463
0
شخصيات وهيئات دولية، تهنئ أحد كبار علماء العرب العاملين في هندسة الصناعات الأمريكية وتطوير التكنولوجيا لتطبيقات الطاقة !!
محمد مصطفى حابس: جنيف / سويسرا
إن “هجرة العقول” أو “هجرة الأدمغة” مصطلح يطلق على هجرة العلماء والمتخصصين في مختلف فروع العلم والمعرفة من بلد إلى آخر طلبا لرواتب أعلى أو التماسا لأحوال معيشية أو فكرية أفضل، وعادة ما تكون هجرة العقول من البلدان النامية إلى البلدان المتقدمة، كما تعد المنطقة العربية أكثر المناطق التي يضطر علمائها وكفاءاتها إلى الهجرة وهم من المهندسين والأطباء وعلماء الذرة والفضاء، حيث أن أكبر نسبة مهاجرين للأدمغة في العالم من سكان المنطقة العربية مع كل أسف!!
وهذا نموذج من هذه العملة العربية النادرة، إنه البروفيسور الدكتور محمد الصغير الباحث الجزائري الدولي المعروف، الذي يعتبر علامة مسجلة نفيسة واسم ارتبط عبر العقود الأخيرة بعلوم الفيزياء وتحديات تطوير التكنولوجيا لتطبيقات الطاقة في المخابر الامريكية ..
تقوم منذ سنوات، على أكثر من صعيد - كما كنا قد أشرنا لذلك في مقالات سابقة - أن شخصيات طبية وعلمية جزائرية مرموقة مهاجرة في بلاد الغرب، تقوم بمجهودات كبيرة معتبرة في فنون علمية و تخصصية عديدة، يستفيد منها الغرب، عملا بالمثل " الخبز الطايب يأكله البراني" أي (الخبز الجاهز الطازج يأكله الأجنبي)، منها نجدة المرضى وإسعافهم جراء ما ألم بالناس في المدة الأخيرة من جائحة كورونا الوافدة، على سبيل المثال، رغم ذلك مجهودات خيرات سواعدنا عادت الينا ولو في حالة الضيق و الشجة !!
دروس متجددة من محنة زمن كورونا
كما يذكر الجميع في المدة الاخيرة يوم كانت الجزائر تصارع محنة كورونا، إذ تعد الأكثر تضررا في الدول العربية، حسب الاحصائيات المعلنة رسميا حينها، و كانت هبة النخبة كل بما تيسر من وقته و علمه و ماله، حيث كانت هيئات حتى دولية بعيدة عن مسرح الاحداث، كشبكة ايناس بأمريكا التي بادرت بتنظيم ندوات و ترتيبات تحفيزية للنجدة و المساعدة، نشطها علماء في تخصصات عدة من هذه الشبكة..
في ذات الوقت شرعت كوكبة خيرية أخرى من الأساتذة والأطباء الفضلاء والفضليات في أوروبا لتنفيذ مشروع طبي حيوي للمساهمة في إنقاذ أرواح أهاليهم الجزائريين داخل الوطن من آثار هذا الوباء الخطير، وقد ارسلوا يومها الاف الحقائب التنفسية للنجدة و قد استلمت ذلك هيئات جزائرية، منها جمعية العلماء المسلمين الجزائريين بالتنسيق مع هيئات اغاثية ووزارة الصحة العمومية، و قد وزعت على جل ولايات الوطن، ولله الحمد...
وفي أمريكا على سبيل المثال سمعنا وتابعنا ما يقوم به أطباء وخبراء من أصول جزائرية من مساهمات وإرشادات ومشاريع مباركة لنجدة الآخرين، عبر منظمة " إناس"
International Network of Algerian Scientists - INAS
" الشبكة العالمية للعلماء الجزائريين " " إناس في خدمة الناس
وقد دعت منذ سنوات "إناس" علماء وخبراء الجزائر من مختلف القارات لتشكيل فرق عمل متخصصة في مختلف المجالات لكي يكونوا في مستوى التحدي، وأن يكونوا على أهبة الاستعداد للتضحية تلبية لنداء الواجب متى احتاجتهم أمتنا في مجالات خبرات كل فرد منهم، على اختلاف تخصصاتهم، أو كما رفع أحد أعضائها يوم تأسيسها شعار خدمتها بقوله لنا " إناس في خدمة الناس "!! ،و باللغة الامازيغية كلمة " إناس" أي قل له أو أخبره أن مؤسسة إناس في خدمة الصالح العام" !!
