1422
1
مسعودة موساوي بطلة ثورتين..استشهدت والسلاح بيدها
قلما تسمع أن شهيدة سقطت في ساحة الوغى وهي تقاتل العدو المستعمر في معركة كبيرة والسلاح بيدها، ولم تتوقف عن الدفاع عن وطنها إلى غاية لفظ أنفاسها الأخيرة، تماما مثل الأبطال وبشجاعة الكبار، وتتميز على العديد من الشهيدات كونها مارست السياسة إبان الحرب العالمية الثانية في حزب سياسي تونسي بعد أن ألقت بهم الأقدار خارج الوطن، وبقيت حميتها الوطنية متقدة ووعيها في ارتفاع، تنبذ المستعمر وتسخط على كل ما يقترفه من ظلم وتهميش وتنكيل بالشعوب المغاربية خاصة وطنها الام الجزائر.
فضيلة/ب
إنها البطلة مسعودة موساوي التي تعد من الشهيدات القلائل اللائي زودن ثورة التحرير المجيدة بكميات معتبرة من ذخيرة الأسلحة، ونضالها الثوري المستميت تنقلت فيه بين صفوف المقاومة التونسية إلى ثورة الفاتح نوفمبر، لتستشهد تماما كما الأبطال بعد سنة من الكفاح وبيدها السلاح ومتمسكة بإرادة تحرير الوطن إلى آخر أنفاسها.
لقبت الشهيدة مسعودة موساوي بكنية”محجوبة” واتسمت وسط سياسة التجهيل التي مارسها المستعمر الفرنسي أنذاك، بروحها التحررية التي نمت واشتعلت بداخلها في وقت مبكر، فدافعت في البداية عن تحرير المغرب العربي قبل سنوات عديدة من تفجير الثورة الجزائرية المظفرة، لذا اصطلح على تسميتها ببطلة الثورتين والشهيدة التي أتقنت السياسة وخوض المعارك في آن واحد.
النشأة في عائلة مثقفة
كانت بكر والديها وقرة عينهم فحظيت بالدراسة والعناية الخاصة، ولجت المدرسة وتعلمت الكتابة والقراءة، كونها تنحدر من عائلة ميسورة ومثقفة، واصلت تعليمها بنجاح بتشجيع من الوالدين وتحقق نجاحها بفضل نبوغها وذكائها وكذا حبها للتحصيل العلمي إلى غاية تعرض عائلة الشهيدة في سنة 1935 إلى سلسلة من المضايقات وابتزاز الإدارة الاستعمارية، مما عجل بمغادرتها لأرض الوطن، واختارت تونس لتستقر فيها، وكان آنذاك عمر الشهيدة 15 ربيعا.
واصلت في البداية تعليمها بتونس، وسمح كل ذلك باحتكاكها بطلبة وطالبات تونسيات، وصارت تطالع الكتب والجرائد ولديها صديقات، وكانت ثقة أسرتها فيها كبيرة، تتردد على اجتماعات ينظمها الطلبة إلى أن قادها كل ذلك إلى الانخراط في حزب الدستور الجديد التونسي، بل بتشجيع من والدها الذي كان يكتوي بمحنة وعلقم احتلال الوطن، ولم ينس لحظة أنه أجبر بالاضطهاد والظلم على ترك وطنه وبيته وأقاربه.
انجذب لحيويتها وفكرها المتفتح ونزعتها التحررية رفاق السياسة التونسيين، فساهمت معهم بفعالية في النضال التحرري، وكذا في الدفاع عن حرية شعوب دول المغرب العربي.
نضال في حزب الدستور
شاركت الشهيدة الجزائرية بشكل لافت في النضال السياسي التونسي وبحماس كبير دافعها في ذلك رفض الظلم الاستعماري والدعوة إلى تحرر شعوب المغرب العربي، و من دون تردد انضمت إلى حزب الدستور الجديد، حيث تم تأسيسه في المؤتمر الذي انعقد يوم 2 مارس 1934 بمدينة قصر هلال بالساحل التونسي. وتولى رئاسته محمود الماطري وكتابته العامة الحبيب بورقيبة، وكانت تربط الشهيدة علاقات قوية مع قادة الحزب خاصة الحبيب بورقيبة.
