286
0
ملتقى وطني يناقش الرسالة الحضارية لجامع الجزائر في عصر الذكاء الاصطناعي

برعاية عميد جامع الجزائر، الشيخ محمد المأمون القاسمي الحسني، نظم مركز البحث في العلوم الدينية وحوار الحضارات، أمسية اليوم الثلاثاء، بالتنسيق مع المجلس العلمي للجامع، ملتقى وطنيًا موسومًا بـ "جامع الجزائر: رسالة حضارية في عصر الذكاء الاصطناعي"، بحضور وزير الاتصال زهير بوعمامة، والوزير والي ولاية الجزائر، محمد عبد النور رابحي، وعددٍ من ممثلي مختلف الهيئات.
شروق طالب
استهل عميد جامع الجزائر، الشيخ محمد المأمون القاسمي الحسني، كلمته الافتتاحية بالتأكيد على المهام التي يضطلع بها جامع الجزائر باعتباره صرحًا حضاريا ومنارة للفكر، وموضعا لتلاقي المرجعية الدينية مع أسئلة العصر، وهو ما تجسد اليوم، بحسبه، في هذا الملتقى الوطني.
رؤية جامع الجزائر لدوره الحضاري
مضيفا أن جامع الجزائر، في فلسفة إنشائه ورؤيته الوظيفية، ليس مؤسسةً أحادية الدور؛ بل هو منظومة متكاملة من المؤسسات والهياكل، تتكامل أدوارها، وتتكافل وظائفها، ليصبح مكانا لإقامة الشعائر الدينية، وجامعا للعلم والفكر والذاكرة، وجامعا للاستشراف في آن واحد.
ومن هذا المنطلق، أبرز عميد الجامع دور المؤسسات ذات الطابع العلمي، باعتبارها القلب النابض لهذه الرسالة؛ وتأتي في مقدمتها المدرسة الوطنية العليا للعلوم الإسلامية ودار القرآن، بما تمثله من صونٍ للنص المؤسس، وإرساءٍ للصلة الحية بكتاب الله، حفظا وتدبرا وتعليما.
بالإضافة إلى مركز البحث في العلوم الدينية وحوار الحضارات، بما يحمله من وظيفة استشرافية وتحليلية وتركيبية، تُعنى بفهم التحولات، ومرافقة الأسئلة الجديدة، وبناء الجسور بين الثابت والمتغير، وبين المرجعية والواقع.
مشيرا إلى أن هذه الدينامية تتم بتأطير من المجلس العلمي، وهو هيئة إشراف وضبط وتوجيه، بهدف ضمان الانسجام المنهجي، والتكامل المعرفي، والتوازن بين الأصالة والمعاصرة.
وفي هذا السياق، قال عميد الجامع "تبدو أهمية ملتقانا، الذي يندرج في صميم رؤية جامع الجزائر وأدواره، حين اختار أن يكون موضوعه رسالة حضارية، في زمن يشهد تحولا جذريا في أنماط التفكير، وأدوات المعرفة، ووسائل التأثير؛ عنوانه الأبرز الذكاء الاصطناعي".
الملتقى يعالج قضايا محورية
وفي هذا الشأن، كشف عميد جامع الجزائر عن القضايا المحورية التي سيتناولها هذا الملتقى، على غرار مسألة المرجعية، ودورها في تحصين الداخل، من خلال بناء الوعي، وصيانة الهوية، وحماية المجتمع من التفكك والاختراق.
كما يتناول الملتقى مسألة الحوار، بوصفه جسرا للانفتاح على الخارج، وعلى الآخر، لا من موقع التبعية؛ بل من موقع الوعي بالذات، والثقة في المرجعية، والقدرة على التفاعل الندي.
ومن بين أهم القضايا التي سيخوض فيها الملتقى، ذكر عميد جامع الجزائر التحديات التي يفرضها العصر الراهن، لاسيما الذكاء الاصطناعي، وما يحمله من فرص كبرى، ومخاطر حقيقية في آن واحد، وخوارزميات لديها القدرة على جمع المعطيات، وتحليلها، وإنتاج المعرفة، والتأثير في الرأي العام، وكذا صياغة التصورات.
مشددا على دور المؤسسات الدينية والعلمية في مواجهة مثل هذه التحديات، وأهمية اليقظة والاعتدال في التعامل مع هذه المستجدات، دون التسليم المطلق لها أو الرفض القطعي لها.
أهمية التعامل الواعي مع مستجدات العصر
كما أوضح أن التعامل معها يتمثل في التمكن الواعي من أدوات العصر، وفهم منطقها، وإدراك آثارها، ثم تطويعها توظيفًا رشيدًا في خدمة الإسلام والمرجعية الجامعة، وفي الحوار البناء، ونشر المعرفة الصحيحة، وإرساء القيم الروحية والوطنية، ومواجهة خطاب التضليل والكراهية.
معتبرا أن هذا التعامل هو ما دعا إليه الإسلام في جوهره، كونه دين علم ودين عقل، ودين أخلاق؛ دين يدعو إلى التفكر، ويحث على التدبر والتعقل، ويربط العلم بالمسؤولية، والمعرفة بالقيم.
كما أشار إلى أن الذكاء الاصطناعي، في ذاته، أداة، والأداة لا تكون خيّرة أو شريرة إلا بيد من يستعملها، وبالغاية التي تُسخر لها.
ومن هذا المنطلق، فإن التعامل مع الذكاء الاصطناعي، وغيره من تقنيات العصر، ينبغي أن يكون امتدادًا لهذا المسار الحضاري، لا قطيعة معه.
كما أشاد في الأخير بهدف الملتقى، وما يحمله من محاور وإشكالات وتساؤلات، تعبر عن وعي عميق بالتحديات، وعن إرادة حقيقية للانتقال من منطق ردّ الفعل إلى منطق الفعل، ومن الاكتفاء بالتشخيص إلى المساهمة في البناء والتوجيه.
ورشات وجلسات للبحث عن مقترحات فعلية

