288
0
من قطة إلى نعجة: داء الكلب يخرق الخطوط الحمراء في باتنة

في غضون أيام قليلة، اهتزت ولاية باتنة على وقع حادثتين متتاليتين وغير مألوفتين، كان بطلَهما حيوانان من خارج قائمة "المشتبه بهم التقليديين" في داء الكلب: الأولى قطة بطريق تازولت، والثانية نعجة بوادي الشعبة. الحالتان، المؤكدتان مخبريًا، دفعتا السلطات إلى إطلاق جملة من التدابير التنظيمية والتحسيسية العاجلة، تحسّبًا لاحتمال توسع رقعة هذا الداء الفيروسي القاتل، المعروف بعدواه العالية وخطورته المميتة إذا لم يُعالَج في الوقت المناسب.
استطلاع:ضياء الدين سعداوي
قطة تُشعل الإنذار... ونعجة تؤكد المخاوف
بدأت القصة بإصدار بلدية باتنة بيانًا رسميًا هذا الأسبوع، أفادت فيه بتسجيل إصابة قطة بداء الكلب على مستوى طريق تازولت، ما دفعها إلى تفعيل إجراءات مستعجلة، تحظر بموجبها تجوال الكلاب الشرسة والضالة داخل الأحياء، وتدعو المواطنين إلى التبليغ عن أي سلوك عدواني أو اشتباه بالإصابة لدى الحيوانات.
لكن الحدث الأكثر غرابة جاء بعدها بيومين فقط، حين كشفت دائرة باتنة عن إصابة نعجة بداء الكلب بمنطقة خلف حديقة التسلية بكوندورسي، ضمن إقليم بلدية وادي الشعبة. بيان الدائرة أوضح أن نتائج التحاليل البيطرية جاءت إيجابية، لتصبح هذه الحالة الأولى من نوعها في الولاية، وربما على المستوى الوطني، حسب تصريحات مربين محليين لم يعهدوا إصابة المواشي بهذا الداء من قبل.
مربو الماشية في قلق: "لم نرَ هذا من قبل!"
عبّر العديد من مربي المواشي في وادي الشعبة عن صدمتهم من الحادثة، حيث قال أحدهم:
"نعرف أن الكلاب والثعالب وحتى القطط تصاب بداء الكلب، لكن نعجة؟! هذا جديد علينا تمامًا، ونخشى أن يكون مؤشراً على خطر أكبر."
ويبدو أن مصدر العدوى قد يكون كلبًا ضالاً عض النعجة، وهو ما تؤكده كثافة الكلاب السائبة بالمنطقة، خصوصًا في المساحات المفتوحة والغابات القريبة.
إجراءات إضافية: عزل القطيع المصاحب للنعجة المصابة
وفي تصريح خاص للموقع الإخباري "بركة نيوز"، أكد الطبيب البيطري د.سفيان صحراوي أن الإجراءات الصحية لا تقتصر على التخلص من الحيوان المصاب فحسب، بل يجب أن تمتد إلى عزل القطيع الذي كانت النعجة المصابة ضمنه، وذلك لتفادي أي انتشار غير مرئي للعدوى.
وقال د.صحراوي: "يُفترض عزل القطيع لأزيد من ثلاثة أشهر كاملة، وهي المدة التي تسمح بمراقبة باقي الحيوانات والكشف عن أية أعراض محتملة قد تظهر لاحقًا، نظرًا لطبيعة فترة حضانة فيروس داء الكلب، التي قد تمتد لأسابيع."
وشدد الطبيب البيطري على أن "التهاون في هذا النوع من الإجراءات قد يؤدي إلى كارثة وبائية صامتة".
بلدية باتنة تتحرك بحزم... ومطالب باليقظة
بلدية باتنة لم تتأخر في التحرك، حيث أصدرت بيانين متتالين، شددت فيهما على: منع تربية الكلاب الشرسة دون ترخيص قانوني ، فرض وسائل وقاية إجبارية كالسلاسل والكمامات ، تحذير من التجول غير المرافق للكلاب في الشوارع، خاصة قرب المدارس ، دعوة للتبليغ الفوري عن أي حالات اشتباه أو تعرض لعضات.
وقد شملت الإجراءات الاستعجالية تفعيل لجان المراقبة الصحية، والتنسيق مع المصالح البيطرية الجهوية، كما دعت البلدية المجتمع المدني إلى الانخراط في عمليات التوعية.
تحذيرات بيطرية: "كل الثدييات مهددة إذا لم يُسيطر على المرض"
و أوضح الطبيب البيطري د. سفيان صحراوي أنّ داء الكلب لا يقتصر فقط على الكلاب، بل قد يصيب أي ثديي في حال التعرض للعض أو اللعاب الملوث من حيوان مصاب. وقال:
"ما يثير القلق هو أن الحالات الأخيرة ظهرت في حيوانات لا تُلقّح عادة ضد داء الكلب، ما يستوجب إعادة النظر في استراتيجيات الوقاية."
وأكد أن اكتشاف الإصابة في قطة ثم نعجة في ظرف أيام يضع المنطقة أمام تحدٍ كبير يتطلب تعبئة جماعية، وتكثيف التلقيح، ليس فقط للكلاب، بل أيضًا للماشية في مناطق الاختلاط الحيواني.
مخاوف شعبية ودعوات لتدخل أوسع على الأرض، تتصاعد المخاوف بين سكان الأحياء الريفية والحضرية، خاصة مع ازدياد الكلاب الضالة في محيط المدارس والأسواق. وقد عبّر أولياء تلاميذ في أحياء مثل حملة 3 و طريق تازولت عن قلقهم من تكرار حوادث العض والخدوش.
ويؤكد المواطن م. عبد العالي، من سكان طريق تازولت: "قبل أيام فقط هاجم كلب ضال طفلًا أمام المدرسة، والآن نسمع أن القطة كانت مصابة بداء الكلب! الوضع لم يعد يحتمل الانتظار."
من التحسيس إلى الوقاية: معركة مفتوحة ضد داء الكلب
تعكس هذه الحوادث المتلاحقة ضرورة تبني خطة وقائية شاملة تتجاوز مجرد حظر الكلاب الشرسة، لتشمل: تلقيح كل الحيوانات المعرضة ، تنظيف الأحياء من الحيوانات السائبة ،عزل القطعان المشتبهة ومتابعتها بيطريًا.
تعزيز التوعية المجتمعية بخطورة الداء ، تحفيز السكان على التبليغ والمرافقة الطبية عند أي اشتباه.
وفي الأخير، تبقى الوقاية هي خط الدفاع الأول، في معركة غير متكافئة ضد فيروس لا يرحم، وبيئة متغيرة توفّر له منافذ جديدة لم تكن محسوبة في السابق.