن الأحوال نصرخ الأقسام الأخرى حتى يزودنا ما عندهم، غير أن غالبية أقسام النقب كانت آنذاك أصبحت معزولة مثلنا تماما. وحسب التوقعات وما يصلنا بأنه سيكون شهر رمضان لعام 2024 إما يوم الاثنين 11/3 أو 12/3/2024، وأن مراقبة القمر سيكون بعد مساء الأحد. عصر ذلك اليوم، اجتمعنا عند نوافذ الزنازين، وبدأنا نناقش: ماذا لو لم يصلنا تأكيد؟ هل نصوم احتياطًا؟ لكن ماذا لو لم يكن رمضان قد بدأ؟ من سيخرج غدًا للمحاكم أو الزيارات عليه أن يتحقق لنا من الخارج. سنعلن صيامنا غدا، ومن يخرج للمحاكم والزيارات، يتأكد لنا، وعند عودته، إن كان رمضان قد دخل ها هنا نحن في السليم، وإذا لم يكن قد دخل نفطر. وبقي هذا النقاش دائر بيننا، رغم أن محاولات كثيرة من الشباب محاولتها معرفة موعد شهر رمضان من خلال السجانين وضباط العدد والمناوبين منهم، إلا أن في هذا القسم 26 كان التعامل معنا عزلا تاما، وينكرون علينا أي معلومة، والرد كان صمتًا قاسيًا، وجوه متجهمة.

إلا أن بعض الشباب، لم يتحمل هذا نكران المعلومة ولم يتحمل الاجتهادات التي تطرح، وكنا نعرف بأن هناك راديو مخفي في قسم 27 الذي يقع خلف قسمنا ويفصلنا عنه ساحة تبعدنا عنه ما يقارب حسب تقديرنا 100 متر إضافة للحواجز والموانع التي تحجب عنا الرؤية وسماع الصوت العادي. بدأ أحد الشبان بعد صلاة المغرب، بالصراخ على قسم 27، وتوحد خلفه بعض الشبان حتى يصلهم صوتنا، وفعلا بعد التكرار مرارا، بدأنا نسمع أصواتهم والرد علينا. ومرة واحدة وبصوت واحد سأل الشبان بصوت عال (بكراااا صيام ولا لاااا، فجاءنا الصوت مباشرة 👈 بكرااااا صيام كل عام وانتوا بخير). كان الخبر أشبه بانفجار ضوء وسط عتمة القيد. التفتنا لبعضنا البعض، فرحة خفية في العيون، وابتسامات رغم القيود.

عرفنا أن رمضان قد حل! لكن لحظات الفرحة لم تدم طويلًا، إذ دوى صوت اقتحام وحدة القمع. طرقات قوية على الأبواب، صراخ، تهديد، وعيد. لم يكن الأمر مفاجئًا، فقد كان الصراخ والتواصل بين الأقسام ممنوعًا، ومع ذلك لم نكترث كثيرًا، فقد حصلنا على أهم معلومة كنا ننتظرها. "رمضان كريم يا شباب، لكن انتظروا العقوبات غدًا"، قال أحد الأسرى مبتسمًا وهو يرفع حاجبيه بسخرية.

صباح اليوم التالي، بدأ "الانتقام". عمليات تفتيش عنيفة، تبديل أسرى بين الغرف والأقسام، عقوبات جماعية، لكن رغم كل شيء، كنا نشعر بالسكينة. كان اليوم الأول من رمضان، وما عادت القيود تعني شيئًا أمام ذلك الشعور الإيماني الذي غمرنا جميعًا.

حتى هذا اليوم أي يوم العاشر من أذار 2024، كان سجن النقب الصحراوي تُمنع فيه صلاة الجماعة ومن يصليها يعاقب بل ويضرب، كما ولا يوجد فيه أي مصحف، التي تم مصادرتها خلال ما سبق من الحرب التي شنت بالتوازي مع حرب الإبادة على غزة شنت أيضا على الأسرى في السجون، وتحديدا هنا سجن النقب الذي كان له النصيب الأكبر في القمع وممارسة كل العنف وتنفيذ سياسات الحرمان والتجويع والتنكيل والإهانة. 

شهر رمضان ورحمته علينا 

كان شهر رمضان في سجن النقب، شهر رحمة علينا، فبعد الترهيب والتهديد في ليلته الأولى، وتنفيذ الوعيد بالتنقلات والقمع، إلا أن في نهار يومه الأول، أعيدت لنا الماء على مدار الساعة بعد 3 شهور لم تكن تأتي إلا ساعة واحدة، وتم توزيع مصحف واحد على كل غرفة في القسم، وتم إعادة إضاءة الكهرباء التي قطعت منذ فترة طويلة وتحديدها من الساعة الـ الخامسة مساءا حتى العاشرة ليلا. والأهم من ذلك كله، هو السماح لنا بالصلاة الجماعة وخصوصا الصلاة الجهرية، شريطة أن لا يكون صوت الإمام عال، وطلب أن عندما يمر السجان في ساحة القسم ممنوع أن يسمع صوت القران، اي يجب حصر الصوت بصوت خافت. رأينا في هذه التسهيلات إنجازا عظيما، خفف عنا بعض العبء من التوتر وخصوصا في الصلاة التي كنا نصليها على عجل خوفا من أن يرانا السجان ونعاقب ونضرب ونهان، إضافة إلى أن وجود مصحفا في الغرفة، هذا كان لنا شيئا عظيما، وخصوصا على مستوى الذاكرة التي ترهلت لابتعادها عن أي معلومة جديدة تدخل عليها، وأنها لم تمارس القرأة التي تدرب الذاكرة. رغم أن المصحف سيتم تقسيم وقته على 10 شبان وفي بعض الغرف كما غرفتي قسمنا وقته علينا وكان عددنا 11 شابا، أي كان الشاب الواحد يستطيع أن يقرأ ساعة أو بعض ساعة على مدار اليوم والليلة؛ لأن هناك (تفتيشا وعددا ونوما، غير أن لا يوجد إنارة في الليل). كما أن عودة المياه على مدار الساعة، كان لينا عيدا، ساتحدث عن ذلك بمادة خاصة.

"على الأقل هذا العام، بدأ رمضان ونحن نعرف موعده"، قال أحد الأسرى وهو يمد يده ليتصفح المصحف، ثم أضاف مبتسمًا: "ولكن السؤال الأهم... ما هو السحور والفطور غدًا؟"انتظرونا في الحلقة (30): كيف كان طعامنا في رمضان؟

شارك رأيك

التعليقات

لا تعليقات حتى الآن.

رأيك يهمنا. شارك أفكارك معنا.

barakanews

اقرأ المقالات البارزة من بريدك الإلكتروني مباشرةً


للتواصل معنا:


حقوق النشر 2025.جميع الحقوق محفوظة لصحيفة بركة نيوز.

تصميم وتطويرForTera Services

barakanews

اقرأ المقالات البارزة من بريدك الإلكتروني مباشرةً


للتواصل معنا:


حقوق النشر 2025.جميع الحقوق محفوظة لصحيفة بركة نيوز.

تصميم وتطويرForTera Services