1814
0
ملف القدس الشريف والرئيس الأمريكي الجديد ترامب "وتعود حليمة لعادتها القديمة !!"
إعلان من لا يملك لمن لا يستحق !! ..
مصطفى محمد حابس : جينيف / سويسرا
سألني بعض الأفاضل و الفضليات، على هامش ندوة لنا قبل أيام، حول حال الأمة الاسلامية و تشرذمها من جيل لجيل و تمزق نسيجها الجغرافي والسياسي أمام تفرعن إسرائيل التي تضرب دولنا جملة و تفصيلا، بل ذهبت لضرب كل من لم يركع لها من دولنا المجاورة لكيانها دون وخف و لا وجل، كلبنان و سوريا و اليمن و غيرهم، تحت مسمع و مرأى دول العالم أجمع، و رعاية و دعم أمريكا و القوى الغربية من جهة، و صمت بل و خضوع و خنوع ربائبهم و زبانيتهم في المشرق والمغرب!!
مستفسرين خصوصا، عن وضع القضية الفلسطينية في عمومها و القدس تحديدا على ضوء عودة الرئيس الامريكي ترامب الى سدة الحكم بعد أسابيع معدودات، ليتربع على عرش أكبر و أقوى دول المعمورة!!.
الرئيس ترامب، هذا الذي وعد بطي ملف فلسطين في أيام قلائل في حملته الانتخابية الاخيرة، واعدا بجعل القدس عاصمة أبدية لإسرائيل، مثل ما أقره، أيام حكمه الأول، منذ أربع سنوات خلت..
فلم أجد بدا أمام هذه التساؤلات المشروعة و الملحة على مقالات سالفة لأصحاب الاختصاص، كما أحلت المعربين منهم على مقال قديم لنا بتاريخ 18 ديسمبر 2017، أي تحديدا منذ سبع سنوات خلت، تحت عنوان : " القدس بوابة السماء وملتقى الأنبياء "، ستبقى الشمعة المضيئة للأمة رغم كيد الاعداء !!
وهذه بعض فقراته، أقول في مستهلها، مستغربا:
يا لضعف القلم حينما يطلب منه أيام المحن أن يسجل كلمة الحق ويبارز المنكر دفاعاً عن الخير في حلبة الإعلام المتطور أمام زخم "راجمات" الفضائيات الفتاكة، التي تأتي على الأخضر واليابس في لحظات البرق قبل أن يرتد إليك طرفك!!
هكذا كان شعوري مع كوكبة من المثقفين يوم الخميس المنصرم، ونحن نتابع الفضائيات، وهي تنقل مرة أخرى توقيع الرئيس الامريكي دونالد ترامب على إهانة المسلمين ومقدساتهم، أقصد القدس والأقصى الأسير ...
فقلت لهم، أين نحن من السلف، و ردود فعل جيوشهم دفاعا عن الحرمات ونصرة المقدسات، تاريخ الإسلام يذكر لنا بجلاء ملاحم ناصعة، فعندما غضب معاوية بن أبي سفيان غزا الروم بالسفن لأول مرة في تاريخ المسلمين، و عندما غضب المعتصم بالله فتح مدينة “عمورية” أكبر معقل للبيزنطيين، و عندما غضب صلاح الدين الايوبي أقسم ألا يبتسم حتى يعيد فلسطين للمسلمين، و عندما غضب عبدالرحمن الغافقي والي الأندلس وصل بجيش المسلمين إلى آخر مدينة تور قبيل باريس، و عندما غضب محمد الفاتح فتح مدينة “القسطنطينية” أكبر معقل للروم. و عندما يغضب امراء وملوك العرب اليوم يرسلوا خطاب استنكار للأمم المتحدة ! رحم الله أياماً كان غضب المسلمين جيوشِاً لا يُرى آخرها.
هذه هي نخوة الرجال، و عظمة حملة الرسالة، مصداقا لقوله تعالى: فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى* وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (123-124) سورة طـه، هذه معادلة الحياة وما على الإنسان إلا أن يختار!!
