بقلم الحاج بن معمر
في ظل إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ظهرت العديد من المبادرات السياسية التي تهدف إلى إعادة صياغة خريطة الشرق الأوسط، وكان من أبرزها الحديث عن توطين الفلسطينيين في مناطق مثل سيناء المصرية والأردن.
هذه المبادرات أثارت جدلاً واسعاً، سواء على المستوى الرسمي أو الشعبي، مما يطرح تساؤلات حول مستقبل القضية الفلسطينية وإمكانية نسف مشروع حل الدولتين.
وتسعى الولايات المتحدة منذ عقود إلى إيجاد حل للصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وقد تباينت استراتيجيات الإدارات الأمريكية في هذا السياق، ومع وصول ترامب إلى الحكم، اتخذت إدارته خطوات مثيرة للجدل، مثل الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة الأمريكية إليها.
هذه الخطوات أظهرت انحيازاً واضحاً لإسرائيل، مما دفع العديد من المراقبين إلى الاعتقاد بأن إدارة ترامب تبحث عن حلول بديلة للقضية الفلسطينية، تم تداول فكرة توطين الفلسطينيين في الأونة الأخيرة بعيد فوز ترامب لعهدة ثانية وذلك من أجل الضغط على الحكومة المصرية من أجل فرض واقع جديد وذلك بالسعي من أجل تهجيرة الفلسطينيين في غزة نحو جنوب سيناء كجزء من خطة "صفقة القرن"، أو مايعرف بالشرق الأوسط الجديد وفق الإدارة الأمريكية مما يخدم مصالح الكيان الإسرائيلي تحت شعار المال مقابل السلام ..أوالإستسلام....
يذهب الكثير من المتابعين السياسيين وحتى العسكريين إلى أن هذه الخطة قد تناقض إتفاقيات السلام من الأساس وقد تدفع بالمنطقة في أتون حرب إقليمية جديدة تودي بالمنطقة إلى المجهول كمايُعتقد أن هذه الخطة تهدف في الأساس إلى تخفيف الأعباء عن إسرائيل من خلال نقل الفلسطينيين إلى أراض جديدة.
إذا تم تنفيذ هذا الخيار، قد يتسبب في تغيير التركيبة السكانية في سيناء ويؤدي إلى توترات مع السكان المحليين، أما بالنسبة للأردن، فهو يستضيف عددًا كبيرًا من اللاجئين الفلسطينيين، ويعتبرهم جزءًا من نسيجه الاجتماعي. ومع ذلك، فإن فكرة توطين المزيد من الفلسطينيين هناك قد تؤدي إلى تفاقم الضغوط السياسية والاجتماعية، وقد تواجه الحكومة الأردنية صعوبات في قبول هذا الخيار، حيث يمكن أن يؤدي إلى زعزعة الاستقرار الداخلي .
تأثيره على اتفاقية السلام مع مصر والأردن
حيث تعتبراتفاقيات السلام الموقعة بين مصر والأردن وإسرائيل أساسًا للاستقرار في المنطقة، إلا أن طرح فكرة توطين الفلسطينيين في سيناء والأردن قد يؤثر سلبًا على هذه الاتفاقيات، بالنسبة لمصر، قد يؤدي توطين الفلسطينيين في سيناء إلى توترات مع إسرائيل، مما يهدد استقرار العلاقات بين القاهرة وتل أبيب.
أما الأردن، فإن توطين الفلسطينيين قد يؤدي إلى تفاقم الأزمات الداخلية، مما يضع ضغوطًا على اتفاقية السلام الأردنية الإسرائيلية، في كلا الحالتين، وعلى الحكومتين المصرية والأردنية السعي إلى تعزيز تعاونهم مع الدول العربية الأخرى والجامعة العربية لمواجهة هذا التحدي الذي يهدد كيان الدولتين المحوريتين في قلب الصراع القائم.
دور الجامعة العربية في التصدي لهذا الطرح
تعتبر الجامعة العربية والدول العربية المعنية جزءًا أساسيًا من الجهود الرامية إلى التصدي لمخططات توطين الفلسطينيين. حيث يمكن للجامعة العربية استخدام منصاتها الدبلوماسية للضغط على المجتمع الدولي لرفض أي مقترحات تتعلق بتوطين الفلسطينيين، وتعزيز موقف الفلسطينيين في المحافل الدولية.
