441

0

متعوّدون أم متعبّدون؟!

 

بقلم سيد علي دعاس

لَمَّا حلَّ علينا رَمَضَانُ اسْتَقْبَلَهُ البَعْضُ بِحَفَاوَةٍ وَتَرْحِيبٍ، وتعاملوا معه على اعتباره ضَيْفًا حَبِيبًا؛ أمّا البَعْضُ الآخَرُ فقد استقبلوه بِجَفَافٍ شَدِيد وَكَأَنَّهُ ضَيْفٌ ثَقِيلٌ، فَلَمْ يُرَحِّبُوا بِهْ... فَمِنْ أَيِّ الفَرِيقَيْنِ أَنْتَ أَخِي الصائم، أُخْتِي الصائمة؟

أَكُنْتَ مِمَّنْ اِسْتَقْبَلوه اِسْتِقْبَالًا باردًا، وَلَمْ تُبْدِ اِهْتِمَامًا بِهِ، وَلَمْ تَشْعُرْ بِأَيِّ رُوحَانِيَّاتٍ فِيهِ وَلَمْ تَتَغَيَّرْ، وَلَمْ يَقْوَ إِيمَانُكَ وَلَمْ تَزْدَدْ طَاعَتُك؟ فَصُمْتَهُ صِيَامَ المُتَعَوِّد كلّ سنة... ثمّ تَمَنَّيْتَ لَوْ انقَضَتْ أَيَّامُهُ مُسْرِعَةً؟!

يَأْتِيكَ شهْر رمضان كُلَّ عَامٍ... وَلَا فرْقَ عندك بَيْنَ هَذَا العَامِ وَالعَام المَاضِي...! فأنت رَأَيْتَ النَّاسَ يَصُومُونَ فَصُمْتَ! رَأَيْتَهُمْ يَقُومُونَ فَقُمْتَ...! بِمُجَرَّدِ أَنَّكَ تَعَوّدْتَ عَلَى ذَلِكَ. أَمْ أنّك كُنْتَ مِمَّنْ فَرِحَ بِقُدُومِ شَهْرِ رَمَضَان فاِسْتَقْبَلَهُ بِالحُبِّ وَالبِشْرِ كَضَيْفٍ حَبِيبٍ جَاءَ بَعْدَ طُولِ غِيَابٍ... فَصُمْتَهُ صِيَامَ المُتَعَبِّدِ لَا المُتَعَوِّدِ، وَسَعَيْتَ جَاهِدًا مِنْ أَجْلِ التَّقَرُّبِ إِلَى الرَّحْمَانِ... طَمَعًا فِي الجِنَانِ وَرَغْبَةً فِي النَّجَاةِ مِنَ النِّيرَانِ... فَزَادَ إِيمَانُكَ بِاِنْقِضَائِهِ وَحَزُنْتَ لِفِرَاقِهِ وَتَمَنَّيْتَ طُولَ بَقَائِهِ؟

فَمِنْ أَيِّ الفَرِيقَيْنِ أنت؟ هل مِمَّنْ صَاموا صِيَامَ عَادَة؟ أَمْ كُنْتَ مِمَّنْ صَاموا رمضان صِيَامَ عِبَادَة وَأَرَادوا لأنفسهم السَّعَادَة؟

قَالَ تعالى: "وَمَا أَكْثَرَ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِين".[1]

فَمِن النّاس مَنْ يَصُومُ عَلَى المَوَائِدِ لاَ عَلَى مَا يَقْتَضِيه الِإيمَانُ وَيُوجِبُهُ، لِجَهْلِهِ وَقِلَّةِ فِقْهِهِ... قَدْ تجدُه لَا يُفْطِرُ لِعُذْرٍ وَلَوْ تَضَرَّرَ بِالصَّوْم، مَعَ أنَّ الله يُحِبُّ مِن عبدِه أَنْ يَقْبَلَ رُخَصَهُ... لقول النَّبِيَّ ﷺ: "إنّ الله يحبُّ أن تؤتى رخصُه كما يكرَه أن تؤتى معصيته"[2].

فَاللهُ - سُبْحاَنَهُ وَتَعَالَى- هُوَ الّذي رَخَّصَ لَنَا الرُّخَص، ولذلك يَفْرَحُ لمَّا يَلجأُ الوَاحِدُ مِنَّا لِرُخْصَةٍ... كَرُخْصَةِ التَّيَمُّمِ عِوَضَ الوُضُوء؛ والذِّي يَرْفُضُ هَذِهِ الرُّخْصَةَ كَأَنَّهُ يَقُولُ للهِ عزَّ وَجَلّ: (ما نَسْحَقَّشْ مْزِيْتَك).

وَمِنْ أَهْلِ الصِّيَامِ بِالعَادَة مَنْ لَمْ يَسْتَشْعِرْ لَذَّةَ الصِّيَامِ، وَحَلَاوَةَ القِيَام... فَإِذَا أَفْطَرَ مِنْ يَوْمِهِ كَأَنَّهُ حَطَّ عَنْه ثِقلاً عَظِيمًا... وَإِذَا حَلَّ الفَجْرُ لِصِيَامِ اليَوْمِ الثَّانِي عَادَ إِلَيْهِ ذَلِكَ الثِّقل، وَزَادَ عَلَيْهِ الهَمّ... يَحْسِبُ لِأَيَّامِ الشَّهْر!

المُتعَوِّدُون تَجِدُ لَيْلَهُمْ يُهَدِّمُ نَهَارَهُمْ، وَسَيِّئَاتُهُمْ تُذْهِبُ حَسَنَاتِهِم؛ فَإِذَا اِنْقَضَى رَمَضَان اِنْتَابَتْهُم سَعَادَةٌ عَارِمَةٌ بِاِنْقِضَاءِ الشَّهْرِ، لَا بِالفَرَحِ بِالصِّيَامِ وَالقِيَام! وَذَلِكَ لِأَنَّهُم لَمْ يَصوُموا عَلَى سَبِيلِ التَّعَبُّدِ وَلَكِنْ عَلَى سَبِيلِ التَّعَوُّد، فَلَمْ يُحْدِث الصِّيَامُ عندَهُم تَوْبَة، وَلَا مَزِيدَ طَاعَةٍ أَوْ عِبَادَة... وَمَا أَنْ يَنْقَضِي الشَّهْر حتّى يَعُودُون إِلَى مَا كَانوا عَلَيْهِ مِنَ الغَفْلَةِ وَالإِعْرَاض... حَتَّى يُدَاهِمَهُم هَادِمُ اللَّذَّاتِ[3].



[1]   سورة يوسف/ الآية 103.

[2]   رواه أحمد، وصحّحه ابن خزيمة وابن حبان عن ابن عمر رضي الله عنهما.

[3]   المَوْت

شارك رأيك

التعليقات

لا تعليقات حتى الآن.

رأيك يهمنا. شارك أفكارك معنا.

barakanews

اقرأ المقالات البارزة من بريدك الإلكتروني مباشرةً


للتواصل معنا:


حقوق النشر 2024.جميع الحقوق محفوظة لصحيفة بركة نيوز.

تصميم وتطويرForTera Services

barakanews

اقرأ المقالات البارزة من بريدك الإلكتروني مباشرةً


للتواصل معنا:


حقوق النشر 2024.جميع الحقوق محفوظة لصحيفة بركة نيوز.

تصميم وتطويرForTera Services