" فلسطين وديعة محمد عندنا، وأمانة عمر في ذمّتنا، وعهد الإسلام في أعناقنا"
وهذا العلامة الابراهيمي يقرع مسامعنا و يحملنا المسؤولية بقوله:
"إن فلسطين وديعة محمد عندنا، وأمانة عمر في ذمّتنا، وعهد الإسلام في أعناقنا، فلئن أخذها اليهود منّا ونحن عصبة إنا إذًا لخاسرون !! "(البشير الإبراهيمي - الآثار 445/3).
لقد أصابني يومها مدة ساعات طوال دوار شديد و أنا أتأمل هذا الكلام البليغ الذي كتب في بداية احتلال فلسطين، أعقب هذه الحالة تخبط في النفس، وتصدع في المشاعر والأفكار ،فلم أعد أملك وسيلة لجمع شتاتها في ذهني، ولا سبيلاً للتعبير عنها بلساني وبناني، لا لشيء إلا لأن لغة الخشب العربية "زودتها" تهديدا و شجبا ضد بني صهيون، حيث سارعت أبواق حكامنا دون حياء و لا خجل إمعانا في الجريمة، على حد قول المثل " يقتلون الميت و يمشون في جنازته".
لهذا تراني أحمل الساعة هذا القلم، سلاحي الوحيد، بين أصابع ترتجف، وفي القلب طوفان من اللهب الذي لا يهدأ، وفي الصدر نحيب يختنق، ولوعة لا تبين. وفي الحلق غصة، وفي اللسان عقدة، لأني أعرف الى أين هم ذاهبون بنا، هؤلاء القوم الـ ..، سلالة " العام سام" وزبانيتهم في المنطقة.
المسجد الأقصى بوابة السماء و ملتقى المرسلين الأنبياء
لأن إعلان القدس عاصمة لإسرائيل بمثابة "إعلان من لا يملك لمن لا يستحق"، لما للأقصى من حرمة و قدسية، فالقدس عاصمة فلسطين كانت وستبقى بإذن الله دينيا وتاريخيا وواقعاً.
والمسجد الأقصى هو القبلة الأولى، وهو المسجد الذي بني بعد المسجد الحرام على الأرض المبارك فيها، أرض الأنبياء ومهبط الرسالات وأرض الرباط إلى يوم الدين، والمسجد الأقصى هو أحد المساجد الثلاثة التي تشد إليها الرحال كما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم: «لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلَّا إِلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ: الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَمَسْجِدِ الرَّسُولِ ، وَمَسْجِدِ الْأَقْصَى».
والمسجد الأقصى بوابة السماء وملتقى المرسلين الذين عقدوا فيه بقيادة محمد صلى الله عليه وسلم أعظم مؤتمر في ليلة الإسراء والمعراج حيث كانت البيعة التي تؤكد وفاء الأنبياء والرسل بالميثاق الذي أخذه الله عليهم في قوله تعالى:" وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آَتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ ((آل عمران /81 )).
أما عن أمانة القدس عند الصحابة، قال أنس بن مالك:" إن الجنة لتحن شوقاً إلى بيت المقدس وصخرة بيت المقدس من جنة الفردوس"، وقال عبدالله ابن عباس :"البيت المقدس بَنَتْهُ الأنبياء وسكنته الأنبياء ما فيه موضع شبر إلا وقد صلّى فيه نبيّ أو قام فيه ملَكٌ"، وقال عمر بن الخطاب: ”نعم المسكن بيت المقدس، وليأتين زمانٌ يقول احدهم ليتني لبنة في بيت المقدس"
ضربة في العمود الفقري لكي تصاب الأمة بشلل كلي
لكن من جرأ الصعلوك ترامب على فعل ذلك، إنهم بنو جلدتنا، ومن صفوفنا، من شعوبنا و حكامنا من المشرق كما من المغرب، أي من عقر دارنا، و هذا الفعل متمم و موضح لما كنت كتبته منذ أزيد من 17 سنة خلت (الحياة اللندنية، بتاريخ 01.10.2000 /ص:8) بأن قناعتي أن الضربات الموجعة في العمق، تأتي دائماً من وراء الظهر أقصد الجوار وليس بالضرورة من وراء الحدود والبحار ، وليس القصد منها التخفي بقدر ما هي ضربة في العمود الفقري لكي تصاب الأمة بشلل كلي وتنمو مع مر الأيام والسنين مقعدة ساكنة حتى يأتي الله بأمره. فإن حاولت القفز الى العلياء في سلم القيم، تدحرجت "كجلمود صخر حطه السيل من عل".
