كان هناك أيضا رمل البحر، وكمية صغيرة من الخشب المخصص للقوالب الخشبية المستعملة في البناء منتشرة في محيط ذالك المنزل المشؤوم، المنزل، الذي يبدو حديثًا في هيئته، يقع في أرض مستوية، محاطًا بمزارع وبقع خضراء، بينما الجبال كانت تلوح في الأفق، تظهر وكأنها تراقبنا من بعيدن كانت المنطقة تدعى "شرايفية"، بلدية الصومعة، ولاية البليدة. هذا الموقع لم يكن عاديًا، بل كان يشبه خلية نحل في صمتها المطبق، كل شيء حولها هادئ، لكن الحذر كان يملأ الأجواء.
لقد وصلنا إليه بفضل معلومات دقيقة، حصلنا عليها من مصدر موثوق، لكن ما لم أكن قد حسبته هو حجم المأزق الذي كنا على وشك الدخول فيه، زميلي، مفتش الشرطة القضائية عبد الله رحمة الله عليه الذي كان يرافقني، لم يكن يدرك تمامًا أن كل خطوة نخطوها قد تقودنا إلى طريق اللاعودة، بينما كنت أدرك أن هذا المكان قد يكون المصيرالذي لا مفر منه، كنت أشعر وكأنني أقع في فخً لا يمكنني الإنفلات منه، كان المكان الذي اقتربنا منه يبدو في غاية البساطة، لكن الشعور الذي ملأ صدري كان مختلفًا، شعرت وكأن الهواء نفسه يثقل رئتي.
كانت أذني تلتقط كل تفصيل صغير، كل حركة وكل صوت، كان كل شيء هنا يوحي بشيء غريب، كان يُشعرني كما لو أنني كنت محاصرًا في مكان لا يمكنني الهروب منه، هذه هي اللحظة التي يصبح فيها القلق حليفًا، والشجاعة اختبارًا حقيقيًا.
لا يمكن أن تكون هذه مجرد عملية روتينية، فكرت في نفسي. كل شيء حولنا كان يثير شعورًا بالغموض، وكأن هذا المكان يبتلعنا ببطىء، يسحبنا نحو الأسوأ دون أن نشعر، لقد اقتربنا من المخبأ الذي كان هدفنا، لكنه كان يبدو مختلفًا عما توقعناه...
في تلك اللحظة، كانت خيوط الشك تدور في ذهني بسرعة، وأنا أتحقق من كل خطوة، وكأنني أضع يدي على مؤشرات لا تُرى، ولا يمكن التنبؤ بها، إن الطريق الذي نسلكه الآن ليس مجرد طريق، بل هو امتحان حقيقي للقدرة على الصمود، كأننا في مكان يراقبنا فيه شيء أكبر من أي تهديد بشري، لقد كنا نخطو على أرض محفوفة بالمخاطر، وكل لحظة فيها قد تكون الأخيرة...
كان المكان هادئًا، لكنه كان يحمل في صمته حدثا قد يكون فاصلًا في حياتنا، كيف لا ندرك أننا نواجه خطرًا حقيقيًا، تساءلت في نفسي، قد يكون الصمت في هذا المكان هو أكثر ما يلفت الانتباه، لأن الصمت هو الأكثر تطرفًا في قدرته على إخفاء ما يجري...
كان الموت يراقبنا عن كثب و التوقعات تتضاءل شيئًا فشيئًا، وكل خطوة كانت تكشف لنا جزءًا من الحكاية التي لا نرغب في سماعها، كنا نقترب أكثر من الكارثة، عندها أدركت أن هذا المكان ليس مجرد موقع، بل هو اختبار حي لما يمكن أن يحدث عندما يتداخل الزمن مع المصير.
لقد كنا على وشك أن نكتشف الحقيقة، مهما كانت مؤلمة "يعيش الإنسان في أصعب لحظاته عندما يظن أن لا مخرج له، لكنه يكتشف في النهاية أن القوة تكمن في اختياراته، حتى في أحلك الظروف." هذه الحكمة، التي كنت أرددها في داخلي، كانت تذكرني بأننا ما زلنا أحياء، وأن قوتنا تكمن في مواجهتنا لهذا الظلام، بل ربما في تخطيه....
يتبع...