بقلم اسماعين تماووست
خلال لقائنا، طلبت من المدير العام للمخابرات أن يدعمني، قدر الإمكان، والسماح لي بالقيام ببعض المهام الإضافية، التي ستكون مفيدة لي في مواجهة المجرمين الخطرين، لهذا السبب، أبلغته بنوايايا، مؤكداً أن كل ما طلبته كان من أجل وقف تصعيد العنف الذي يمارس ضد المدنيين، كما شرحت له أن الوسيلة الوحيدة لوضع حد نهائي للإرهاب تكمن في مواجهة هؤلاء الإرهابيين.
وبعد أن أنصت إليّ باهتمام، قمت بتوصيف خطورة الإرهاب المتطرف، الذي يضم متمردين لا أخلاق لهم، ولأنهم جهلة، فقد أساؤوا تقدير خطورة ما كانوا يرتكبونه، وتسببوا في الأذى لبلادنا، وشعبنا.
في نهاية المطاف منحني بعض المرونة التي اقتصرت فقط على إجراء تغييرات في التكتيك، بالطبع من خلال استخدام وسائل مختلفة ، بما في ذلك التحقيقات، والاستجوابات، والمواجهات...
أود أن أؤكد أن مواجهة الإرهاب ليست مجرد واجب مهني، بل هي رسالة مقدسة تتطلب منا التفاني والشجاعة، إن التصدي لهذه الظاهرة المتعطشة للدماء يتطلب منا تغيير استراتيجياتنا، وتحقيق توازن بين القوة والعقل، فعندما نتحرك بحزم، معززين بقيمنا الوطنية، ندرك أن كل تضحية نبذلها، مهما بدت ضئيلة، هي واجبنا لحماية بلادنا وشعبنا.
من خلال حديثي مع مدير المخابرات، تأكدت أن طريق مكافحة الإرهاب طويل، وأن لكل لحظة في هذا الصراع ثمنًا باهضا، عندما نحمي أرضنا ونقف بوجه الخطر، نحن لا نواجه فقط عدوا، بل نختبر وطنيتنا وقيمنا وقوة عزيمتنا.
وسط هذه الأجواء المتوترة، تلقيت خبراً غامضاً، إشارةً لعملية إرهابية محتملة في ساعة متأخرة من الليل... كانت تلك اللحظة بداية لمغامرة اختبرت فيها كل ما أملك من شجاعة، وجعلتني أدرك أن حياتي لن تعود كما كانت.
بنظرة حملت في طياتها كل معاني التفاؤل، ثبت عينيه في عينيّ كأنه يريد أن يزرع فيهما شعلة أمل لا تنطفئ و قال برصانة إنه يتمنى أن يبقى هذا اللقاء بيننا محفوظًا في طيات السر والكتمان..
كانت تلك لحظة وداع مفعمة بالاحترام، نهض من كرسيه بخفة وأناقة، وبعد تحية دافئة ملؤها التقدير، غادرت مكتبه، متوجهًا نحو مقر أمن دائرة بوفاريك، وأنا أشعر أنني تركت جزءًا من روحي في ذلك المكان.
غمرني شعورعميق بالسعادة، ليس فقط للقاء هذا المدير، بل لأنني شعرت بأنني سرت على المسار الصحيح، كان شخصية نادرة، رجلًا قويًا، يمتزج فيه الذكاء بالحكمة، ويجيد التعامل مع الناس وكأنه يترك فيهم شيئًا من نور بصيرته، كان يُؤثر بحضوره، ونصائحه، وأفعاله، ويمنح حكمًا راسخة عن الحياة، تنبع من روح الإسلام، ومن المعرفة التي تُبّصرالإنسان بمعاني القيم السامية.
في النهاية، كان هذا اللقاء بيني وبين مدير الاستخبارات يحمل أهمية كبيرة، لم يكن ليحدث لو لم أكن أتمتع بسمعة استثنائية، سمعة صنعتها نزاهتي وإصراري وكفاءتي كمفتش شرطة، لقد اجتهدت وأثبت نفسي في أصعب الظروف، ونلت ثقة واحترام من حولي، لدرجة جعلت مدير الاستخبارات يراني حليفًا ومصدر ثقة لا يمكن الاستغناء عنه.
هذا ما لامسته أثناء جلوسنا في ذلك المكتب ، شعرت بأنه يُدرك أنني لست مجرد مفتش عادي؛ كنت رمزًا للإخلاص والتفاني في خدمة الوطن، شخصًا يملك الذكاء الحاد والبصيرة العميقة التي تؤهله لقراءة المواقف وتقييم المخاطر بحكمة لا تُخطئ.
لم يكن هذا اللقاء مجرد اجتماع عمل، بل كان تقديرًا لجهودي وكفاحي في سبيل الأمن والاستقرار، ولأجل الحفاظ على القيم النبيلة التي أؤمن بها، عندما تبادلنا النظرات الأخيرة قبل الوداع، كان في عينيه رسالة غير معلنة، رسالة تؤكد أنه يعترف ويقدر قيمتي كرجل يحمل على عاتقه عبئ الدفاع عن أمن البلاد بصدق وشجاعة، وأنني بالنسبة له نموذجًا يحتذى به، بل جنديًا مخلصًا يقف في الصفوف الأمامية عندما يستدعي الأمر، رجلًا يؤمن بأن التضحية هي أكبر شرف، وأن خدمة الوطن هي الرسالة الأسمى.
عندما غادرت المكتب، استقبلني هواء الخارج المنعش، وكأنما كان يدعو لفتح صفحة جديدة في حياتي، سارعت نحو سيارتي، بينما كنت أسير في الطريق، كانت ذكريات اللقاء تتزاحم في ذهني، أسترجع كل كلمة قيلت، شعرت بأن كل لحظة كانت مليئة بالمعاني والدروس.
كنت أتحدث مع نفسي بصمت، أتمعن في معنى القوة الحقيقية التي لا تعرف الانهزام أمام العوائق، وأفكر كيف يمكنني أن أحول تلك الحواجز التي تقف أمامنا إلى درجات نصعد بها نحو أهدافنا، كنت أستعيد كلماته، وأشعر أنها زرعت فيّ عزيمة جديدة، وأيقظت في داخلي حكمة قديمة: "الشجاعة لا تكمن في غياب الخوف، بل في القدرة على تجاوزه."
يتبع ...