542
2
وتنطفئ شعلة وضّاءة في سماء أوروبا !!
الشاعروالداعية والمفكر الإسلامي الكبير، شيخنا عصام العطار، في ذمة الله
محمد مصطفى حابس: جنيف / سويسرا
ونحن لم نكفكف دموعنا بعد هذا الأسبوع من هزات الزلزال المروع الذي ضرب العالم الإسلامي والإنساني برحيل العلامة المجاهد عبد المجيد الزنداني، حتى تلقينا صباح اليوم الجمعة، نبأ وفاة أستاذنا الكبير الشيخ عصام العطار، حيث كتبت عائلته (عنهم : هادية وأيمن العطار) هذا الخبر المفزع :
بعد قوله تعالى: يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً فَادْخُلِي فِي عِبَادِي وَادْخُلِي جَنَّتِي" ... و"إنا لله وإنا إليه راجعون".
توفي والِدُنا عصام العطار الليلة (ليلة الجمعة ٢٣ شوال ١٤٤٥ ه / ٢ أيار ٢٠٢٤ م) تغمدهُ اللهُ برحمَتِهِ ورضوانِه
وهوَ يسألكم المسامحة والدعاءَ لَهُ بالمغفِرَةِ وحسنِ الخِتام، من خلال وصية كتبها، قوله :
وَداعاً وَداعاً يا إخوَتي وأخَواتي وأبنائي
وبناتي وأهلي وبَني وَطَنِي
أستودِعُكُمُ اللهَ الذي لا تَضيعُ وَدائِعُه، وأستودِعُ اللهَ دينَكم وأمانتَكم وخواتيمَ أعمالِكُم، وأسألُ اللهَ تَعالَى لَكُمُ العونَ على كُلِّ واجبٍ وخير، والوِقايَةَ مِنْ كُلِّ خَطَرٍ وشَرّ، والفرجَ مِنْ كُلِّ شِدَّةٍ وبَلاءٍ وكَرْب
سامِحوني سامِحوني واسْأَلوا اللهَ تعالى لِيَ المغفِرَةَ وحُسْنَ الخِتام
شكراً لَكُم شكراً
جَزاكُمُ الله خيراً
أخوكم عصام العطار
وبوفاة الداعية و الشاعر والمفكر الإسلامي الكبير، شيخنا عصام العطار، تكون قد خسرت الساحة الإسلامية والإنسانية علما حكيما، ورجلا جلدا صابرا محتسبا طول حياته، توفي اليوم- رحمه الله - عن عمر ناهز 97 عاماً، في مدينة آخن الألمانية، تاركاً إرثاً كبيراً من الدعوة والإرشاد والمواقف السلمية الراشدة المناهضة للطغاة و الطغيان و الجبروت، و كتابات ومنشورات لا تحصى ولا تعد في العديد من المنابر و الساحات الاعلامية، فهو شيخ المشايخ و رمز من رموز الحركة الإصلاحية الوسطية في سوريا دون منازع، أكره على الهجرة لأوروبا فارا بدينه في سبعينات القرن الماضي، و أسس مشروعه الدعوي المتكامل في مدينة آخن الألمانية، فكان المركز الإسلامي ومسجد بلال ، مشتلة متنوعة الفصول و الثمار لتكوين الدعاة و العلماء، و قد عرفته الجزائر من خلال مواقفه التاريخية، قبل ذلك، أثناء الثورة التحريرية المباركة رفقة شيخنا محمد المبارك (الجزائري الأصل) في سوريا، و اعجابه بمنهج رجال جمعية العلماء الذين عاصرهم أمثال الإمام الشيخ البشير الإبراهيمي و الشيخ الفضيل الورثلاني و الشيخ أحمد سحنون، وتعرف أيضا على مالك بن نبي في سوريا.. و لما حل بأوروبا وجد عبير الجمعية ممتدا اليه من خلال شيخنا العلامة الشيخ محمود بوزوزو (سويسرا)، و انضم إليه بعد ذلك شيخنا الدكتور العربي كشاط (فرنسا)، كما أنظم الى ندوته الشهرية عدد كبير من الدعاة و المشايخ و المهتمين بالعمل الإسلامي في الغرب عموما، منهم من الجزائريين - في العقود الثلاثة الأخيرة - أستاذنا الكبير الشيخ الطيب برغوث و الدكتور سعيد الهلالي و الأستاذ محمد قسول و الشيخ صالح بوزينة و الأستاذ عبد الواحد و كاتب هذه السطور و أخرين كثر !!.. و يكفينا فخرا أننا تعلمنا منه " أن الدعوة إلى الله زيادة في الحسنات ورِفعة في الدرجات وإذا انقطعت أُجور العباد بموتهم، فأجر الداعية مستمر ما استمر نفع دعوته"، مصداقا لقول النبي
ﷺ: من دلَّ على خير فله مثل أجر فاعله (رواه مسلم).
وأمام هذا المصاب الجلل، لا نملك، نحن طلبته في أوروبا والعالم الاسلامي، إلا أن نقول إن لله ما أخذ وله ما أعطى ونحن على ثقة أن أهل سوريا والمسلمين في ألمانيا و في أوروبا عموما، بإذن الله تعالى قادرين على تجاوز هذه المحنة الكبرى والابتلاء العظيم الناتج عن رحيل قامة كبيرة في الصمود والتضحية و العطاء، وما سيتركه من فراغ نتيجة مكانته الدعوية والاجتماعية والسياسية الكبيرة لدى أهل الشام والأمة العربية والإسلامية و الإنسانية، وما كان يقوم به الراحل من أدوار بارزة في تحمل المسئولية الدعوية التنويرية خدمة لدينه وأمته، رغم الصعاب و المحن، خاصة بعد جريمة اغتيال أم أولاده، الحاجة بنان بنت الإمام العلامة علي الطنطاوي، رحمهم الله جميعا.
غادرنا اليوم شيخ العارفين المتواضعين إلى دار البقاء، تاركا وراءه بصمته التي لن تمّحي من الدعوة الاسلامية، ستذكره الأعمال التي أتم إنجازها برغم المصاعب، و ستذكره الأجيال التي كان يرافع من أجلها، كي تكون أنوارا تضيء الأوطان، وليس مجرد أرقام عابرة، و سيذكره الاهل والأحباب الذين افتقدوه، وهم على الطريق راكضين نحو العلا .
و صدق الشاعر الحكيم القائل :
وتشاءُ أنت من البشائر قطرةً *** ويشاء ربُك أن يُغيثك بالمطر
وتشاء أنت من الأماني نجمةً ***ويشاء ربُك أن يناولك القمر
وتشاءُ أنت من الحياة غنيمةً*** ويشاء ربك أن يسوق لك الدُرر
وتظل تسعى جاهدا في همةٍ ***والله يعطي من يشاءُ إذا شكر
والله يمنع إن أراد بحكمةٍ *** لا بد ان ترضى بما حكم القدر
إن رحيله فعلا، لا يمثل خسارة لشعب سوريا فحسب و لا لجاليتنا المسلمة في أوروبا ، بل خسارة للأمة العربية والإسلامية والإنسانية جمعاء.
رحمه الله وأسكنه فسيح جناته وجزاه خير الجزاء على ما قدم من خير لدينه ووطنه وأمته والمسلمين عموما، و"انا لله وانا اليه راجعون".