أو كما وصف خيانتهم، أستاذنا الدكتور توفيق الشاوي في مذكراته "نصف قرن من العمل الإسلامي" لمشهد مماثل عاشه هو عن فلسطين و مصر، حيث كتب -رحمه الله- "... هناك دلائل كثيرة اكتشفتها في ما بعد و أقنعتني بأن الهجوم على الإخوان المسلمين في مصر سنوات 1945 ثم 1954 و1956، قد ساهمت فيه ومهدت له واستفادت منه قوى أجنبية عالمية متعددة فلم يكن حدثاً محلياً من صنع جمال عبدالناصر وعبدالرحمان عمار و...، أو غيرهم ممن يوقعون على قرارات قد أعدت في أروقة المخابرات الأجنبية المعادية للإسلام... مثل قرارات إلغاء الجامعات الإسلامية في ليبيا والسودان وفاس، أو ما يسمى تطوير الأزهر" (ص:321 ).
فعلاً لقد سقطت فعلاً حضارة المسلمين منذ قرون! ولم يشفع للمسلمين اسلامهم، لأنها فقدت "فاعلية المسلم" كما يقول مالك بن نبي رحمه الله، وسقط بها كيانهم السياسي منذ أكثر من نصف قرن جزاءً وفاقاً من رب عادل. وهو ما أقره العلامة الإبراهيمي في مذكراته، بقوله: تالله ما ضاعت فلسطين اليوم، ولكنها ضاعت يوم وُعدوا بها، فركنوا إلى العمل، و ركنتم إلى الكلام، بل ضاعت قبل ذلك بقرون، منذ نبت قرن صهيون، فتماريتم بالنذر، ولم تأخذُوا الحذر.." (البشير الابراهيمي؛ الآثار 533/3)
لأن قومنا خالفوا سنن الله التشريعية والاجتماعية والكونية مصداقاً لقوله تعالى: "إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم".
ستبقى القدس الشمعة المضيئة في عتمة الامة
لله المشتكى، فمدار الأحداث يؤكد بدايات سورة الاسراء على أرضية واقعنا.. وستبقى القدس الشمعة المضيئة في عتمة فرقة الظلام لتوحد هذه الأمة الظالم أهلها.. وشكرا لزعيم الصهيونية العالمية المسمى ترامب على صك منحة توحيد أمتنا لان تحرير الشعوب لا يتم إلا بثورة طويلة النفس ، غالية الثمن..
وبعد كل هذه الآهات والزفرات، فهل من كلام؟ نقول بأمل و ثقة في الله، لا يداخلها شك" رب ضارة نافعة"!! و حق بعدها للمغرضين من الذين يعنيهم مقالي هذا أن يقولوا ما شاؤوا كعادتهم عن الإسلام و محنة أرض الاسلام. أما العبد لله فحسبه قول العلامة عبدالرحمان الكواكبي رحمه الله: "صيحة في واد، ونفخة في رماد، إن ذهبت اليوم مع الريح، فستأتي غداً بالأوتاد!"، وإن غدا لناظره قريب، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين ولا عدوان إلا على الظالمين.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين ولا عدوان إلا على الظالمين.
هوامش :
1- آثار العلامة البشير الإبراهيمي ( 445/3).
2- الحياة اللندنية، بتاريخ 01.10.2000 /ص:8
3- نصف قرن من العمل الإسلامي، أستاذنا د. توفيق الشاوي.
4- آثار العلامة البشير الإبراهيمي ( 533/3).
5 - مقالنا، ستبقى القدس الشمعة المضيئة للامة رغم كيد الطغمة.