ومن جهته، أكد رئيس الملتقى، الدكتور موسى إسماعيل، رئيس المجلس العلمي لجامع الجزائر، أن مناقشة موضوع الذكاء الاصطناعي من منظور الرسالة الحضارية لجامع الجزائر، تبرز فلسفة هذا الصرح الحضاري والديني، الذي يجمع بين مكونات الهوية الإسلامية، وما تدعو إليه من مواكبة مستجدات العصر بكل وعي واقتدار.
ونوه بأن ملتقى "جامع الجزائر: رسالة حضارية في عصر الذكاء الاصطناعي" سيشهد تنظيم العديد من الجلسات والورشات العلمية، التي ستفتح باب النقاش والتعقيب للإثراء والخروج بمقترحات فعلية تتناول مختلف الانشغالات المطروحة.
رؤية تكاملية... بناء جسور بين الحضارات

ومن جانبه، أوضح رئيس مركز البحث في العلوم الدينية وحوار الحضارات، الأستاذ مسعود مداحي، أن المركز، باعتباره الهيئة المنظمة للملتقى، يعمل وفق رؤية تكاملية تحت عمادة جامع الجزائر، مجسّدًا بذلك الرؤية الطموحة للدولة الجزائرية والقائمين على هذا الصرح، الرامية إلى بناء جسور التواصل والتفاهم بين الثقافات والحضارات.
وأضاف أن مهام المركز لا تقتصر على البحث في مجالات العلوم الدينية فحسب، بل تشمل أيضًا تطوير الخطاب الحضاري والديني، ودعم حوار مثمر بين الحضارات، بما يسهم في تحقيق التعايش والتنمية، مؤكدا أن من مسؤوليات المركز إجراء بحوث ودراسات متخصصة في مجال العلوم الدينية وحوار الحضارات، بهدف إنجاز برامج بحث علمي ودراسات ذات صلة بقضايا تهم المجتمع.
وفي هذا الإطار، يندرج تنظيم هذه الفعالية العلمية بمشاركة نخبة من العلماء والمفكرين من مختلف التخصصات، من أجل مناقشة أحد أبرز موضوعات العصر الراهن، في ظل التحولات المتسارعة التي يشهدها العالم.
جامع الجزائر...حصن المرجعية الدينية في عصر الثورة الرقمية

أما الدكتور بلقاسم عدوان، رئيس اللجنة العلمية، أوضح أن العالم يشهد اليوم تغييرات عميقة في أنماط إنتاج المعرفة وصناعة الرأي العام بفعل الثورة الرقمية، لاسيما تطبيقات الذكاء الاصطناعي، ما يجعل جامع الجزائر بمثابة حصن للمرجعية الدينية أمام تحدٍ مزدوج، وهما الثبات على القيم الأصيلة، مع القدرة على التجديد في الوسائل والخطاب دون التفريط في المبادئ الوطنية والحضارية.
هذا وأكد عدوان أن الملتقى يهدف إلى معالجة هذه القضية بشكل شامل، من خلال تسليط الضوء على المرجعية الدينية في السياق الجزائري ودور العلماء والمؤسسات في حمايتها، وصولا إلى استشراف مستقبل الخطاب الديني في عالم سريع التغير.

