بقلم اسماعين تماووست
فقد صنع شعب الجزائر نموذجا ملهما في القرن العشرين عبر الثورة التحريرية المجيدة في الفاتح من نوفمبر من سنة 1954م، تلك الملحمة التاريخية التي غيرت مجرى العالم الإنساني بإسقاط فرنسا أكبر قوة إمبريالية في القرن العشرين وإعادتها لحجمها الجغرافي المحدود رغم بقاء نفوذها الجيوسياسي في المنطقة، ثورة عظيمة بقدرعظمة شعب أظهر للعالم أجمع ما يمكن أن يقوم به لاستعادة الوطن المسلوب من المستدمر، شعب رسم دربا للعظمة بدماء الشهداء وعبّده بأشلاء المليون ونصف المليون شهيد، شعب كتب تاريخا جديدا بتضحياته الجسيمة وروحه القوية وأهدافه العظيمة فكان بحق القدوة للشعوب المضطهدة القابعة تحت وطأة المستدمر لاسيما عندما شق الشعب الجزائري طريقه نحو الاستقلال بأدواته البسيطة ولكن بروحه الوطنية ووعيه الثوري المجيد جاعلا أعظم قوة إمبريالية في القرن العشرين تركع وتستجيب لمطلبه في أن تكون الجزائر حرة مستقلة .
فكان لعائلتنا تماووست الشرف العضيم لأن يكون اسمها خالدا في التاريخ بما قدمه الأب والأعمام تضحية للوطن، ومن دواعي الشرف والفخر والسرور أن أقص بإيجاز بعض الأعمال الثورية للأخوة تماووست الثلاثة، فالاكبر والدي، محمد من مواليد 14 أكتوبر 1908 في شبلي ولاية البليدة و شقيقيه علي وقدور.
فور انتهاء الحرب العالمية الثانية، بدأ والدي محمد نشاطه الثوري السري، حوالي عام 1952، أُجبر على النفي بعد إدانته من العدالة الاستعمارية، فتم ترحيله إلى منطقة تلمسان، ليبقي هناك مدة عامين.
خلال شهر أبريل 1954، كلفته جبهة التحرير الوطني بالجزائر العاصمة بمهمة سرية، إذ قدمت له وثائق مهمة، لتكون مهمته الذهاب إلى القاهرة، مصر، قام والدي بمهمته بشكل جيد ولتزامن ذالك بفترة بعثة الحج، فلقد تقدم بمقترح الحج كحجة لتضليل فطنة المستعمر وأعوانه مما لاقى قبولا من الجميع، و عن سيلة النقل فقاد قام بتأجير حافلة على نفقته الخاصة.
في الرغاية وبالتحديد في شبشب،كان يخرج المجاهدون المختبئون في ملجأ تماووست، غالبا في الليل، للقيام بمهام ثورية لقد استخدم جنود الجيش الفرنسي، ولا سيما المخابرات الخاصة وجنود المنظمة الإجرامية المعروفة تحت تسمية “DOP”، كل الوسائل الشيطانية التي لا يمكن تصورها ولكن دون جدوى.
وفي سبتمبر 1956، كان هناك رجل يبلغ من العمر حوالي 40 عامًا، يعيش بالقرب من حوش تماووست و يتحدث اللغة الفرنسية بطلاقة، كان هذا الرجل جبانا وغادرا إذ إكتشف ولاحظ أن كميات كبيرة من المؤونة تخرج من محل البقالة ، لتنقل إلى منزل العائلة والذي كان يبعد بحوالي 300 متر وبعد تأكده من التحركات الغير طبيعية، سارع ذالك الحركي العميل، سيئ السمعة لإبلاغ جنود الجيش الفرنسي المتمركزين في ثكنة الرغاية.
ولم تكد تمر 48 ساعة حتى ألقي القبض على أعمامي علي وقدور، الأول كان يبلغ من العمر 32 عاماً، والثاني 26 عاماً، وكانا يعيشان في الحوش.
وبعد ثلاثة أيام في الرغاية، بالقرب من المنزل الريفي للعائلة ، وقع والدي محمد وهو أكبر شقيقيه، الذي كان يبلغ من العمر آنذاك 49 عاما، في كمين جنود الاستعمار، و كان أول من إستشهد من العائلة تحت التعذيب الهمجي الذي مارسه على جسده هؤلاء السفاحين من تلك المنظمة الإجرامية «DOP»، ليلتحق به شقيقه على، بعد إلقائه من طائرة الهليكوبتر المحلقة على سواحل شاطيء الرغاية، أما قدور فقد تم زجه في قفص ليكون جسده فريسة لكلاب وحشية جائعة وحتى يكون عبرة لسكان المنطقة وللفدائيين والشرفاء ، تمت تلك العملية الوحشية في المنطقة التي تعرف اليوم بالمنطقة الصناعية بالرغاية، على مرأى الناس لغرض تخويفهم ليكون عبرة للآخرين...
يتبع...