شكلت قاعة المحاضرات الكبرى لجامعة باتنة 1، صباح اليوم الثلاثاء، فضاءً فكريًا ووطنيًا جامعًا بمناسبة انعقاد الطبعة الثانية للمنتدى الوطني "الجزائر يحميها الجميع".

ضياء الدين سعداوي

الطبعة الثانية جاءت من تنظيم  منتدى الأوراس للتنمية والتضامن بالتعاون مع جامعة الحاج لخضر باتنة 1، و بمشاركة كوكبة من المختصين و اطارات الهيئات الرسمية ، فؤ  مشهد وطني يحمل دلالات رمزية قوية على تماسك اللحمة الوطنية في مواجهة التحديات.

المنتدى، الذي يندرج في سياق تحصين الجبهة الداخلية وتعزيز الوعي الجماعي، عالج قضايا آنية تتعلق بالأمن القومي الجزائري بمختلف أبعاده، خاصة في ظل تصاعد المخاطر الإلكترونية والهجمات السيبرانية، واتساع رقعة الحروب غير التقليدية، التي تمس الأمن الجيوسياسي والرقمي للجزائر.

مقاربات متعددة لرؤية واحدة: حماية الوطن مسؤولية الجميع

افتتح المنتدى بسلسلة محاضرات أكاديمية ثرية، استهلها البروفيسور مصطفى صايج، أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، بمحاضرة حول "الاستراتيجية الجزائرية لمواجهة تهديدات الأمن السيبراني: الآليات والتحديات".

مؤكدًا على ضرورة تطوير بنية تحتية رقمية آمنة ومنظومة تشريعية تتماشى مع طبيعة التهديدات المستجدة.

في السياق ذاته، تناول البروفيسور مهدي فتاك، رئيس قسم العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة تيزي وزو، الأمن الجيوسياسي والرقمي من زاوية شمولية، موضحًا في محاضرته المعنونة "مقاربة شاملة في مواجهة رهانات وتحديات الحروب الهجينة" أن الجزائر مدعوة لبناء إستراتيجية دفاعية ذكية ترتكز على التحصين المجتمعي والمعرفة الرقمية.

أما البروفيسور آسيا بوعزيز، من جامعة باتنة 1، فقد شددت على خطورة الجريمة الإلكترونية وتهديدها المباشر للأمن القومي، من خلال محاضرتها التي حملت عنوان "تهديدات الجريمة الإلكترونية على الأمن القومي الجزائري"، مسلطة الضوء على الفراغ القانوني والتقني الذي قد تستغله الجماعات المعادية.

وتوسّع النقاش إلى المفهوم الجديد للأمن القومي مع البروفيسور رضوان بوهيدل، الذي تناول سمات الحروب الجديدة للجيل الخامس، بينما استعرض الدكتور أحمد ميزاب، الخبير في الشؤون الأمنية، أدوات الردع في وجه ما سمّاه بـ "الهجمات الهادئة"، مشيرًا إلى الأساليب غير التقليدية التي تستهدف زعزعة استقرار الدول من الداخل.

الإعلام في قلب المعركة: وعي، مهنية، ومواجهة ناعمة

لم تغب الجبهة الإعلامية عن محاور المنتدى، حيث اعتبر الدكتور محمد هدير، أستاذ بالمدرسة العليا للصحافة، أن الإعلام الجزائري يواجه "معركة وجودية"، داعيًا إلى تبني استراتيجيات جديدة لمواجهة التحديات المتسارعة في الفضاء الرقمي.

أما الإعلامي قادة بن عمار، فقد قدم مداخلة تناول فيها كيفية تعامل الإعلام الوطني مع تدفق المعلومات وضرورة تنمية الحس النقدي لدى الجمهور.

وفي ذات السياق، تحدث البروفيسور سليمان أعراج عن "حروب الإدراك"، مركزًا على أهمية امتلاك أدوات الخطاب المؤثر في ظل الطفرة التكنولوجية، بينما تطرّق الدكتور كريم دوجي إلى "التضليل الإعلامي عبر حروب الجيل الخامس"، داعيًا إلى استثمار أدوات القوة الناعمة لتعزيز المناعة الإعلامية.

من جهته، سلط الدكتور رشيد بن حميمد، أستاذ الإعلام بجامعة الجزائر 3، الضوء على دور الإعلام العمومي في تعزيز قيم المواطنة، مؤكدًا على أهمية بناء خطاب إعلامي وطني جامع يحفز الانتماء ويحمي الهوية.

الزوايا والطوارق... صوت الحكمة والامتداد التاريخي

وعن البعد الروحي والثقافي، قدّم عيسى أولاد البكاي، المختص في الزوايا، قراءة استشرافية حول المخاطر الأمنية القادمة من الغرب، مستعرضًا رؤية الزوايا الجزائرية كمؤسسات عريقة في ترسيخ السلم المجتمعي ومواجهة التهديدات الفكرية والناعمة.

نقاشات نوعية وتوصيات إستراتيجية

شهد المنتدى تفاعلات فكرية عميقة بين الحضور والمشاركين، انتهت بتوصيات عملية أهمها: ضرورة توحيد الجهود الأكاديمية والإعلامية والأمنية لمجابهة الأخطار الجديدة، وضع إستراتيجية وطنية للأمن السيبراني، وتفعيل دور الإعلام في الدفاع عن سيادة الوطن، إضافة إلى دعم التلاحم الشعبي وترسيخ الوعي الاستراتيجي لدى فئات المجتمع كافة.

بهذه الروح الجامعة، اختتمت فعاليات منتدى "الجزائر يحميها الجميع"، في طبعته الثانية، مؤكدة على أن الدفاع عن الجزائر مسؤولية جماعية تتطلب تآزر العقول والضمائر، وتوحيد الصفوف لمواجهة التحديات الراهنة والمستقبلية.