و أن شبكة " ايناس" الجزائرية الروح و الامريكية الموطن، تهنئ هذا الأسبوع أحد رجالها، و أحد العقول العلمية الدولية المهاجرة، بمناسبة تقاعده المبكر عن العمل الملزم، ليتفرغ لأعمال علمية و انسانية أخرى بفسحة وقت اكثر و بنفس جديد مصحوبا بحيويته المعهودة، على حد تعبيره.
من الجزائر لأمريكا ، مشوار رجل و مسيرة عالم:
اختار الدكتور محمد الصغير، الباحث الرئيسي في شركة Dow’s Wire & Cable R &D التقاعد في وقت مبكر من هذا الصيف بعد 32 عامًا في مجال البحث والتطوير ، 26 عامًا منها مع شركة Dow Chemical.
قبل تقاعده ، حصل د. محمد الصغير على جائزة Dow Doug Leng Award المرموقة للتميز في البحوث الهندسية والعلوم التطبيقية.
قبل انضمامه إلى شركة Dow في عام 1997 ، أكمل د. الصغير مهمة ما بعد الدكتوراه ثم انضم للعمل مع كونسورتيوم برعاية مجموعة صناعية للبحوث في معهد PPI. ثم شغل مناصب في Polyolefins R&D و Core R&D قبل الانضمام إلى Dow Wire & Cable R&D في عام 2007.
على مدى السنوات العديدة الماضية، قدم د. الصغير القيادة الفنية لمحفظة بحوث الاتصالات مع مسؤولية تطوير الاستراتيجية وابتكار المواد و قام بدور أساسي في تطوير التكنولوجيا لمنتجات جديدة لتطبيقات الألياف البصرية وكابلات البيانات وعمل أيضًا على تطوير التكنولوجيا لتطبيقات الطاقة.
يتجسد عمل د. الصغير في التوثيق الغزير في أكثر من 53 منشورًا علميا وعرضًا تقديميًا وأكثر من 640 اقتباسًا و نتج عن دافعه للابتكار العلمي عن أكثر من 175 طلب ومنح براءات اختراع.
حصل د. الصغير على درجة مهندس الدولة من المعهد الجزائري للبترول ببومرداس، ودرجة الماجستير والدكتوراه في الهندسة الميكانيكية والفضائية من جامعة Rutgers.
خارج مسيرته المهنية مع شركة Dow ، نشط د. الصغير في لجنة ندوة الأسلاك والكابلات الدولية (IWCS) منذ عام 2015، وهو حاليا رئيس مجلس إدارة مدرسة نور الإيمان في مونماوث جانكشن ، نيوجيرسي بالولايات المتحدة الامريكية ، و هو عضو مجلس الإدارة المؤسس لـلشبكة العالمية للعلماء الجزائريين (INAS).
دعوة للانضمام إلى تهنئة و تكريم مسار الدكتور محمد الصغير
وما ان تداولت وسائل التواصل الاجتماعي تفرغ الدكتور محمد الصغير احالة نفسة على التقاعد المبكر، حتى انهالت التهاني والتبريكات و التكليفات !! علق جمع غفير من معارفه، من الطلبة و الأساتذة و الزملاء ، مشيدين فيها بمناقب مسيرة الأستاذ محمد الصغير وخصاله الاصيلة النبيلة، مذكرين بتضحياته و تفانيه كمربّى مرابط في ثغر التربية الرسالية في بلاد الغرب، ملازما للصحوة الفكرية والروحية والأخلاقية والاجتماعية التي عاشتها جاليتنا المسلمة في امريكا منذ وصوله الى جامعاتها ومساجدها، "بل وكان أحد الفاعلين المؤثرين فيها، منذ أن كان طالبا، دون أن يفتر أو يغير أو يبدل، رغم وفرة المناصب و المحفزات وتعدد اشغاله الطلابية و البحثية، و ما أكثرها في المؤسسات و المخابر الغربية عموما و الامريكية خصوصا التي " تستنفذ أحيانا وقت بل سنوات عمر الانسان كله أو ضعفه بمغريات مادية لا حد لها و لا عد "، كما علق على ذلك بعض معارفه" ..