كما يجب على الدول العربية أن تعمل على توحيد صفوفها في مواجهة هذا الطرح، من خلال عقد مؤتمرات طارئة وتبني مواقف موحدة تدعم حقوق الفلسطينيين ولعب دور هام في فرض مواقفها الماشية مع المواثيق الدولية حول خيار الدولتين وحق الشعب الفلسطيني في قيام دولته المستقلة على حدود 1967وعاصمته الأبدية القدس، وهذا ما جاء في مبادرة السلام العربية لعام 2006.
الدور الإعلامي في فضح هذا المخطط
للإعلام دورًا حيويًا في تسليط الضوء على المخاطر المرتبطة بمخطط توطين الفلسطينيين، من خلال نشر المعلومات والحقائق حول المخاطر المحتملة، يمكن للإعلام أن يساهم في رفع الوعي العام حول القضية الفلسطينية، كما يمكن أن يعمل على فضح أي محاولات غير شرعية لتغيير الوضع القائم في الأراضي الفلسطينية، مما يعزز الضغط على الحكومات لاتخاذ مواقف قوية.
الإعلام يمكن أن يلعب دورًا في دعم الاحتجاجات والتحركات الشعبية ضد أي مخططات تهدف إلى تصفية القضية الفلسطينية.
الخيارات السياسية والاقتصادية للضغط على الإدارة الأمريكية
كما يمكن للطرف العربي استخدام مجموعة من الخيارات السياسية والاقتصادية للضغط على الإدارة الأمريكية أبرزها الخيارات السياسية:
تعزيز التحالفات العربية: توحيد الجهود العربية في مواجهة أي محاولات لتصفية القضية الفلسطينية، وتعزيز التنسيق بين الدول العربية في المحافل الدولية.
الضغط الدبلوماسي: استخدام العلاقات مع الدول الكبرى الأخرى مثل روسيا والصين لتعزيز موقف العرب في القضية الفلسطينية.وفق ألية تهدف إلى إعادة النظر في سياسات الإدارة الأمريكية تجاه القضية الفلسطينية ومن بينها.
الخيارات الاقتصادية المتاحة: استخدام ورقة البترول والغاز في ظل تراجع الأسواق العالمية في مجال الطاقة والعجز المسجل لدى الكثير من إقتصاديات العالم خاصة بعد تدعيات الجائحة وكذلك الحرب الأكرانية الروسية ....
كما يمكن للدول العربية استخدام علاقاتها الاقتصادية مع الولايات المتحدة كوسيلة للضغط، مثل تقليص الاستثمارات أو التجارة.
التعاون الاقتصادي الإقليمي في أكثر من مجال مع تعزيز التعاون الاقتصادي بين الدول العربية لتقليل الاعتماد على الاقتصاد الأمريكي.
الدعوة إلى مقاطعة المنتجات الأمريكية: تنظيم حملات شعبية لمقاطعة البضائع الأمريكية كوسيلة للتعبير عن الرفض للسياسات الأمريكية، مع فتح المجالات إلى شراكات بديلة إستراتجية مع دول ومنظمات إقليمة في مقدمتها روسيا والصين ومنظمات على غرار منظمة التعاون الإسلامي ومجموعة لبريكس، مع إعادة النظر في التعاون العسكري واللوجستي مع دولة العام سام،
مع تكثيف الجهود من أجل توحيد المواقف وذلك بتفعيل الدور القانوني لدى محكمة العدل الدولية من أجل فضح ممارسات الاحتلال الإسرائيلي والمجازرة المرتكبة في حق كل من الشعب الفلسطيني واللبناني على حد سواء....
تعد محاولات إدارة ترامب لتوطين الفلسطينيين في سيناء والأردن خطوة مثيرة للجدل، تحمل في طياتها تداعيات كبيرة على مستقبل القضية الفلسطينية، إلا أن ردود الفعل الرسمية والشعبية تشير بوضوح إلى رفض هذه المبادرات، مما يعكس التحديات الكبيرة التي تواجه أي محاولة لإعادة صياغة خريطة الشرق الأوسط.
إن الحل العادل والشامل للقضية الفلسطينية يبقى ضرورة ملحة، ويتطلب تعاونًا دوليًا حقيقيًا يضمن حقوق الفلسطينيين في إقامة دولتهم المستقلة.