بقلم د. وليد عبد الحي
يشكل تراجع الآيديولوجيات(وهو ما نبه له بريجنسكي في نظرية التقارب،ودانيل بل في نهاية الآيديولوجيا، وهنتينغتون في صراع الحضارات، وغورباتشوف في كتاب البريسرويكا....الخ) حلقة في إطار سلسلة ظواهر تطوق عنق السياسي التقليدي لتوصله للفناء.وتبدو الحلقات الأخرى في ظواهر مثل:
1- التعقيد التقني الهائل في الحياة جعل التكنوقراطي المتخصص في جزئيات محددة هو صانع القرار وليس على السياسي إلا التنفيذ،وعندما أجريت دراسة على الاتحاد السوفييتي وأخرى على الصين تبين لي أن غورباتشوف ودينغ هيساو بنغ وصلا إلى السلطة في اللحظة التي تفوق فيها عدد التكنوقراط على الآيديولوجيين في هيئات صنع القرار المركزية..والتكنوقراطي هو عالم أو خبير في علم الاجتماع أو الاقتصاد أو الحاسوب أو الفيزياء أو الكيمياء أو الطب أو الفلسفة أو....الخ.
2- أن نسبة الانخراط في الأحزاب السياسية تتراجع عالميا لحساب هيئات المجتمع المدني،ويقول أنتوني جذنز أن نسبة العضوية في هيئات المجتمع المدني في العالم تصل إلى 20 ضعفا لعدد المنخرطين في الأحزاب،كما أن النسبة تتزايد.
3- أن الكاريزما التي كثيرا ما سيطرت على عقول المجتمعات كأحد مقومات النفوذ السياسي تتراجع من كاريزما القلب(الارتباط الوجداني بفعل مقومات الشخصية الكاريزمية) لتتجه نحو كاريزما العقل أي نحو الذهول أمام الانجازات العلمية،ومع تكاثر المخترعين بطريقة هندسية أضحى العدد يفوق القدرة على المتابعة والعد،ولكنه قتل كاريزما الزعيم السياسي،فليس غريبا أن القيادات الكاريزمية تتلاشى تدريجيا،وهي أحد أعمدة الدور السياسي التقليدي.
4-أن العولمة جعلت تفسير الظواهر يحتاج لمنظور يخرج عن إطار الفهم التقليدي الذي كان يؤطره السياسي للمجتمع،وأصبح التفسير يعتمد على تكامل معرفي ،وهو ما قتل احتكار السياسي والآيديولوجي للتفسير.
5- تشير نتائج دراسة العالم الأمريكي المذهل باكمنستر فولر(وأنا أعتقد أنه من أهم علماء القرن العشرين،وهو الذي كتب عام 1903 كتاب تسعة مسارات للوصول للقمر) أن اللعبة العالمية ألتي انشأها في كندا وشارك فيها آلاف العلماء والقادة لوضع معادلات لحل أزمات العالم دلت على أن اسوأ النتائج هي تلك التي وضعها السياسيون، وهو ما جعلني أتنبه لهذه المسألة فقمت بوضع كتاب كامل عنها وهو كتاب "تحول المسلمات في نظريات العلاقات الدولية""..
مظاهر كثيرة تشير كلها في خاتمة المطاف إلى أننا نقف على حافة قبر السياسي التقليدي..وهو ما لا يفهمه القادة والحزبيون العرب حتى الآن.