النموذج الرسالي، عُملَته النفيسة النادرة: " إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاَحَ مَا اسْتَطَعْتُ" !!
و لان أكدت - من جهتها - شبكة " ايناس" مناشدة نخبنا بقولها " ندعوكم للانضمام إلى تهنئة الدكتور الصغير على هذا الإنجاز الهام !!"، أي التفرغ لأشغال اخرى علمية وإنسانية خيرية، وهو اختيار محمود يقوم به كبار العلماء للتفرغ لمشاريع اخرى علمية او بحثية شخصية أو للتفرغ لشؤون عائلية او غيرها مع جعل حصة الاسد للراحة و التفسح بعد مشوار طويل من العطاء مرهق، وهو أمر طبيعي وارد قد يقوم به تقريبا كل باحث نزيه، أما نوعية الدكتور الصغير فهي التفرغ لخدمة الاخر في مشروع رسالي متكامل مهما كانت تكاليفه الباهظة أحيانا على حساب الصحة مع التقدم في العمر أو شح أنصار المشروع من جهة و ضعف ذات اليد أحيانا بالنسبة للمشروعات الفردية التي لا تتلقى دعما من المؤسسات و الدول، عملا بقوله تعالى: " إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاَحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ” "( هود / 88)، وهو الشعار الذي جعله دعاة الرسالة الخاتمة في الشرق كما في الغرب منهج حياة، وهو ذات الشعار( الاية) الذي رفعه وعمل وفقه عميد الاصلاحيين الجزائريين المعاصرين في الغرب، شيخنا العلامة محمود بوزوزو، رحمه الله!!.
!!" نعيش لله والوطن والإنسانية"
حيث كان عمل الشيخ محمود بوزوزو الإصلاحي في اوروبا مدة أزيد من نصف قرن يصب تحديدا في نفس القالب، أي ما تربى عليه من ثوابت الأمة، أيام صباه في الجامع الأخضر عند شيخه و وعلمه الأول الامام العلامة عبد الحميد بن باديس، فقد عاش فعلا هو أيضا بطريقته "للإسلام والجزائر" ولو عن بعد من أوروبا، المقولة الشهيرة لابن باديس، التي تساءل فيها في ندوة شهيرة بنادي الطرقي بالعاصمة بقوله لأصحابه : " لمن أعيش؟ ثم أجاب : أعيش للإسلام والجزائر!!"
كما يبين ذلك بوضوح شديد في مقولة الإمام بوزوزو للكشافة الاسلامية، وهو مرشدها العام في أربعينات و خمسينات القرن الماضي أثناء الاستعمار البغيض، حول فلسفة الحياة، رافعا شعار" نعيش لله والوطن والإنسانية"، وهي نفس الشعار الذي رفعه شيخه العلامة ابن باديس، التي قال فيها، " أعيش للإسلام و الجزائر"!!.
( أنظر مقالنا بالفرنسية: الشيخ العلامة محمود بوزوزو، سيرة ومسيرة الإمام المصلح والأستاذ الجامعي في بلاد الغرب، أكثر من نصف قرن من العمل الإسلامي على مختلف الجبهات
(مجلة الشاب المسلم، عدد 50 / لسنة 2023 ، ص:6/11)، و مواقع اخرى.
من جهتنا نلح أخويا ، آملين على نخبنا المتواجدة في ربوع عالمنا الاسلامي و الغربي حسن الاقتداء بمثل هؤلاء العلماء العاملين، دنيا و دين، سلوكا وممارسة.. إلى يوم الدين.
متمنين للدكتور محمد الصغير مزيدا من الإنجازات في تخصصه العلمي البحثي والانساني التربوي، نظير ما حباه الله به من علم شرعي ودنيوي، ممارسة وسلوكا وهي خصال يصعب اكتسابها لدى نخبنا المعاصرة .. والله موفق الجميع لسبل الخيرات، خاصة عباده الصالحين المصلحين، اليوم و كل يوم، و ما ذلك على الله بعزيز .. والله ولي التوفيق!!