165

0

شبكة المال في الظلّ: القضاء الفرنسي يفتح ملف تحويلات مشبوهة لقيادات حركة “ماك” المصنّفة إرهابية

 
بقلم الحاج بن معمر 
في تطوّر قضائي لافت يعيد تسليط الضوء على الواجهة الخفية لتمويل الحركات المتطرّفة، كشفت معطيات قضائية متداولة في الأوساط الإعلامية عن فتح النيابة المالية الوطنية في فرنسا تحقيقًا معمّقًا حول تحويلات مالية مشبوهة تُقدّر بملايين اليوروهات يُشتبه في توجيهها إلى قيادات حركة “ماك” المصنّفة كتنظيم إرهابي من طرف الدولة الجزائرية.
 
التحقيق، الذي يُنظر إليه كأحد أخطر الملفات ذات الطابع المالي–الأمني في السنوات الأخيرة، يضع تحت المجهر شبكات معقّدة يُعتقد أنها استُخدمت لتبييض الأموال وتمويل أنشطة تهديدية انطلاقًا من التراب الأوروبي.
 
التحقيق، وفق ما تداوله متابعون للشأن القضائي الفرنسي، تقوده النيابة المالية الوطنية (PNF)، وهي الهيئة المختصة بالجرائم الاقتصادية الكبرى، ويستهدف تتبّع تدفّقات مالية سرّية جرى تمريرها عبر جمعية ثقافية غير ربحية مسجّلة قانونيًا في فرنسا، لكن يُشتبه في أنها استُغلت كواجهة قانونية لإخفاء مسارات التمويل الحقيقي وتحويل الأموال بطرق غير مشروعة لفائدة قادة الحركة.
 
جمعية ثقافية… أم غطاء مالي؟
 
النقطة المفصلية في هذا الملف تتمثّل في الاشتباه باستغلال الإطار القانوني للجمعيات الثقافية غير الربحية، التي تحظى عادة بتسهيلات إدارية وضريبية، لتمرير تحويلات مالية كبيرة خارج الرقابة الصارمة. التحقيق يركّز على عدم التناسب بين طبيعة النشاط المصرّح به للجمعية وحجم الأموال المتداولة، إضافة إلى مسارات التحويل التي مرّت عبر حسابات متعددة داخل فرنسا وخارجها، بما يثير شبهات قوية حول تبييض أموال وتمويل غير مشروع.
 
مصادر متابعة للملف تشير إلى أن المحققين يدرسون بدقة هوية المتبرعين، طبيعة التحويلات، تواريخها، والجهات النهائية المستفيدة منها، مع مقارنة ذلك بخطاب الجمعية وأنشطتها المعلنة، التي لا تبرّر بأي حال من الأحوال أرقامًا مالية وُصفت بـ«الضخمة وغير المألوفة» بالنسبة لجمعية ذات طابع ثقافي محدود.
 
النيابة المالية تدخل على الخط
 
قرار النائب المالي في باريس بفتح تحقيق شامل يعكس جدّية الاشتباه وارتفاع مستوى المخاطر المرتبطة بالقضية.، فالنيابة المالية لا تتحرّك عادة إلا في الملفات التي تتضمن شبهة جرائم مالية معقّدة ذات امتدادات عابرة للحدود، وهو ما يوحي بأن القضية قد لا تتوقف عند جمعية واحدة أو تحويلات معزولة، بل قد تكشف عن شبكة أوسع من الوسطاء والداعمين.
 
التحقيق يشمل، بحسب ما يُتداول، مراجعة حسابات بنكية، طلب إنابات قضائية دولية، وتتبع تدفقات مالية عبر منصات تحويل مختلفة، إضافة إلى فحص علاقات محتملة بين أطراف داخل أوروبا وقيادات الحركة خارجها،  هذا المسار قد يفضي إلى تجميد أصول، متابعات قضائية، أو حتى حلّ الجمعية المعنية في حال ثبوت استغلالها لأغراض غير قانونية.
 