ولما اتجه قادة الحزب الدستوري الجديد إلى القاعدة الشعبية من خلال ما سمي بعد ذلك بالاتصال المباشر، انضمت إليهم الشهيدة موساوي وتمكنوا من جذب عدد كبير من المتعاطفين. كما امتهنوا واستغلوا في نضالهم قناة الصحافة، حيث كانت لهم صحيفة رسمية، ينتقدون على صفحاتها نظام الحماية.
ودخل الحزب والشهيدة الجزائرية التي ساهمت بآرائها ورؤيتها التحررية فيه منذ أوت 1950، في تجربة للتفاوض من أجل الوصول بتونس إلى الاستقلال الداخلي. وقد مثله في الحكومة التفاوضية التي تشكلت لذات الغرض أمينه العام صالح بن يوسف حيث تقلد وزارة العدلية، غير أن تلك التجربة أسفرت عن الفشل، واتجهت الأمور إلى الصدام في جانفي 1952 وقد عرفت هذه الفترة بالثورة التي استمرت إلى سنة 1954.
شجاعة وإقدام
لم تتأخر لحظة واحدة في دعم المقاومة التونسية وتدربت على الأسلحة وعلى التحرك ونقل الأخبار، لذا لقبت ببطلة الثورتين ، أو شهيدة الحرية، كانت تجمع السلاح وتزود المقاومين بالأخبار وتشارك في تنظيم الصفوف وتزود رفاقها التونسيين بنظرتها ومقترحاتها حيث ترجمت رؤاها من السياسة إلى مقاومة العدو على أرض المعركة.
وأظهرت شجاعة كبيرة في خوض الاشتباكات مما اكسبها خبرة وقوة وزاد من شجاعتها، بعد أن قفزت لتنصر معركة وطنها من أجل افتكاك الحرية واستعادة السيادة المغتصبة والأرض المسلوبة بالقوة.
الانضمام لثورة التحرير
بمجرد تفجير ثورة التحرير المجيدة في الفاتح نوفمبر، التحقت باكرا وبدون تردد بصفوف المجاهدين عبر الجبال، والأهم من ذلك فإنها زودت جيش التحرير الوطني بكميات معتبرة من أسلحة الثوار التونسيين إلى الثوار الجزائريين، لتواصل إثر ذلك كفاحها إلى جانب الرفاق الجزائريين بأوراس “النمامشة” .
وتؤكد العديد من الشهادات التاريخية أنه في شهر مارس من سنة 1956 توجهت بسلاحها رفقة ثلاثة جزائريين متطوعين قادمين من أوروبا من قرية كريشة النعامة لتلتحق بجبال النمامشة وتستأنف كفاحها تحت قيادة مسؤول الناحية آنذاك لزهر شرايطي.
ناضلت عبر الفيافي والجبال ضمن مجموعة لزهر الشرايطي العائد من حرب فلسطين آنذاك، وتتضمن شهادة أحد مساعدي الشرايطي ويتعلق الأمر بالمجاهد قاسي الساسي الهويدي، بأنها كانت كافحت إلى جانبهم، وشاركت في العديد من المعارك التي خاضوها ضد الجيش الفرنسي في جبال الرديف وسيدي عيش وبوشبكة، ولم تعرف لحظة الخوف حيث تحلت بشجاعة الأبطال، تلج المعارك بصمود كبير.
رفضت الشهيدة محجوبة كما كانت تلقب وسط رفاق الكفاح، التخلي عن سلاحها وعن خيار تحرير وطنها لحظة واحدة إلى غاية استشهادها بالمنطقة السادسة أي بولاية تبسة سنة 1957، بعد مشاركتها في معركة حامية الوطيس.