البعد السياسي والأمني للقضية
 
لا يمكن فصل هذا التحقيق عن السياق السياسي والأمني العام. فتمويل الحركات المصنّفة إرهابية، حتى وإن تمّ تحت غطاء ثقافي أو حقوقي، يُعدّ خطًا أحمر في المنظومة القانونية الفرنسية والأوروبية، كما أن هذا الملف يعيد طرح سؤال مسؤولية الدول الأوروبية في مراقبة نشاط بعض الجمعيات التي قد تتحوّل، عن قصد أو عن غير قصد، إلى أدوات لزعزعة استقرار دول أخرى.
 
في هذا الإطار، يرى متابعون أن التحقيق قد يشكّل سابقة قانونية مهمّة، خاصة إذا أثبت وجود تواطؤ أو تقصير في الرقابة المالية، ما قد يدفع السلطات الفرنسية إلى تشديد آليات المراقبة على الجمعيات، خصوصًا تلك التي تنشط في ملفات حسّاسة ذات امتدادات سياسية أو أمنية خارجية.
 
رسائل تتجاوز حدود فرنسا
 
التحقيق القضائي لا يحمل بعدًا قانونيًا فحسب، بل يبعث برسائل سياسية واضحة: المال المشبوه لم يعد بمنأى عن المتابعة، مهما كان الغطاء المستخدم. كما يعكس تحوّلًا متزايدًا في المقاربة الأوروبية، التي باتت أكثر حذرًا تجاه توظيف الخطاب الثقافي أو الحقوقي كوسيلة لتمرير أجندات راديكالية.
 
بالنسبة للجزائر، يُنظر إلى هذه التطورات على أنها تأكيد إضافي على خطورة شبكات التمويل الخارجي لبعض الحركات، وعلى أهمية التعاون القضائي والأمني الدولي في تجفيف منابعها،  أما على المستوى الأوروبي، فقد يفتح الملف نقاشًا أوسع حول التوازن بين حرية العمل الجمعوي وضرورات الأمن القومي.
 
إلى أين يتجه التحقيق؟
 
حتى الآن، لا تزال التحقيقات في مراحلها الأولية، ويُفترض قانونًا احترام قرينة البراءة إلى غاية صدور أحكام نهائية،  غير أن المؤشرات الأولية، وحجم الأموال المتداولة، وطبيعة المسارات المالية المعقّدة، تجعل من هذا الملف قضية رأي عام بامتياز، مرشّحة للتوسّع وكشف أسماء جديدة خلال الأشهر المقبلة.
 
المراقبون يتوقعون أن تتضح الصورة أكثر مع تقدّم التحقيقات، سواء عبر توجيه تهم رسمية، أو اتخاذ إجراءات احترازية بحق الكيانات المعنية. وفي كل الأحوال، فإن ما يجري اليوم في أروقة القضاء الفرنسي يؤكد حقيقة واحدة: تمويل التطرف، مهما ارتدى من أقنعة، يترك أثرًا ماليًا لا يمكن إخفاؤه إلى الأبد.
 
بهذا التحقيق، تدخل القضية منعطفًا حاسمًا قد يعيد رسم خريطة التعامل الأوروبي مع ملفات التمويل السياسي المشبوه، ويؤسس لمرحلة أكثر صرامة في تتبع المال حين يتحوّل من وسيلة دعم ثقافي إلى أداة تهديد عابر للحدود.

شارك رأيك

التعليقات

لا تعليقات حتى الآن.

رأيك يهمنا. شارك أفكارك معنا.

barakanews

اقرأ المقالات البارزة من بريدك الإلكتروني مباشرةً


للتواصل معنا:


حقوق النشر 2025.جميع الحقوق محفوظة لصحيفة بركة نيوز.

تصميم وتطويرForTera Services

barakanews

اقرأ المقالات البارزة من بريدك الإلكتروني مباشرةً


للتواصل معنا:


حقوق النشر 2025.جميع الحقوق محفوظة لصحيفة بركة نيوز.

تصميم وتطويرForTera Services